الاعلام العراقي يشكو من تقييد حرياته
معظم الصحفيين يدعون الى قوانين جديدة لحمايتهم والسماح لهم بحرية أكبر في الوصول الى المعلومات
الاعلام العراقي يشكو من تقييد حرياته
معظم الصحفيين يدعون الى قوانين جديدة لحمايتهم والسماح لهم بحرية أكبر في الوصول الى المعلومات
عبير محمد (تقرير الازمة العراقية رقم 362، 10 كانون الاول- ديسمبر 2010)
دعا صحفيون في العراق الى تشريع قوانين جديدة من أجل ضمان حماية حرياتهم، وسط مخاوف من ان الحكومة تعمل بصورة متزايدة على الحد من حرية التعبير.
وعلى الرغم من ظهور صحافة حرة في العراق عقب الاطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، إلا ان وسائل الاعلام كانت على الدوام تشكل هدفاً لتنظيم القاعدة والميليشيات الشيعية، مما جعل العراق من أكثر مناطق العالم خطورة على حياة الصحفيين.
لكن وبعد مرور ثماني سنوات، يقول صحفيون بانهم يشعرون بان الحكومة- وليس المتطرفين العنيفين- هي التي تشكل التهديد الأكبر على مهنتهم.
"تملك الحكومة الآن السلطة لمنع الصحفيين من الحصول على المعلومات، وتقييد حركاتهم ونشاطاتهم أيضاً. فالحكومة قادرة الآن على مقاضاة الصحفيين في المحاكم المحلية، والحد من حرياتهم أكثر فأكثر" يقول هادي جلو مرعي، المدير التنفيذي لمرصد الحريات الصحفية، JFO، وهو أحد مؤسسات الدفاع عن حقوق الصحفيين في بغداد، و أحد شركاء معهد صحافة الحرب والسلام.
"كلما ازدادت الحكومة قوة، كلما أصبحت أكثر قدرة على منع الصحفيين من الوصول الى المعلومات التي يحتاجونها. وفي العراق، وجود حكومة قوية يعني توفراً اقل للمعلومات، كما ويعني ان يصبح الصحفيون ضعفاء حين يواجهون الحكومة".
ويعتبر مرعي واحد من بين كثيرين من خبراء الاعلام الذين يدعون الى وضع قوانين جديدة لحماية الصحفيين، والسماح لهم بحرية أكبر للحصول على المعلومات، في وقت يحذر فيه قطاع الاعلام العراقي من تشديد قبضة الحكومة عليه.
"يواجه الاعلام المحلي المزيد من القيود يوما بعد آخر. لا يمكنني تصوير اي مشاهد في بغداد، حتى انني لا استطيع تصوير حديقة بدون الحصول على اذن من القوات الامنية". يقول رحمان علي، وهو مصور تلفزيوني حر، والذي تم تغيير اسمه بناءاً على طلبه.
واستناداً الى ما يقوله علي وآخرون، فان السلطات كثيرا ما تستخدم المخاوف الامنية كذريعة لاعاقة الصحفيين من أداء عملهم، ومراقبة نشاطاتهم عن قرب. وقال مصورون فوتوغراف وصحافيون في قطاع تصوير الفيديو تحدثوا الى معهد صحافة الحرب والسلام، بانه يتوجب عليهم الحصول على موافقة رسمية لممارسة عملهم، كما انهم يجبرون أحيانا على قبول مرافقة قوات الامن لهم حتى الى مواقع آمنة نسبياً.
"كيف يمكنني نشر وبث الحقائق التي اريدها بينما عيوان وآذان الحكومة تحاصرني؟ لا ترغب الحكومة في كشف جميع الحقائق" قال علي.
ورفض علي الموسوي، مدير مركز الاعلام الوطني العراقي المرتبط بمجلس الوزراء، والمستشار الاعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي، الافكار التي تقول ان الحكومة تفرض قيوداً على حرية الاعلام في العراق.
"أدى الانفتاح على حرية الاعلام بعد عام 2003 الى حالة من الفوضى" قال الموسوي " بدأت وسائل الاعلام بالعمل في كافة أنحاء البلاد، لكنني أعتقد بان هذا الوضع قد أستقر، وسيصبح أكثر تنظيماً كل يوم وبدون أي تدخل من الحكومة".
ومنذ عام 2003 تم انتقاد الحكومة لاغلاقها مؤسسات اعلامية بدعوى ارتكابها الخروقات، وأحد الأمثلة الأكثر بروزاً كان الذي حدث مؤخراً، وذلك حين أغلقت قناة تلفزيون البغدادية الاخبارية، التي تتخذ من قاهرة مركزاً لها، مكاتبها في العراق بناءاً على اوامر من المالكي، بعد عرضها لمطالب المسلحين الذين احتجزوا رهائن خلال الحصار الدامي لاحدى الكنائس في بغداد في 31 من تشرين الاول الماضي.
"بناءاً على اصرار رئيس الوزراء منع البغدادية من العمل داخل العراق، فان ادارة القناة قررت اغلاق مكاتبها في العراق" كما جاء في بيان للبغدادية.
"نأسف لاتخاذنا هذا القرار، لكننا نؤمن بان محاولات منع الناس من التعبير عن وجهات نظرهم ومعاناتهم اليومية، سوف لن تمنع البغدادية من القتال من اجل حرية الاعلام والتحقيق في قضايا الفساد وحرية الراي".
ويقول أحد المراسلين السابقين لقناة البغدادية، والذي يعمل حالياً في قناة الاتجاه، بان الحكومة اشاعت جواً من الخوف بين الصحفيين.
"شعرت بانني قد أعتقل من قبل قوات الحكومة في اي وقت، وتحت اي ذريعة وبدون اي سبب، فقط لاننا نقول شيئاً قد لا ترغب فيه الحكومة" يقول علي مطير- 31 عاما- والذي لم نفصح عن اسمه الحقيقي بناءاً على طلبه.
"لقد تلقيت لأكثر من مرة تهديدات مبطنة من مسؤولين في الحكومة. وفي احدى المرات سألني أحدهم: أليست لديك عائلة؟ يجب عليك الانتباه الى عملك من أجلهم". اضاف مطير.
ويرى استاذ الاعلام والصحافة، كاظم المقدادي، بان تقييد وسائل الاعلام هو تهديد مباشر للديمقراطية الحديثة الولادة ولحرية الصحافة في العراق.
"لن تكون هناك ديمقراطية في العراق بدون اعلام حر، ومن المستحيل وجود اعلام محلي حر مع وجود مثل هذه القيود" يقول المقدادي. " نأمل ان تقوم الحكومة الجديدة بتقوية الاعلام من أجل المساعدة في عملية بناء الوطن.
"سيساعد هذا في تطوير الديمقراطية في البلاد، وفي نهاية المطاف سيعود هذا بالنفع على الشعب وعلى الحكومة ذاتها".
ولكي يتم تحقيق ذلك، يقول مرعي من مرصد الحريات الصحفية، بانه لابد من سن تشريع لدعم الشفافية، واتاحة المجال للحصول على المعلومات والاطلاع عليها، وحماية حقوق الصحفيين. واضاف بان مرصد الحريات الصحفية قد رعى قوانين تنتظر الآن مصادقة البرلمان عليها، والتي ستساعد الصحفيين على القيام باعمال التحقيق، وخصوصاً حول قضايا الفساد.
ومع ذلك يوضح مرعي بان المشرعين والمسؤولين العراقيين هم أنفسهم بحاجة الى ان يتثقفوا حول القوانين الصحافية واخلاقياتها.
اما في الوقت الراهن فان صحفيين مثل اسماعيل علي -41عاما- وهو كاتب معروف يكتب لعدد من الصحف في بغداد، يتساءلون عن مستقبل الاعلام العراقي.
"نعم، نحن بحاجة الى قانون يضمن حقوقنا، الى قانون يحيمينا. وحتى يتحقق ذلك فأنا متشائم ازاء مستقبل الاعلام في العراق" قال علي.
"أتحدى أي صحفي أجنبي ليأتي ويعمل في العراق، ولنرى اذا ما كان يغادر وهو أكثر تشاؤماً مني بكثير".
عبير محمد محررة العراق في معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد.