الارواح الميتة تطارد انتخابات كردستان
شاب مثالي يرى بأن الاموات لعبوا دورا في انتخبات أقليم كردستان العراق الاخيرة
الارواح الميتة تطارد انتخابات كردستان
شاب مثالي يرى بأن الاموات لعبوا دورا في انتخبات أقليم كردستان العراق الاخيرة
كنت جالسا مع اصدقائي في احد المقاهي المحلية عشية ليلة الانتخابات البرلمانية الكردية وانتخابات الرئاسة في 25 من تموز ، حيث كنا نتناقش عن القوائم التي سنصوت لها وعما اذا كانت اوصاتنا ذات اهمية او لا.
لم يكن اصدقائي متحمسين للتصويت ، مجادلين ان الانتخابات لن تتمتع بالنزاهة حيث سيفوز اصحاب المناصب الطويلة الامد. الا انني حثثتهم على المشاركة ايمانا مني بوجود الديمقراطية ومبدا الانتخابات.
من احد القضايا التي تم اثارتها في الصحف المحلية هو وجود اسماء لناخبين متوفين في السجل الانتخابي ، وهي علامة، اعتقدها البعض، تدل على ان هناك مشكلة ستلوح في الافق.
بحلول منتصف الليل، وبعد ان تعبنا من شرب عدة كؤوس ، استنتجنا بان التصويت هو واجب مدني- وهو شرف ممنوح لنا من قبل مقاتلي البيشمركة الاحرار وضحايا صدام.
قررنا بعد ذلك ان نذهب جميعا لمراكز الاقتراع وان نشجع البقية على فعل نفس الشيء ايضا، بغض النظر عن قناعاتهم السياسية.لم استطع اتخاذ قرار الا انني كنت على دراية بانني يجب ان اصوت.
في اليوم التالي قفزت من فراش عند الساعة الواحدة ظهرا . ولدى نزولي السلالم، سمعت والدي يجادل بالقول بان قائمة كردستاني ، التي تضم ائتلاف الاحزاب التي حكمت لعدة عقود، ستبقينا بامان من التهديدات العربية.
اما والدتي فقد جادلت لصالح قائمة التغيير،المتحدي الرئيسي ، مؤكدة بان هذه القائمة قادرة ان تفرض القانون في كردستان وان تعيد الاراضي القيمة التي تم اغتصابها من عائلتنا قبل عشر سنوات.
كان الجدال انعكاسا للذي خضته مع اصدقائي في الليلة السابقة . لم استطع اتخاذ قرار بعدها ، فاستمعت الى الصحافة الكردية عسى ان يقنعني احد الاطراف.
بعد الخامسة عصرا بقليل ، وقبل ان تقفل مراكز الاقتراع ، فبدات التوجه نحو مركز الاقتراع. تبادر الى ذهني الجدل الداخلي مع نفسي عن كيفية الادلاء بصوتي بينما كنت احث الخطا في رحلتي التي استغرقت 30 دقيقة. غير انني كنت متحمسا ومشتاقا للمضي بواجبي المدني.
كنت اتصابب عرقا بنما كنت مازال في منتصف الطريق الى المركز الانتخابي. سفعت الشمسي راسي بينما كان جانبي الطريق مغطى بالتراب. انتبهت الى قطة كانت مسترخية بتكاسل تحت شجرة ما وفكرت كم هي القطط محظوظة: فهم لايتحملون مسؤوليات تثقل كاهلهم مثل البشر.
رن موبايلي بعدها ليخيف القطة. فقد كان المتصل احد بنات عمومتي والتي كانت تعمل في احد المراكز الانتخابية في مدينة اخرى.
فقالت : " لقد قمت بشيء مضحك" ..." لقد صوت باسمك في المحطة الانتخابية التي اعمل بها".
لوهلة تناسيت الحر . فكانما توقف الزمن بي.
فقد اخبرتني بان بعض مسؤولي الاحزاب حضروا الى المركز ، واخبروا عمال المركز باضافة اسماء اقربائهم ممن لايسكنون نفس المنطقة الى السجل الانتخابي المحلي.بعد ذلك استخدموا هذه الاسماء باضافتها الى صناديق الاقتراع.
اكملت طريقي بحالة صدمة . عندما اقتربت من المركز الانتخابي رن هاتفي مرة اخرى. فكان قريبا اخر في مركز انتخابي اخر.
فقال : ط لقد تحققت امنية جدك"
فبعد ان ادلى قريبي بصوته، قام بالتصويت لجدي ايضا مرة ثانية.
كان جدي رجلا محترما يدافع عن كردستان قوية وديمقراطية. فقد توفي منذ 12 عاما.
لقد ساعدت عائلتي على اعطاء هذه المنطقة ملامحها. فقد خسر جدي كل اعمامه واحد اخوانه الكبار اثناء محاربة البريطانيين لاجل استقلال العراق.
نفي جدي خارج كردستان من قبل نظام صدام حسين لمدة 11 عاما لتاييده الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والذي اسسه مصطفى البارزاني. حيث يشغل ابنه الان منصب رئيس حكومة اقليم كردستان الان.
عندما فكرت بذلك، خطر ببالي لوهلة ما ان اتخلى عن كردستان العراق بالكامل وانضم لصفوف الشباب الكرد الذين يحاولون ترك العراق.
تذكرت بعدها خطاب الرئيس مسعود بارزاني الذي كان ينادي لانتخابات نزيهة وشفافة. حيث كانت كلمات العدل، الديمقراطية، الحقوق والشفافية تدور في راسي.
تذكرت كلمات جدي ، والذي كان رجلا مسالما رافضا للحرب، عندما اخبر ابن عمه قبل سنوات مضت " ان بارزاني وشعبه من احد مقاتلي البشمركة الجيدين. فهم الافضل في القتال".
" الا انهم لايملكون الحق لحكم كردستان. يجب ان تشكل حكومة مدنية من كل الاكراد المثقفين البارزين اعتمادا على مؤهلات معينة ، وليس القوة العسكرية".
فقررت ان جدي لن يتفاجا بتزوير الانتخابات . الا انه كان سيشعر بخيبة الامل والغضب كما اشعر الان.
قررت عدم الادالاء بصوتي شاعرا بشعور الهزيمة. شعرت كما لو انني ضللت اصدقائي، الذين حذروني من الاحتيال والتزوير قبل ان اغلبهم بحجة نقاشي حول موضوع الديمقراطية بتصريحاتي الرنانة.
وصلتا لبيت في الساعة العاشرة مساءا لكي ارى والدتي، والتي كانت تعمل ايضا في احد المراكز الانتخابية.
فاخبرتني بان القوات الامنية الكردية حضرت الى المحطة بعد فترة قصيرة من اغلاق صناديق الاقتراع وحشوها. فقد استخدموا اسماء اقاربهم المتوفين من الذين مازالت اسماءهم مدونة في السجل الانتخابي.
فاويت الى الفراش يغمرني شعور بالاحباط.
سمعت بعد ذلك ان لجنة الانتخابات العراقية كانت تحقق بتقارير الانتهاكات ابان يوم الاقتراع.
هذا وقد صرح سردار عبد العزيز، احد اعضاء اللجنة، بانه لم يتمكن من التعليق على بعض الاداعاءات المعينة. الا انه اصر بان اللجنة ستعمل على اجراء تحقيق عام وتتخذ " اجراءات صارمة" في حال وجود أي كتلة سياسية متورطة بعملية تزوير.
في الصباح الذي تلا يوم التصويت ، استاجرت احد سيارات الاجرة للوصول الى العمل. كان السائق يضع احد الاغنيات التي تمجد شجاعة البيشمركة والذين دافعوا عنا في اعالي الجبال.
ثم اخبرني ان اربعة من افراد عائلته ممن كانوا مؤهلين للتصويت ، ادلوا بثلاثة اصوات لكل واحد منهم.
ثم قال " فاز بارزاني الان، والامة الكردية امة منتصرة بلا شك".
فشعرت بالاحباط والاسف عليه. من المعتاد مناقشة الامور الشخصية في سيارات الاجرة باربيل، فعمدت الى سؤاله بعض الاسئلة بخصوص وضعه المادي.
فعلمت انه يستاجر منزلا في منطقة فقيرة للغاية. ويعمل ابنه ذو الاربعة عشر ربيعا بدل الذهاب الى المدرسة.
ثم اخبرني كذلك بانه قضى شبابه في مقاتلة نظام صدام حسين كاحد اعضاء البيشمركة في جبال كردستان. حلم بان يصبح مهندسا ، الا انه لم ينه تعليمه ابدا.
واسترسل بالحديث " انا على دراية بان الحزب الديمقراطي نسوا كل شيء بشان هؤلاء الذين ساندوهم في الماضي، الا انني من المخلصين لمصطفى بارزاني ولذلك صوت لولده".
واضاف " على الحاكم ان يكون قاسيا ، والا لن يطاع. علينا ان نضحي بالديمقراطية في سبيل المجد بعض الاحيان".
ففكرت في نفسي في مدى قوة ارواح الموتي في هذه الانتخابات. حيث مازالت ارواح الموتى تؤثر في الناخبين، ومازالت الاصوات تلقى باسمهم.
لقد صودرت اصوات الاحياء لصالح الموتى على حساب الديمقراطية.
كتابة : الصحفي آرا داوود.
ملاحظة : السيد آرا داوود هو الاسم الصحفي لكاتب المقالة وقد خص بها معهدنا
ترجمة : فرح علي