الأذاعة بعد غد

بقلم سيامند عثمان – لندن – (تقرير الأزمة العراقية المرقم 7 ف24 آذار 2003)

الأذاعة بعد غد

بقلم سيامند عثمان – لندن – (تقرير الأزمة العراقية المرقم 7 ف24 آذار 2003)

Tuesday, 22 February, 2005

تركت ثلاثة عقود من القيود البعثية على حرية الكلام وعلى تدفق المعلومات آثارا مدمرة على عقول ومدارك العراقيين في داخل العراق.


أجيال من العراقيين ترعرعت بفكرة مشوهة عن العالم وفهم غير كامل عن تاريخهم ومحيطهم الأجتماعي والسياسي، وأصلاح هذا الوضع يتطلب سنين كثيرة من المحاولات وعلى كل الأصعدة؛ من التغيير الجذري الشامل لمناهج التعليم، إلى توفير أجواء حرة غير ممنوعة لللأعلام والمعرفة.


سيلعب الأعلام المطبوع والمرئي والألكتروني دورا أساسيا في هذا الخصوص-على الأقل في الفترة الأولى من زوال صدام- حيث يقوم بدور أساسي في التأثير على تفكير الناس في العراق.


ومع بدء المواجهة العسكرية مع صدام، فأن لنا أن نتصور ماذا سيقال في راديو العراق، وماذا سيبث على التلفزيون العراقي في اليوم الذي تحرر فيه بغداد وبعدها.


وأبتداء، فأن الولايات المتحدة ستمكن الديمقراطيين العراقيين وذلك بتجهيزهم بمنتدى، حيث يمكنهم ذلك من مخاطبة العراقيين والتأثير عليهم، وهذا أكثر عقلانية من بث الصوت الأمريكي بلهجة عراقية.


وكان من الضروري أن يوضع العراقيون في المسؤلية وأن يدركوذلك، ففي عالم الأعلام، يكون الإدراك مهما، وخاصة في منطقة تكتنفها نظريات المؤامرة مثل الشرق الأوسط.


وبنفس السياق، فأن مستقبل الأعلام العراقي لن يكون حالة مفردة لأي منظمة سياسية أو مجموعة منظمات أو حكومة حرة منتخبة. على الإعلام توفير معرض ومنتدى يضم الجميع ويحتوي على كل الأذواق، وعليه أن يرتفع فوق الصراعات السياسية الداخلية العراقية.


تسيطر وزارة الأعلام المتخمة بالموظفين والتي لها علاقات حميمة مع المخابرات العراقية على كل الأعلام العراقي وعمليات النشر. وعدي كان يرأس نقابة الصحفيين ويملك جهازا أعلاميا خاصا به.


وبأتباع النموذج السوفيتي، فأن أعدادا من المراسلين وموظفين أخرين في وكالة الأنباء العراقية والراديو والتلفزيون الرسمي هم أما من المخابرات أو ممن يزودهم بالتقارير بشكل أو بأخر.


في ظل البيروقراطية غير الكفوءة وغير المهنية، من الصعب إعادة هيكلة الأعلام الرسمي الذي يشكل ضرورة ما بعد التحرير. فذلك يستدعي تغير شامل لكل المسؤليين ومن هم بدرجة أقل، الكادر الوسط وأولئك الذين لهم ارتباط مع المخابرات.


يتم ذلك ضمن مفهوم خطة شاملة تبدأ بعد شهور قليلة من التحرير.


وهناك فكرة قوية تتلخص في أنه وبعد رحلة التحول نحو الديمقراطية، يصار إلى حل وزارة الأعلام العراقية وأستبدالها بهيئة مستقلة لللأشراف على الاعلام والمطبوعات، هنا يمكن تبني نفس خط ال BBC أو النموذج المشابه له. تحرير الأعلام من تدخلات الدولة وجعله يمثل خدمة عامة هي فكرة غريبة مثل فكرة فصل الدين عن الدولة في العالم الأسلامي، لكن هذ لا يشكل سببا للهروب منها أو تجنبها.


وفي كل الظروف فأن سيطرة وأحتكار الأعلام من قبل الدولة يجب أن ينتهي من خلال خطة عمل بقياسات منظمة يصار إليها أنذاك، ويجب أن نضع في الأعتبار إن كل مداخل الأعلام ستكون عاملة ومنتجة خلال فترة التحول لأن كل منظمة سياسية ستحاول أن يكون لها أداة دعائية خاصة بها كما هو الحال في المنظمة الكردية خارج سيطرة نظام صدام. وعلى أية حال فأن رؤية الأعلام غير الحزبي المرتبط بالدولة والذي يخدم الجماهير العراقية كلها بغض النظر عن المعتقد يجب أن يتحمس لها وهنا يكمن أحد أكبر التحديات التي ستواجهنا جميعا.


أن الأصلاح الجذري هو الشرط لأنشاء إعلام عراقي حر ونابض بالحياة بعيدا عن مخلفات الممارسات والأيدلوجية البعثية, وتشكيل جيل جديد من الصحفيين والكفاءات الأعلامية الأخرى هو جزء مهم من تلك الإصلاحات. لا يتحقق ذلك بين يوم وليلة بل يحتاج إلى سنوات، لكن الخطوات يجب أن تبدأ حال توفر الظروف لها ومن بين تلك الخطوات هو إعداد مناهج جديدة لكليات الإعلام في الجامعات العراقية.


على أن لا يتم التركيز في ذلك على تقنيات العمل الحديثة وبرامج الأعلام المتعددة، بل يتعدى ذلك إلى دروس إجبارية في حقول حقوق الإنسان والحريات المدنية، ولتحقيق ذلك يجب أن يكون هناك تبادل في المناهج وزيارات بين الجامعات الأعلامية ونظيراتها في أميركا وأوروبا وكذلك الشبكات الأعلامية.


رغم حرص صدام على إمتلاك أحدث تقنيات الأسلحة، يبقى العراق بعيدا عن عصر التطور لأن كل الدكتاتوريين يخشون ويخافون التطورفي الأتصالات الحديثة لأن ذلك يسهل أمتلاك وتبادل المعرفة مع العالم الخارجي. سيكون عراق ما بعد صدام بحاجة إلى إستثمارات كبيرة في أنظمة الأتصالات في محاولة للحاق بركب التطور الرقمي – قاعدة معلومات عالمية... ونفس الشئ ينطبق على تكنولوجيا الأعلام.


ومثل كل الأمور المتعلقة بعراق ما بعد صدام، فأن الرهانات كبيرة، فإذا تم إتباع الخطوات الصحيحة، فسيكون مستقبل الأعلام في العراق منارة للأعلام في كل المنطقة وللعالم الأسلامي بشكل أوسع، حيث سيتحول إلى أداة لمحاربة الفاشية الدينية، وإلى محامي قوي عن الحريات والديمقراطية.


سيامن عثمان، كردي عراقي، باحث سابق في منظمة العفو الدولية ونائب رئيس united press international . نشر هذا المقال في صحيفة .wall street


Iraq
Frontline Updates
Support local journalists