الحياة بعد 'الدولة الاسلامية'.
تعود الحياة الى طبيعتها السابقة بعد تحسن الوضع الامني في المناطق السكنية في بغداد، الا انه لا احد متاكدا من استمرار وديمومة الاستقرار.
الحياة بعد 'الدولة الاسلامية'.
تعود الحياة الى طبيعتها السابقة بعد تحسن الوضع الامني في المناطق السكنية في بغداد، الا انه لا احد متاكدا من استمرار وديمومة الاستقرار.
كنت حينها طالبة في المدرسة الابتدائية، وعند ظهيرة كل يوم كان الطلبة يخرجون من المدارس وتمتلأ الشوارع بالمتبضعين مما يجعل الحياة تدب في تلك المنطقة. كنا نبقى خارج البيت لغاية منتصف الليل حتى في الاوقات الصعبة التي فرضت فيها الامم المتحدة الحصار الاقتصادي.
احدى الاشياء التي احببتها في المنطقة هي اختلاف تنوعها. كانت صديقتي ثناء تسكن بعيدا عنا بشارعين. كانت هي متدينة وكنت انا علمانية، الا ان ذلك لم يفسد للود قضية بيننا. كانت تذهب الى الجامع للصلاة كل يوم ولسماع خطبة الامام. رغم اني كنت ارغب مرافقتها بالذهاب الى الجامع، الا انني لم اكن امتلك الايمان الكافي للقيام بذلك.
تغير كل شيء بعد سقوط بغداد عام 2003. فقذ بدأت اسمع قصصا غريبة حول خطف وقتل الناس الذين كنت اعرف البعض منهم. بدأ السكان الرحيل الى اماكن اكثر امانا.
وبعد ذلك صارت الامور تسير نحو الاسوأ. في العام 2005، اشتهرت منطقتي بكونها احدى اخطر المناطق في العاصمة. فقذ سيطر عليها المتطرفون السنة الذين اطلقوا على انفسهم اسم "الدولة الاسلامية" في العراق واعلنوها قلعتهم في بغداد.
كانوا يتجولون في المنطقة اثناء الليل اما بالسيارات او على الاقدام وهم يحملون اسلحتهم على اكتافهم ويقتلون الناس في الشوارع لمجرد مخالفتهم واحدا من قواعدهم وتعليماتهم.
عرفنا قوانينهم من خلال منشوراتهم التي يخبرون السكان فيها بعدم تحدي سلطتهم او العمل مع الامريكان، وكذلك كانوا يمجدون قائد ااقاعدة اسامة بن لادن. كان معروفا انهم يستخدمون الجوامع كمكان لاجتماعاتهم وتكديس الاسلحة.
لقد اعلنوا ان احد اهدافهم هو طرد الشيعة من المنطقة.
لم اكن افكر بالطائفية وانا اتقدم بالعمر لان ذلك لم يكن بالامر المهم في منطقتنا، بل انني عرفت ووعيت ذلك في ظهيرة احد الايام الحارة حين سمعت طرقا على الباب، كان الطارق ثناء وامها بعد استلامهم ورقة تهديد تخبرهم "اتركوا المنطقة ايها الشيعة".
" لقد انتهى الامر" قالت ثناء التي لم تكن تتكلم عن نفسها وانما كانت تتكلم نيابة عن جميع الشيعة في المنطقة. " لم يعد بامكاننا البقاء هنا". لقد هددوا بقتلنا جميعا ان بقينا، وقد منعوني من الذهاب الى الجامع للصلاة قائلين انه للسنة فقط. "سافتقدك".
تعانقنا ونحن نبكي، ثم رحلت ثناء.
بالنسبة لنا الذين بقينا، تغيرت الحياة بشكل كامل. رغم ان عائلتي علمانية، فاننا سنة ولم نهدد باي هجوم طائفي. ولاول مرة في حياتي فانني لا استطيع الخروج من البيت دون ان اضع الشال على رأسي وان البس الاكمام الطويلة والسروال. لم تكن البنطلونات مسموح بها. كنت لا اضع المساحيق عند خروجي من البيت.
كان والداي متحرران ولا يتدخلا في ملبسي ولهذا تمتعت بحرية وانا اتقدم بالعمر. ولهذا كانت القيود الجديدة صعبة علي ، وقد تأقلمت مع القوانين الجديد في منطقتي ولكن كان دمي يغلي بصمت.
نتائج عدم الامتثال للقوانين كانت واضحة. دخلت علي صديقتي البيت وكان صوتها مرتجف وهي تخبرني انها كانت على وشك ان تقتل. كان البنطلون الذي ترتديه طويلا لكنه كان ضيقا مما استرعى انتباه احد رجال الميليشيات الذي اوقفها واخبرها انه سيقتلها لو خرجت ثانية من البيت بهذا الزي.
منع الشباب من لبس الشورتات او تسريح شعرهم حسب الموضة. المدرسة التي كنت اداوم فيها تم فصل البنات عن البنين فيها. بعد ان تمت مهاجمتها وقتل طالب فيها، توقف الطلبة عن الدوام.
اصبح السوق المركزي الذي كان يومايعج بالمتبضعين فارغا، واغلقت الكثير من المحلات.
انه احد اسوأ الاوقات في حياتي، واتمنى ان تتحول الى مجرد ذكرى من الماضي.
بعد سنتين من المعاناة المتواصلة،بدأ الوضع بالتحسن تدريجيا. اجبرت منطقتنا الحكومة على ادراجها ضمن خطة امن بغداد وقد اقسم السنة من اعضاء مجالس الصحوات على التعاون مع الحكومة لتحقيق الامن.
بدأ جيراننا بالعودة تدريجيا من مناطق مثل سوريا حيث عاد الكثير منهم بعد نفاذ نقودهم. لقد تعرفوا على المنطقة بصعوبة حيث كانت مسرحا للقذائف والمعارك بين المتطرفين الاسلاميين والقوات العراقية والامريكية.
عادت ام سلام وهي امرأة شيعية الى المنطقة. وتقول انها لاتستطيع تحمل ذكرياتها في المنطقة. بدأت ببيع اثاثها ولا تفكر بالبقاء هناك. لقد قتل ابنها سلام من قبل القاعدة.
وقد اخبرتني "انها لا تستطيع العيش في البيت ابدا". لا تزال المنطقة تبدوا وكانها مدينة اشباح او منطقة حرب. لقد دمرت الكثير من البيوت، وفتحت بعض المحلات بعد ان عوضت الحكومة اصحابها بمبلغ 2500 دولارا. تم تفجير او حرق بعض البنايات التاريخية الجميلة وقد اغلقت اكبر صيدلية في المنطقة.
السكان في منطقتنا منقسمون الى مجموعتين- مجموعة تعتقد بان الامور ستتحسن وسيستقر الوضع الامني، ومجموعة تعتقد ان "الدولة الاسلامية" لا تزال قوية وستعود للسيطرة على المنطقة مرة ثانية.
وحتى مع تحسن الوضع الامني، ظل هناك سؤال يدور في رؤسنا، هل سنكون في امان مرة ثانية؟
هذا اول مقال من سلسلة مقالات سينشرها معهد صحافة الحرب والسلام تحت عنوان "اصوات النساء العراقيات". لم بذكر اسم الكاتبة ولا اسم منطقتها لاسباب امنية. وتم تغيير بقية الاسماء الواردة في المقال.