مشردون عراقيون ينذرون بأزمة اجتماعية

نصف مليون مهجر عراقي يواجهون مستقبلاً قاتما في مخيمات مزرية

مشردون عراقيون ينذرون بأزمة اجتماعية

نصف مليون مهجر عراقي يواجهون مستقبلاً قاتما في مخيمات مزرية

علي كريم – العراق (تقرير الازمة العراقية رقم. 338 ،27 –أيار2010)

تخشى منظمات الاغاثة الانسانية من ان يؤدي التفشي المخيف للمستوطنات غير الشرعية الى حدوث أزمة اجتماعية، اعتبرها أحد المسؤولين الكبار في الامم المتحدة واحدة من " أكبر الأزمات الانسانية تواجه العراق".

وحسب أحدث تقارير اوردتها وكالتان دوليتان فان ما لايقل عن نصف مليون مهجر من أصل مليون ونصف مليون مهجر عراقي داخل البلاد IDP)(مجبرون على العيش داخل مخيمات مزرية غير قانونية تنقصها وسائل العناية الصحية والخدمات العامة.

ولقد سجلت المفوضية العليا للاجئين التابعة لمنظمة الامم المتحدة زيادة حادة في عدد المخيمات غير الشرعية منذ عام 2009، وطالب ناشطون انسانيون الولايات المتحدة والامم المتحدة، القضاء على هذه المشكلة قبل استفحالها وخروجها عن نطاق السيطرة.

وقال ممثل المفوضية العليا للاجئين في العراق، دانييل أندرز " لقد سجلنا 160 الف مستوطنة في بغداد العام الماضي، لكن هذا الرقم ارتفع الى 260 الفاً في شهر آذار. وهذا العدد في بغداد وحدها، ولم ننشر حتى الآن العدد الكلي للمستوطنات في عموم العراق، ولكن الرقم ارتفع على الاقل من 400 الف الى 500 الف  في الوقت الحاضر".

وقد أكدت مقابلات اجراها معهد صحافة الحرب والسلم تزايد اعداد المخيمات، كما وجدت ان الاوضاع المعيشية والصحية قد تدهورت مع ارتفاع العدد. وعلى الرغم من ان المهجرين الداخليين الذين فروا من منازلهم بسبب الحروب والقتال الطائفي، كانوا على الدوام يمثلون مشكة في العراق، إلا ان الكثيرين منهم قالوا بانهم سكنوا في المخيمات بسبب الفقر الشديد والبطالة.

ويقول اندرز " يبدو ان المشكلة تتفاقم بسبب بروز عوامل جديدة، من بينها القحط وفقدان الكثير من الناس لمصدر عيشهم. كما وجدنا ان الكثير من اللاجئين الذين عادوا من خارج البلاد انتهى المطاف بهم في هذه المخيمات".

ويضيف اندرز " ان المبادئ الاساسية لتعريف الناس المهجرين داخلياً IDP)  (واسعة : فليس عليك ان تكون مشردا بسبب الحرب لتكون واحدا من المهجرين الداخليين. قد تكون كذلك بسبب اية حادثة تجعلك تعيش خارج سياق حياتك الطبيعية وفي عوز ووضع معيشي غير قابل للاحتمال".

كما ان نوعية المستوطنات التي تتالف منها المخيمات اللاقانونية هي الاخرى ذات تعريف مفتوح حسب المنظمات الانسانية، فالكلمة عموما تشير الى اي شخص يعيش على ارض، لايمتلك حق او اجازة العيش عليها.

وتحتل المخيمات الكبيرة أراض عامة وبنايات حكومية وقواعد عسكرية  سابقة في بغداد: ويمثل موقع الرشيد العسكري، وهو قاعدة عسكرية للجيش العراقي السابق ابان عهد صدام حسين، أكبر هذه المخيمات حيث تعيش فيه الآف العوائل على أرض تقدر مساحتها بـ 1200 دونم.

وتتوسع المخيمات الكبيرة الاخرى في ضواحي حي الكاظمية في شمال بغداد وفي الكرادة الواقعة جنوبي بغداد. كما يوجد في مدينة الصدر عدة مخيمات اقيمت بشكل عشوائي وبطريقة لاقانونية.

وعلاوة على ذلك يستمر بناء مخيمات جديدة، بعضها كبير، بينما يتألف البعض الآخر من مجموعات صغيرة من عوائل متكدسة في غرف وبيوت مؤقتة مبنية من القماش والطين ومخلفات المعادن على قطع اراض فارغة او مهجورة. ومما يزيد من حنق المسؤولين ان بعض المتنزهات وساحات وقوف السيارات وحتى مرآب سيارات النقل اصبحت مجمعات لخيام ناس معدمين.

وفي محافظة ديالى التي شهدت واحدة من أكبر التحولات السكانية العشوائية، بنت الآف العوائل مخيمات بالقرب أو في مواقع منازلهم المتهدمة جراء الحرب. وحتى في أقليم كردستان المستقر نسبيا يمكن للمرء ان يشاهد مخيمات للناس المهجرين داخلياً او المهاجرين من دون أعمال بالقرب من المدن الرئيسية.

ويزعم تقرير اصدرته منظمة اللاجئين الدولية ونشر في 17 من شهر آذار " ان كل المستوطنات تفتقر الى الخدمات الاساسية ومن ضمنها المياه الصالحة للشرب ونظام الصرف الصحي والكهرباء، كما انها بنيت في مناطق  تعد خطرة لوقوعها تحت الجسور وبمحاذاة خطوط السكك الحديدية وبين مكب النفايات".

وقد أجرت اليزابيث كامبل، كبيرة الناشطين في مجال شؤون اللاجئين الدوليين، والتي شاركت في كتابة تقرير شهر آذار مع الصحفي نير روزن بحثا ميدانياً مطلع هذا العام في أكثر من 20 مستوطنة في محافظات بغداد وديالى وصلاح الدين.

وتقول كامبل " كان وقتنا محدودا ولهذا ركزنا على المخيمات الواضحة للعيان، لكنه ليس من الصعب العثور على غيرها حين تنوي البحث عنها. واذا ما بقينا في العراق لكنا عثرنا على مخيمات اخرى كثيرة". واضافت بان اعداد قائمة شاملة بعدد المخيمات يعتبر الخطوة الاولى لتشخيص الاوضاع المتدهورة، وبالتالي اعادة توطين المهجرين.

كما وتعتقد كامبل بان الحكومة العراقية بحاجة الى دعم أساسي من الولايات المتحدة والامم المتحدة لمساعدة المخيمات التي تعاني من التمييز والازدراء.

وتابعت كامبل "هناك شعور من قبل الحكومة والناس المحليين بان المهجرين قد استولوا على هذه الاراضي عنوة، ولا يدفعون الضرائب ويحتالون على النظام. وهذا امر غير انساني وينتقص من الاوضاع الانسانية للمهجرين".

وقد أجبر راضي علي، 62 عاما، وهو أحد المهجرين، على ترك منزله بسبب مشاكل مالية . وهو يعيش مع اسرته المكونه من 15 فرداً في كوخ صغير بني من الجدران الطينية وسقف من الصفيح في مخيم الجكوك شمالي العاصمة بغداد. وكمعظم العوائل في المخيم، يحصل على الماء والكهرباء من الاحياء القريبة بواسطة الاسطل ومد الاسلاك الكهربائية.

 " كنا نعيش في بيت مؤجر في حي الشورى شمال بغداد، ولكن حين ارتفع الايجار لم استطع  دفعه ولهذا أحضرت عائلتي الى هنا. واستلفت مبلغا من المال من أحد اقاربي لشراء الطين وبناء هذا المنزل. فحتى هذا المنزل يكلف مالاً". قال علي ذلك وهو يشير الى بيته المؤقت.

واضاف " كنا نعرف باننا لو عشنا هنا سنعتبر ساكنين غير شرعيين بنظر الحكومة. ولكن أين يمكننا العيش؟"

ويقول الابن اياد راضي علي الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، ان فكرة ترك هذا المكان هي أسؤ بكثير من الواقع المزري للمخيم.

"لا أملك ما يكفيني من المال لاطعام أولادي وكسوتهم فكيف يمكنني استئجار منزل؟ نحن مشردون في مدينتنا ونعيش في خوف دائم من ان تطردنا الحكومة في اي وقت. نسمع من وقت لآخر بان القوات الأمنية ستاتي وتطردنا، عندها سيعيش أولادي في الشوارع". قال الابن.

وقد أصدرت الحكومة امراً عام 2009 الى المتجاوزين في المخيمات والذين يصفهم المسؤولون بـ "السكنة غير الشرعيين" باخلاء الاراضي الحكومية. لكن تم تأجيل هذا التوجيه الى أجل غير مسمى.

ويقول وزير الهجرة والمهجرين، عبدالصمد رحمن سلطان " هؤلاء الاشخاص ينتهكون القانون. فقد استولوا على الاراضي العامة والبنايات من غير اذن الحكومة. ان الحكومة بحاجة الى هذه الممتلكات لاغراض الاستثمار واقامة المشاريع لتوفير فرص العمل لكل العراقيين ومن ضمنهم السكان غير الشرعيين".

واضاف " كل العوائل الفقيرة تحتاج الى الدعم، ولكن هناك أولويات اخرى في الميزانية العراقية . ولقد قدمت الحكومة مساعدات مالية للعوائل المهجرة التي رجعت الى بيوتها واحتاجت الى مساعدات، وهذا كل ما تستطيع وزارتنا منحه لهم.

" لدى الحكومة العراقية الكثير من المسؤوليات، والمهجرين ليسوا العراقيين الوحيدين، كما ان المخيمات غير القانونية ليست هي المشكلة الوحيدة في البلاد".

ويقول الناشطون بان معدل الرواتب الشهرية لعوائل المهجرين تترواح بين 130 الى 260 دولار شهرياً، غير ان العديد من المهجرين يزعمون بان الحكومة لم تدفع لهم رواتبهم.

ووفقا لأحد المسؤولين الامريكيين الكبار، فان الولايات المتحدة التي عرفت بوجود مليون ونصف مليون مهجر عراقي يعيشون في مخيمات غير قانونية، قد دعمت ميزانية وزارة الهجرة والمهجرين من أجل توفير راتب شهري لهذه العوائل يقدر بين 1000 الى 1500 دولار.

ومع ذلك، تقول كل من السيدة كامبل ومنظمة اللاجئيين الدوليين بان الولايات المتحدة "تتحمل مسؤولية خاصة" ازاء مليون ونصف مليون مهجر عراقي داخلي والاوضاع المتدهورة في المستوطنات غير القانونية. ودعا تقرير المنظمة الشديد اللهجة لشهر آذار الولايات المتحدة الامريكية والمتبرعين الدوليين الى توسيع نطاق برامجهم وزيادة كوادرهم.

ويقول التقرير "ملايين من الناس لازالوا مهجرين، بدون ماوى وغذاء ورعاية صحية والحاجات الاساسية الاخرى".

وجاء رد الادارة الامريكية على لسان أحد مسؤوليها البارزين الذي قال لمعهد صحافة الحرب والسلم، بان "لبلاده مصلحة استراتيجية ومسؤولية أخلاقية لسد احتياجات المهجرين العراقيين" كما واشار المسؤول الى ان الادارة الامريكية قدمت 387 مليون دولار امريكي للمواطنين المهجرين عام 2009، ودعمت جهود المفوضيا العليا لشؤون اللاجئين في بناء أكثر من 3000 مأوى في محافظة ديالى.

وقال المسؤول " نركز جهودنا بصورة متزايدة الآن وتحديدا على تقديم دعم أكبر لـ 500,000 مهجر يعيشون في مستوطنات غير قانونية، وعلى ايجاد حلول طويلة الامد لهم داخل العراق".

وبالنسبة لاندرز والمفوضية العليا للاجئين فهذا يعني ايجاد اراض ملائمة تكون الحكومة العراقية على استعداد للتبرع بها، ومن ثم بناء مساكن كافية للمهجرين. وبعد ذلك تأتي المهمة الاكثر صعوبة، حسب أندرز، وهي توفير مصادر معيشة لهم ومجتمعات للاندماج. ويقول "ان مجموعة الحلول هذه" قد تاخذ من 3 الى 5 سنوات، لكن العمل قد بدأ مسبقاً في بعض المناطق مثل محافظة ديالى.

"ليست هناك من حلول سهلة: فالحكومة تنوي طرد المهجرين خارج المخيمات، والبلاد تعاني من نقص حاد في المساكن. لا أحد يريد ان تعيش الناس على الاراض بطريقة غير شرعية او على المساعدات، ولكن في الوقت نفسه فان الاوضاع التي يعيش فيها المهجرون فظيعة" قال اندرز.

واضاف أندرز "في رأي ان المخيمات غير القانونية هي المشكلة الانسانية الاكبر التي تواجه العراق، والمجتمع لازال ممزقاً بسبب الحروب والصراعات، وكل الناس الذين يسقطون ضحية هذه التمزقات ينتهي المطاف بهم هنا في هذه المخيمات".

علي كريم مراسل متدرب في معهد صحافة الحرب والسلم.

كما وساهم محرر العراق في المعهد جارلز مكديرمد في كتابة هذا التقرير.

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists