العراقيون منقسمون حول خروج القوات الاميركية
وجهات النظر بشأن الانسحاب الاميركي تصطبغ بالولاءات للاحزاب السياسية
العراقيون منقسمون حول خروج القوات الاميركية
وجهات النظر بشأن الانسحاب الاميركي تصطبغ بالولاءات للاحزاب السياسية
مجموعة من الصحفيين المتدربين في معهد صحافة الحرب والسلام (تقرير الازمة العراقية رقم 352، 3 أيلول- سبتمبر 2010)
وصف عراقيوننهاية الاحتلال العسكري الاميركي هذا الاسبوع بعلامة تاريخية مهمة، غير ان بعضاً منهم أبدى شكوكه حول المدى الحقيقي لسيادتهم، وتساءلوا فيما اذا كانت واشنطن ستحترم وعدها بتقديم الدعم للعراق.
واعلن الرئيس الامريكي باراك أوباما في 31 آب بان "عملية الحرية في العراق قد انتهت، والعراقيون مسؤولين عن الامن في بلادهم".
وقد تعهد أوباما بـ " دعم العراق وهو يعزز حكومته، ويحل خلافاته السياسية، ويعيد توطين الذين شردتهم الحرب، ويبني العلاقات مع دول المنطقة والعالم". وكذلك قال اوباما بان الوقت قد حان لأميركا ان "تطوي الصفحة" على ما يعتبره البعض واحداً من أكثر الفصول مدعاة للخلاف في تاريخها.
وانشغل العراقيون بقراءة وتفسير ما يحمله الخطاب عن تركة 7 سنوات من الاحتلال العسكري، ومستقبل يبدأ في ظل عنف المتمردين والشلل السياسي.
وقد أدت موجة من الهجمات المنسقة التي وقعت في 25 آب في ما لايقل عن 14 مدينة وبلدة، الى مقتل أكثر من 50 شخصاً وجرح مئات آخرين. في غضون ذلك، لازالت البلاد في انتظار تشكيل حكومة ائتلاف فعالة، وذلك بعد مرور 6 أشهر على اجراء انتخابات وطنية غير حاسمة. هذه العوامل جميعها، بالاضافة الى تردي الخدمات الاجتماعية والضرورية التي ما زال العراق يعاني منها، دفعت بالبعض الى القاء ظلال من الشك على توقيت انسحاب القوات العسكرية الاميركية المقاتلة من العراق.
"تم الانسحاب وفقاً لجدول زمني بين الولايات المتحدة والعراق، وقد كان أوباما حذراً في عدم الاعلان بان اميركا هي المنتصرة، كما فعل الرئيس الامريكي السابق جورج بوش" قال عضو البرلمان محمود عثمان، والعضو السابق في مجلس الحكم العراقي الذي شكلته الادارة الاميركية، والذي يشغل الآن موقعاً قيادياً في الائتلاف الكردي في البرلمان الوطني العراقي. "لكن من الواضح ان الانسحاب يأتي في وقت سيء. فالحكومة لم تتشكل بعد، والوضع الامني غير مستقر، هذا يدعو للقلق".
واضاف عثمان " تحدث اوباما عن العراق كشريك، هذه كانت كلمته. ولا أعلم فيما اذا كان سيحافظ على كلمته أو لا".
وقد حاول مسؤولون اميركيون وعراقيون التخفيف من القلق قبل ايام من الخطاب. ففي خطاب متلفز ألقاه رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته في 30 آب أعلن فيه بان العراق الآن "دولة مستقلة ذات سيادة" معبراً عن ايمانه بالقوات الامنية العراقية التي اشرف الاميركيون على تدريبها.
كما وصل نائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن ووزير الدفاع روبرت غيتس كل على حدة الى العراق، لاعادة التأكيد على دعم واشنطن المستمر. والتقى بايدن أيضاً بالزعماء المتنافسين الذي يرأسون الكتل السياسية العراقية المتصارعة، في محاولة لتسهيل عملية تشكيل الحكومة- خطوة فسرها البعض على انها محاولة لممارسة نوع من الضغط السياسي.
" يمكن تصنيف كل من زيارة بايدن وخطاب اوباما على انهما تدخل خارجي في شؤون العراق، ان مثل هذه الافعال اثبتت عدم جدواها" يقول جمال البطيخ، أحد القياديين البارزين في تحالف العراقية السني. " تريد أميركا حكومة يرأسها المالكي، وهذا أمر غير مقبول لبقية الناخبين، او الكتل السياسية العراقية الاخرى" اضاف البطيخ في اشارة الى خسارة المالكي الضئيلة امام رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي الذي يترأس العراقية.
" وبأعتباري مواطنا عراقياً، أستطبع ان ارى بان العراق ليس دولة ذات سيادة" واصل البطيخ حديثه. " توجد السيادة حين يملك البلد جيشاً قوياً يدافع عن حدوده. والجيش العراقي ليس أكثر من حفنة من الميليشيات المرتبطة بالاحزاب السياسية. اي شخص يتحدث عن السيادة او الاستقلال في العراق هو شخص متوهم".
بينما قال البعض بانهم راضيين عن التقدم الذي تم تحقيقه بخصوص الاستقرار الامني في البلاد.
ويقول عبدالهادي الحساني ، القيادي البارز في قائمة دولة القانون التي يتزعمها رئيس حكومة الحكومة المنتهية ولايته، نوري المالكي "ألحق بوش الهزيمة بالديكتاتورية، وسحب اوباما القوات الاميركية من العراق واعطى العراقيين سيادتهم. لقد ادى كل واحد منهما عمله بصورة جيدة" واضاف " ان الكثير من الاشياء التي كان العراق يتمنى ان يحققها قد تحققت الآن بمساعدة اميركا: هزم صدام حسين وأقيم نظام ديمقراطي".
" والآن تنسحب القوات الاميركية، ويعتبر الانسحاب الشيء الاكثر أهمية بالنسبة للعراقيين، وقد تم ذلك الآن، كما قال اوباما بالفعل" اضاف الحساني.
ويقول الحساني بان العراقيين سيتابعون عن كثب ليروا اذا ما كانت كلمات اوباما ستترجم الى افعال، وخصوصاً فيما يتعلق بتدريب وتجهيز القوات العراقية بالمعدات والاسلحة. وقد رفض الحساني الآراء التي تقول بان الولايات المتحدة وقوى أجنبية أخرى تتدخل في شؤون الحكومة في بغداد.
"نحن دولة ذات سيادة، كما قال ذلك رئيس الوزراء، والدليل على ذلك ان الساسة العراقيين لازالو يتباحثون، ونحن بلا حكومة حتى بعد مضي 5 او 6 أشهر على الانتخابات. لم يتلاعب أحد بسياسيينا او يغير من وجهات نظرهم- نحن دولة مستقلة". قال الحساني.
وقد قسمت ردود افعال الاحزاب والحركات السياسية العراقية المختلفة عموماً، القاعدة الجماهيرية المؤيدة والمناصرة لها. واشار منتقدو اميركا بانه على الرغم من اسقاط الولايات المتحدة لصدام حسين، إلا ان الغزو الذي قادته أميركا دمر بنية العراق التحتية، واشعل فتيل الحرب الطائفية، وتسبب بشكل غير مباشر، بمقتل 100 الف مدني عراقي.
"لا يثق التيار الصدري بخطاب باراك أوباما، لان العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق مازالت غير متكافئة، مثلما كانت في الماضي" يقول قصي السهيل، القيادي البارز في التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي المعادي لاميركا. "نحن ضد اي تدخل خارجي في شؤون العراق، سواء كان ذلك من قبل الولايات المتحدة او اي دولة أخرى".
واضاف " سيظل التيار الصدري يعتبر أوباما كرئيس دولة محتلة للعراق. وسنثق بالادارة الاميركية فقط عندما يغادر آخر جندي اميركي العراق".
وقد بدأت الولايات المتحدة، التي ستحتفظ بـحوالي 50 ألف فرد من قواتها كمدربين ومستشارين في العراق حتى عام 2011، حملة اعمار قدرت بـ 53 مليار دولار، والتي أدت الى اثارة الجدل حول مزاعم سوء الادارة، وذلك بالرغم من ان الحملة عملت على تحسينات واسعة في البنية التحتية. فمثلاً، انفقت الولايات المتحدة حوالي 4 مليارات و 600 مليون دولار على تحسين قطاع الكهرباء، ومع ذلك مازالت غالبية العراقيين يحصلون على مابين 4 الى 8 ساعات من الطاقة الكهربائية في اليوم.
ويعتقد بعض السياسيين بان الدعم المتواصل الذي يتلقاه العراق من أميركا، هو السبيل الوحيد لتحسين الظروف الاجتماعية المتداعية في البلاد، وان الخطوة الأولى في هذه العملية هي ضربة البداية لتحريك المفاوضات الجامدة لتشكيل الحكومة.
"لقد مر ما يقارب 6 أشهر منذ أجرائنا الانتخابات" يقول فلاح مصطفى، مدير قسم الشؤون الخارجية في حكومة أقليم كردستان. " يستغرق تشكيل الحكومة في العالم المتمدن بضعة أيام أو بضعة أسابيع، أو على الاكثر خلال شهرين".
وقال مصطفى بانه ينبغي أخذ خطاب أوباما على محمل الجد، لأنه شدد على التزام الولايات المتحدة المستمر ازاء العراق، وأعلن زوال القوات العسكرية الاميركية المقاتلة من الاراضي العراقية، ودعا الى تشكيل حكومة جديدة.
"لقد أنتهى فصل من تلك العلاقة" قال مصطفى. " على القيادة العراقية ان تفهم بان هذه المرحلة مهمة في تاريخنا".