متطوعون يتدربون 'للاستشهاد'
دعت جماعة تطلق على نفسها المقاومة العراقية، مندوب معهد صحافة الحرب والسلام ليحضر تمريناً لتفجير انتحاري.
متطوعون يتدربون 'للاستشهاد'
دعت جماعة تطلق على نفسها المقاومة العراقية، مندوب معهد صحافة الحرب والسلام ليحضر تمريناً لتفجير انتحاري.
أخبرني الرجل الطويل متوسط العمر، وبهيئته العسكرية وشعرة القصير مع مسدس محشور في سرواله، عن آرائه بجمل مقتضبة تبعها بتهديد مبطن.
وقال "نود ايصال رسالة الى الغرب بعدم التعاون مع حكومة (رئيس الوزراء المؤقت أياد) علاوي المثيرة للشفقة، ان هذا سيجعل (الغرب) يدفع الثمن غالياً."
ويعرف الرجل الذي وقف خلف منضدة عليها حاسوب وجهاز هاتف ثريا وبعض الهواتف الخلوية، باسم "المدير 1000" لقاعدة المعسكر 2، وينتمي الى جماعة تطلق على نفسها "المقاومة العراقية". حيث كانت صورة صدام وولديه معلقة على أحد الجدران، بينما علق على الثاني علماً عراقياً مع سيف.
وقدم قائد المتمردين نفسه كضابط مخابرات سابق كان قد نقل الى فدائيي صدام قبل عام من اندلاع الحرب.
وأوضح هدف حركته قائلاً "اذا لم نتسلم السلطة في العراق، فلن ندع بعد ذلك اي أحد آخر يتسلم السلطة."
لقد قمت بهذه الرحلة الى قاعدة المعسكر 2 بعد ان اتصل بي أحد الجيران، وكان في السابق عضواً في منظمة فدائيي صدام، وسألني ان كنت راغباً في اجراء لقاء مع "المقاومة".
لكن جاري حذرني أيضاً من ان مستقبلي سيكون "سيئاً جداً" اذا ما اكتشفت الشرطة العراقية او القوات الأمريكية الطريق الى الناس الذين سأقابلهم.
والتقطتني الجماعة مع جاري صباح أحد الأيام من شارع السعدون في بغداد بسيارة (بي أم دبليو) بيضاء يقودها سائق سوداني، ورافقتنا سيارة نيسان باترول في رحلتنا.
وكان يجلس في مقعد السيارة خلفي رجل يتنكر بزي رجل دين شيعي، واتجهنا من بغداد نحو الجنوب.
وبعد ساعتين من مغادرتنا للعاصمة، انعطفنا من الطريق السريع الى طرق ترابية. وحينها أجبرت على الركوع الى الأسفل وانا جلس على المقعد وغطي رأسي ببطانية، وبهذه الطريقة لم أستطع مشاهدة أي شيء من بقية الرحلة التي استمرت ساعتين تقريباً. ولم يكن هناك أي حديث.
وأخيراً وصلنا الى مزرعة تتألف من بساتين النخيل وبضعة بيوت بسيطة منتشرة على امتداد ساقية على حافة الصحراء.
ورحب بنا عند البوابة ثلاثة حراس مسلحون بالمسدسات وقد فتشوني بدقة وحرفية. ثم اصطحبوني الى أحد البيوت وقدموني الى (المدير 1000) الذي وصف نفسه بالرجل المسؤول عن ادارة القاعدة وأمنها وسياقاتها اللوجستية.
وتحدث معي المدير بطريقة الرجل الذي يلقي بياناً صحفياً ولم يسمح لي بطرح أية أسئلة.
وكان الرجل كثير الاهتمام بشكل رئيس بعدم حصول الحكومة العراقية المؤقتة على أي اعتراف دولي أو مساعدة.
وقال "لا نريد ان ترسل الدول الأخرى ممثلين عنها الى (حكومة علاوي), لأننا ضد هذه السلطة, ولدينا قوة لنجعل الدول الغربية تعاني من خسائر متنوعة اذا ما تعاونت (مع الحكومة المؤقتة), وسنعمل على هذا الأتجاه بكل ما بوسعنا, وسنواصل مقاومتنا بكل ثبات وسنطيح بقوة أية حكومة أو سلطة في العراق."
وزعم المدير 1000 ان الجماعة قد شكلت قبل ثلاثة أشهر, مجندة الأعضاء السابقين في أجهزة أمن صدام حسين مثل ضباط المخابرات و فدائيي صدام وحراس المسؤولين.
وذكر ان الجماعة تضم بين صفوفها (550) متطوعاً انتحارياً مستعدون (وينتظرون الموت) لكنهم لم يشرفوا الحركة بأية هجمات حتى الآن.
إلا أنه يدعي ان الحركة قدمت (5) شهداء الى منظمة الزعيم المتطرف أبو مصعب الزرقاوي "قبل عمليات الموصل", وهي سلسلة من تفجيرات السيارات التي وقعت في حزيران الماضي في المدينة شمالي العراق.
وقال المدير 1000 "نحن نشترك مع أهداف أبو مصعب الزرقاوي. ونرى ان أية جهة تقف ضد الحكومة (المؤقتة) تعد صديقتنا سواء كانت داخل العراق او خارجه."
ويقول ان الجماعة تقبل مجندين لديهم توصيات من الأعضاء الآخرين.
وقال المدير 1000 ان المجندين ينقسمون الى مجموعتين، اولئك الذين يستطيعون استخدام الهاون والقذائف الصاروخية وأخرون يصنفون كانتحاريين. وأضاف ان الانتحاريين يتلقون تعليماً عن كيفية جمع المعلومات عن الأهداف وكيف يجهزون سيارة مفخخة وكيف يقودونها نحو الهدف.
ثم سمحوا لي بالتجول في القاعدة التي كانت خالية تقريباً.
لاحظت من بداية زيارتي وحتى نهايتها وجود أشخاص لا يزيدون على (24) شخصاً من بينهم الرجال الذين رافقوني الى المعسكر والحراس عند البوابة، وثمانية متدربين ـ وهم شباب في نهاية فترة المراهقة أو بداية العشرينات.
وقال لي جاري ان التدريب يحدث عادة في الليل.
وأطلعوني على مستودع المعسكر ـ وهو عبارة عن كوخ طيني صغير ـ مليء بقذائف المدفعية وصواريخ ومدفعية أخرى.
وقدرت وجود (200) قذيفة، والتي ادعى المدير انها "كافية لاحراق بغداد."
وأطلعوني بعد ذلك على ما أطلق عليه الجماعة معدات التدريب.
وقد تم اختيار احد المتطوعين وكان نحيلاً وهادئاً لقيادة سيارة ـ كورونا صغيرة وعتيقة ـ مفخخة. وقد جرى ربط يده اليسرى بعجلة المقود لمنع أي شخص من سحبه من السيارة قبل تفجير القنبلة.
كما ربطت الى قميصه قنابل يدوية، بينما وضع أحدهم على المقعد الخلفي للسيارة حقيبة بلاستيكية شفافة مليئة بمادة تشبه العجينة والتي افترضت انها مادة متفجرة.
وفي داخل الحقيبة وضع شيء يشبه المفجر ولكنه لم يبدو مربوطاً بأي سلك متصل بمقداح خارجي.
وقد وضعت الجماعة عائقاً في الطريق على المتطوع ان يجتازه بالمناورة، فهناك طريق ملتو رصفت فيه جذوع أشجار نخيل مطروحة على التراب بشكل متداخل. كان هدف منفذ العملية عبارة عن برميل معدني.
ووقف على جانب الطريق متدرب آخر يرتدي قميصاً أزرق فاتحاً يقوم بدور ضابط شرطة يطلق النار في الهواء.
وكان المطلوب من المتطوع الانتحاري ان يقود السيارة مجتازاً ضابط الشرطة ليصل الى هدفه. إلا ان المتطوع لم يبتعد كثيراً، فقد توقفت سيارته بعد ان صدمها بجذع النخلة الثالث.
اندفع المدير وأمسك بخناق المتطوع وأخذ يهزه ويعنفه بقسوة وهو يصرخ به "اقتلهم قبل ان يقتلوك."
بعد ذلك أعطى أوامره عبر جهاز الارسال (ووكي توكي) "للتمرين رقم 4" لكي يبدأ، بينما كنا نتسلق رابية صغيرة للمراقبة.
وكان تمريناً من تمارين عهد صدام التي كانت تعرض تدريبات الفدائيين. أربعة رجال يقفون في ساحة مفتوحة، أحدهم مربوط الى شجرة والثاني يحمل سكيناً، والاثنان الباقيان يمسكان بكلب موثق باحكام.
وأطلق الكلب البوليسي، فاندفع باتجاه الرجل المربوط على الشجرة، ثم اندفع الرجل بالسكين ليعترض الكلب ويمسك به ويقطع حنجرته.
انتهى التمرين بسرعة، والمتدرب يبدو مثل الوحش الذي يقتل الفريسة في فلم وثائقي عن الحياة في البرية.
وردد المدير قائلاً "عفية عفية" وهي عبارة مفظلة لدى صدام حسين.
ثم جرى اصطحابي والآخرين الى أحد البيوت للراحة وتناول الغداء، ورافقنا عضو آخر من المجموعة، رجل رزين حسن المظهر عمره يناهز الأربعين.
وعندما قدم نفسه كمدير المالي، سألته بحذر كيف توفر الجماعة نفقاتها.
فأجاب "لدينا ميزانية أكبر من ميزانية وزارة الداخلية، اضافة الى مشاريعنا التي نمتلكها."
وسألت المدير المالي أيضاً اذا ما كانت الجماعة تمول من خارج العراق. فأجاب بغضب "كان رجال النظام الحالي سابقاً في المنفى ـ عملاء لأمريكا وحصلوا على التمويل الخارجي، فلماذا لا نحصل نحن على التمويل الخارجي؟ يوجد لدينا عراقيون خارج البلاد وهم يمولوننا."
انتظرت نصف ساعة أخرى للتهيئة للرحيل، ثم غادرت بحافلة صغيرة برفقة السائق وجاري. وأجبرت مرة أخرى على الانحناء حتى وصلنا الى الطريق السريع. وأنزلوني من السيارة لاحقاً قرب أحد الجسور الرئيسة لمدينة المسيب، على بعد (60) كلم تقريباً الى الجنوب من بغداد. ومن هناك عدت الى بغداد لوحدي.
*يرغب الصحفي المتدرب في معهد صحافة الحرب والسلام الذي كتب هذا التحقيق ان يبقى غير معروف