المسلحون لا يثقون بالمهجرين السنة

حتى بعد هروبهم الى المنطقة التي يسيطر عليها جماعاتهم الدينية، فان اللاجئين السنة لا يشعرون بالام

المسلحون لا يثقون بالمهجرين السنة

حتى بعد هروبهم الى المنطقة التي يسيطر عليها جماعاتهم الدينية، فان اللاجئين السنة لا يشعرون بالام

2006 والذي اشعل فتيل العنف العرقي في العراق ،امرت الميليشيات الشيعية ابو احمد البصري على ترك مدينته الاصلية البصرة.



كان المسلم السني وعائلته، الذين عاشوا كل حياتهم في الجنوب، غير راغبين بترك المدينة، لكنهم لا يجرؤون على عدم اطاعة رجال الميليشيا.



قرر البصري ان يأخذ عائلته الى منطقة العامرية ذات الاغلبية السنية في غرب بغداد، متوقعا ان يجد ترحابا من اخوة المذهب والدين. حملوا اثاثهم وحاجياتهم في شاحنة وقطعوا 600 كم باتجاه الشمال.



لم يكن الاستقبال في بغداد الا بما يعصر القلب، فالمقاتلون السنة المسؤولون عن المنطقة قد اخبروا البصري انه لا يمكنه السكن دون موافقتهم. وعلى هذا فهو بحاجة الى تزكية شخصية من احد السنة ليضمنه.



لحسن الحظ، وجد البصري احد اصدقاء صديقه الذي ضمن عائلته. ثم تحولوا هناك واحسوا بالامان اخيرا.



ولكن سرعان ما توضح انه وبسبب كونه جديدا في المنطقة، فان المسلحين شكوا انه يعمل لصالح الشيعة المسيطرين على الحكومة العراقية.



ضجرت العائلة وتضايقت من زيارات المسلحين غير المرغوب بها لهم.



شكى البصري بمرارة" لا استطيع النوم ليلا خوفا من تكرارزيارات هؤلاء الزائرين".



الان، وبعد سنة من الانتقال الى بغداد، فانه لا يزال دون عمل، ولا يجرؤ على البحث عن عمل خارج منطقته بسبب المخاوف الامنية.



العوائل السنية التي هجرت من المناطق الشيعية ظلت تحت شك واستهداف المسلحين السنة الذين يتهمونهم بالتنسيق والتعاون مع الحكومة العراقية وقوات التحالف.



العديد من مناطق بغداد التي كانت مختلطة اصبحت اما شيعية خالصة او سنية خالصة بعد ان طرد المسلحون والميليشيات العائلات التابعة للمجموعة الدينية من غير مذهبهم.



لكن العراقيين لا يحسون بالامان حتى بين اولئك الذين هم من نفس مذهبهم.



اجواء انعدام الثقة التي عمت العاصمة جعلت الناس يتكفلون بحماية انفسهم. القادمون الجدد دائما في موضع شك في كونهم متطرفين، من الميليشيات، مجرمين يعملون لصالح عصابات الخطف، او من المتعاونين مع الحكومة.



وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فان هناك حوالي 1,9 مليون عراقي قد هجروا في الداخل وحوالي 2 مليون هربوا الى دول الجوار مثل سوريا والاردن. وهذه الارقام مرشحة للزيادة مع استمرار العنف والنزاع الطائفي.



واضافت المفوضية ان هناك اكثر من 700,000 عراقي تم تهجيرهم في الداخل بسبب العنف الطائفي وذلك منذ العام 2006.



بعد تفجيرات سامراء، تم تهجير الالاف من العوائل السنية من بيوتهم في المناطق ذات الاغلبية الشيعية التي تسيطر عليها الميليشيات.



تستولي الميليشيات الشيعية والمسلحون السنة على بيت العائلة التي يهجرونها وغالبا ما يعطونه الى عائلة من نفس جماعتهم هجرت من منطقة اخرى.



يطلب المسلحون من كل عائلة جديدة توفير شخص ضامن ليطمأنوا من كون العائلة لاتعمل لصالح الحكومة.



قال بعض المسلحين السنة – الذين فضلوا عدم ذكر اسمائهم – ان هدفهم من ذلك هو خلق مناطق موالية للمقاومة يمكن السيطرة عليها بسهوله.



ومن لا يطيع اوامرهم او يحاول مقاومة اعمالهم فانه يعرض نفسه و حياته للخطر. تم مؤخرا تفجير احد الجوامع في محافظة الانبار التي تعتبر معقل تنظيم القاعدة وقتل الكثير من المصلين السنة، حدث ذلك بعد انتقاد امام الجامع للمسلحين.



كذلك فان المسلحين السنة لا يثقون بالسنة المتزوجين من شيعة، مشككين من كون الزوج السني قد يتعاطف مع الشيعة ويعمل لصالح الحكومة.



وتلك الزيجات شائعة – تقدر السلطات ان هناك 2 مليون من اصل 6,5 مليون حالة زواج في العراق هي بين سنة وشيعة، وذلك بحسب مشروع IRIN و هو خدمة أخبارية تابعة للأمم المتحدة.



صعق احمد الجنابي المتزوج من شيعية والساكن في منطقة الدورة ذات الاغلبية السنيةحين شاهد كتابة على باب بيته وهو يهم بالذهاب الى العمل صباحا. تقول الرسالة " ارحل من هنا ايها الخائن".



اخذ الجنابي، الذي يعمل سائق تاكسي وله اربعة اولاد، الامر على محمل الجد. لقد شاهد الكثير من عمليات الخطف والقتل ليعرف ان مثل تلك الكتابة ليست مزحة. وقال "ان تجاهلناها، قد تكلفنا حياتنا".



رغبت ام خالد، زوجة الجنابي، ان تتحقق من التهديد وذهبت الى الجامع القريب الذي يعرف عنه كونه قاعدة للمسلحين السنة. لكن الامام اخبرها انه لا يستطيع تقديم المساعدة.



عندما خرجت ام خالد من الجامع، تقدم منها جار لها واخبرها ان المسلحين تصرفوا بهذا الشكل لانها شيعية وشككوا في ولاءات زوجها.



وقال بان المسلحين يخافون ان يسرب الجنابي معلومات الى اقرباء زوجنه من الشيعة او الى الحكومة. واقترح الجار عليها بقوة ان يتركوا المنطقة.



قرر الزوجان السفر الى سوريا حيث وعد صديق للجنابي بإيجاد عمل له. لم يجرؤا حتى على توديع جيرانهم. " سوف لن نعود ابدا" قال الجنابي.



المهجرون السنة الباحثون عن لجوء داخل العراق لديهم خيارات قليلة في المناطق التي يذهبون اليها.



فهم لا يستطيعون الذهاب الى المناطق الشيعية، و في الكثير من المناطق السنية، فان المسلحين لا يقبلونهم ايضا، خاصة اذا كان زواجهم مختلط المذهب.



البعض يختار المناطق المستقرة في كردستان العراق، بينما الكثير مثل الجنابي وام خالد قد هربوا الى سوريا.



قال مثال الالوسي عضو البرلمان عن حزب الامة ان المسلحين يطردون عوائل معينة كي يوسعوا من سيطرتهم و"ليخلقوا معاقل لعملياتهم المسلحة".



نادرا ما يلجأ الناس لطلب النجدة من الجيش العراقي لانهم وكما يبدو غير قادرين على مواجهة المسلحين والكثير يشك في ولائهم. اما الشرطة – التي اغلب عناصرها من الشيعة – فانها كثيرا ماتتهم بتورطها في خطف وتعذيب وقتل السنة.



لم تطلب اي من العائلات التي قابلناها النجدة من الشرطة.



عند احد الحواجز الكونكريتية التي تستعمل كنقطة تفتيش من قبل القوات الامنية في الدورة، اقر مسؤل الشرطة ان الناس لا ترغب اخبار القوات الامنية عما يحدث في مناطقهم.



واضاف "لا يمكننا وضع نهاية للتهجير لعدم وجود قواعد لدينا داخل المناطق. ونفتقر الى تسيير دوريات على مدار الساعة والى الانشطة الاستخبارية في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون".



يبدو ان لا احد في هذه المناطق في امان.



قال عامر العاني، طبيب سني، انه لم يتصور ابدا المسلحين يستهدفونه و زوجته مها عمر التي تعمل طبيبة ايضا " لاننا كنا الاطباء الوحيدون الذين نقدم خدمة صحية للسكان وللمسلحين انفسهم كذلك".



والدكتور العاني معروف في منطقته ايضا بدعواته للاعتدال.



اخبره مرة احد مرضاه بالتوقف عن الحديث بان الله لا يميز بين الناس. وقال " شكرت المريض على نصيحته لكنني لم افكر انها كانت بمثابة تهديد من قبل المسلحين".



بعد اسبوع من تحذير ذلك المريض، حطم انفجار كبير بيته و عيادته، بينما كان هو وزوجته يفحصون مرضى. لحسن الحظ، لم يصب اي احد بأذى.



استهدفهم المسلحون تحت ذريعة انهم يربون كلبا في البيت. قال الطبيب " انتقدنا المتطرفون على طول الوقت لاننا نربي كلبا يعتقدون هم بقذارته".



قرروا السفر الى الخارج وهم الان في كردستان العراق بانتظار الانتهاء من اجراءات معاملاتهم.



وقالت زوجته "سنذهب الى بلد غربي حيث نستطيع توفير حياة كريمة لنا ولاطفالنا بعيدا عن المجاهدين والمتطرفين الذين يريدون تحطيم حياتنا".



اما عن البصري، فقد قرر العودة الى االبصرة بعد ان شجعه الاصدقاء والاقارب على العودة واعدين اياه بحمايته.



وقال "لقد قررت العودة، مهما كلفني ذلك، لان الحياة في بغداد لا تطاق. لقد تركت البصرة لانقاذ حياة عائلتي- وليس للمجازفة بها".



حازم الشرع مراسل لمعهد صحافة الحرب والسلام.
Frontline Updates
Support local journalists