هل يسقط تحقيق العدالة من جدول أعمال دارفور؟
في حين يتم الانتهاء من التخطيط لنشر قوات حفظ السلام في دارفور، غاب بشكل ملحوظ الحديث عن تحقيق العدالة بالنسبة للضحايا.
هل يسقط تحقيق العدالة من جدول أعمال دارفور؟
في حين يتم الانتهاء من التخطيط لنشر قوات حفظ السلام في دارفور، غاب بشكل ملحوظ الحديث عن تحقيق العدالة بالنسبة للضحايا.
وحظيت الزيارة التي قام بها الأمين العام الجديد للأمم المتحدة السيد بان كي مون للمنطقة، وأفكاره عن حفظ السلام وعن الحلول السياسية والمساعدات الإنسانية، بتغطية إعلامية شاملة ومميزة.
إلا أن من الجدير بالذكر هنا، أن البيان الذي أصدره الأمين العام فيما يتعلق بالشأن السوداني، خلى بشكل ملحوظ من أية إشارة إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو إلى مذكرتي التوقيف اللتين أصدرتهما في وقت مبكر من هذا العام، بحق كل من الزعيم السوداني المتمرد ووزير الحكومة.
ولا بد من التنويه إلى أن السيد بان لم يكن الوحيد الذي التزم الصمت فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، وبمذكرات التوقيف المعلّقة التي صدرت بحق زعماء متمردين أوغنديين.
ففي مقال نشرته مؤخراً صحيفة التايمز البريطانية شدد رئيس الحكومة البريطانية السيد غوردون براون، ورئيس الجمهورية الفرنسي السيد نيقولا ساركوزي على ضرورة أن تمارس الحكومات الضغط بخصوص دارفور، إلا أنهما لم يتطرقا أبداً إلى ذكر المحكمة الجنائية الدولية.
ولم ير مراقبو السلام الدوليين خلال مقابلات أجراها معهم معهد صحافة الحرب والسلم، غرابة كبيرة في هذا التجاهل على الرغم من دلالاته الخطيرة.
حيث أكدوا أن زعماء العالم يركزون على خطة نشر قوة تتألف من ستة وعشرين ألف رجلاً من قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام، في إقليم دارفور، حيث يتصاعد العنف وسوء التغذية، ويغدو الاعتداء على عمال الإغاثة أكثر شيوعاً.
وقال السيد ايريك ريفز أستاذ جامعي أمريكي وخبير في شأن دارفور في هذا السياق:
" لقد أجرى السيد بان كي مون والبريطانيون والفرنسيون حسابات متروّية، وتوصلوا إلى أنه من غير الممكن نشر القوات، وتسليم المطلوبين في آن معاً، فهذان أمران متعارضان يلغي أحدهما الآخر".
هذا وستحل قوات الأمم المتحدة العاملة مع الاتحاد الإفريقي محل قوات الاتحاد الإفريقي، التي فشلت في وضع حد للعنف الدائر في دارفور. حيث تم ترحيل 2.2 مليون شخصاً، ويتوقف مصير أربعة ملايين آخرين على المساعدات الإنسانية، وأما عمال الإغاثة في الميدان فيعانون من تزايد الضغط الذي يتعرضون له. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد إذ تم مجدداً، ترحيل خمسة وخمسين ألف شخصاً، وذلك في الفترة بين حزيران ونهاية آب، حسب ما جاء عن الأمم المتحدة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الوزير السوداني للشؤون الإنسانية أحمد هارون، ومعه زعيم ميليشيا الجنجويد علي كوشيب، من أولئك المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة تنظيم أعمال العنف ضد المدنيين الأبرياء في دارفور.
وقد كان إلقاء القبض عليهما ونقلهما إلى لاهاي على رأس جدول أعمال اجتماع، عُقد الأسبوع الماضي بين السيد بان كي مون والمدعي العام السيد لويس مورينو أوكامبو.
وصرح المدعي العام السيد لويس مورينو أوكامبو لمعهد صحافة الحرب والسلم قائلاً:" لقد شددت أثناء اجتماعي مع الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة تنفيذ أوامر الاعتقال، كي يتم إدراج هذا الجانب في كل المناقشات مع الحكومة السودانية" كما أضاف:"إن على الحكومة السودانية أن تلقي القبض على هذين الرجلين وأن تسلمهما إلى لاهاي".
هذا وأعرب السيد أوكامبو عن ثقته بأن براون وساركوزي يمارسان الضغط اللازم على الخرطوم، على الرغم من تجاهلهما الواضح لموضوع المحكمة الجنائية الدولية حيث قال:"إن فرنسا وبريطانيا على رأس الدول الداعمة للمحكمة، وأنا على ثقة بأنهما ستحرصان في كل اتصالاتهما بحكومة السودان، وفي كل ممارساتهما وما تقومان به من أنشطة لدعم عملية السلام، على التأكد من أن يشكل تحقيق العدالة وتنفيذ مذكرات الاعتقال، جزءاً لا يتجزأ من الحل الشامل".
بيد أن السيد ريتشارد غولدستون، العضو السابق في المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا، والمدعي العام السابق في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، ICTY ، يظن أن ما جاء في مرافعة السيد مورينو أوكامبو، عن حاجة الضحايا إلى السلام والعدالة معاً، لايصل إلى مسامع أحد.
حيث قال معبراً عن ذلك:"إن فهم الزعماء السياسيين لأهمية العدالة كان دائماً الاستثناء وليس القاعدة". وأضاف:"لاتشغل المحكمة الجنائية الدولية أي مساحة ضمن نطاق اهتمامات السياسيين، ولكن ينبغي تغيير ذلك".
كما أشارالسيد غولدستون الذي أصدر لائحة اتهام بحق زعيمي الحرب الصربي والبوسني، رادوفان كاراجيج ورادكو ملاديج، إلى أنه يتمنى رؤية القوى الديموقراطية تمارس المزيد من الضغوط على الحكومات لحثها على التعاون.
إذ يقول في هذا السياق:"لقد استخدمت أمريكا قوتها الاقتصادية، للضغط على حكومتي كرواتيا وصربيا لتقدما العون اللازم للمحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة. إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لم تتلق ردود الأفعال ذاتها، ولم تأخذ المكان الذي تستحق على ساحة اهتمام زعماء العالم".
وأضاف:"أنا أكيد أنه لو كان الضغط شديداً على الرئيس السوداني عمر البشير، لأصبح أكثرحذراً إزاء تورطه في جرائم الحرب في دارفور".
ويرى السيد دافيد تولبيرت نائب المدعي العام الحالي في المحكمة الجنائية الخاصة بيوغوسلافية السابقة (ICTY) ، أن عمله في المحكمة غدا أسهل:" عندما فهمت الحكومات و الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة أهمية العدالة وأخذوا يدرجونا في جدول أعمالهم".
ويعتقد السيد تولبيرت أن جزءاً كبيراً من مشكلة السيد اوكامبو والمحكمة الجنائية الدولية، يكمن في ميل رجال السياسة إلى تركيز الاهتمام على عملية السلام الفوري في دول كالسودان وأوغندا، واضعين موضوع تحقيق العدالة جانباً.
" إن العديد من الزعماء في المجتمع الدولي يفشلون في فهم العلاقة التي تربط بين السلام والعدالة. فمن غيرالممكن الفصل بينهما، إن العلاقة بينهما وثيقة ومتبادلة".
ويضيف قائلاً:"إذا تركتم عنصر العدالة جانباً، ولم تعالجوا الأسباب الرئيسة الكامنة وراء النزاع، ستشهدون تكراره".
ولابد من الإشارة إلى أنه عندما فشلت المحكمة في أوغندا في تنفيذ أوامر الاعتقال، الصادرة منذ سنتين، ضد أربعة من قادة جيش الرب للمقاومة، فر هؤلاء إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية المجاورة، وأعلنوا بأنهم لن يتركوا مخبأهم ما لم تسقط أوامر الاعتقال ضدهم. مما أدى إلى إثارة المخاوف من استئناف القتال، بين بعض الأوغنديين الذين كانوا قد عادوا للتو إلى قراهم الأم شمال البلاد، الأمر الذي جعل الأصوات ترتفع محلياً ودولياً مطالبة بإسقاط أوامر الاعتقال من أجل مصلحة السلام.
والأستاذ الجامعي ريفز هو أحد الذين يعتقدون"أنه لايمكن التمسك بتنفيذ أوامر الاعتقال، على حساب مصلحة الشعب الأوغندي" سيما في إطار ظروف تأسيس المحكمة التي لا تملك وسائل تمكنها من إلقاء القبض على المتهمين". ويؤكد على أن الضغوط التي يمارسها زعماء العالم على الحكومات لتنفيذ الاعتقالات غير كافية".
كما قال:"لا أستطيع أن أفهم كيف يعتبر من المشروع، أن تصر الأطراف الدولية الفاعلة، على ضرورة تنفيذ أوامر الاعتقال دون أن تعمل على توفير الوسائل اللازمة لهذا الغرض. مع العلم بأن النتيجة المحتملة لذلك، هي استئناف الحرب في شمال أوغندا وجنوب السودان".
وفي رد عن سؤال موجه إلى أحد كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية عن قضية افتقار المحكمة إلى القوة، أرجع الأخير هذه المسألة إلى مشكلة تعاون الدول الداعمة للمحكمة.
وأشارت السيدة بياتريس لو فرابر دو هيلين مديرة قسم التعاون والتكامل الذي يضمن تعاون الحكومات إلى أن:"المحكمة لا تملك قوات شرطة خاصة بها، قوتها تأتي من مئة وخمس دول أعضاء [وقعت على نظام روما الأساسي الذي تأسست المحكمة بموجبه]". وأضافت مؤكدة:"تعتمد المحكمة على الدعم الذي تقدمه لها الدول الأعضاء المئة والخمس".
ويذهب السيد تولبيرت إلى أبعد من ذلك مشدداً على أن "على هؤلاء الذين يؤمنون بالعدالة الدولية أن يوحدوا جهودهم رافعين أصواتهم معاً". كما أعلن قائلاً: "لابد أن نسمع أصواتاً أخرى من المجتمع الأهلي، وجماعات الضحايا، ومن آخرين يقفون إلى جانب المحكمة الجنائية الدولية. ينبغي ممارسة الضغوط من جميع الجهات، لا يمكن للسيد مورينو أوكامبو أن يقف في ساحة المواجهة وحيداً".
ليزا كليفورد وكاتي غلاسبورو، مراسلتان صحفيتان، خبيرتان بقضية العدالة الدولية. لاهاي
صامويل أوكيرور ايغادو، تقارير إضافية. لاهاي