الصراع يودي بحياة احد متدربي معهد صحافة الحرب والسلام.

كمال مناحي عنبر، الصحفي الشاب الواعد، مات الاسبوع الماضي وهو منشغل بكتابة مقالة في بغداد.

الصراع يودي بحياة احد متدربي معهد صحافة الحرب والسلام.

كمال مناحي عنبر، الصحفي الشاب الواعد، مات الاسبوع الماضي وهو منشغل بكتابة مقالة في بغداد.

Wednesday, 13 June, 2007
: قلم في يد، ودفتر ملاحظات في اليد الاخرى، يسجل بشغف كل معلومة تصادفه. كان كمال جديدا على عالم الصحافة، لكنه ولد كاتبا.



قتل كمال مناحي عنبر، صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام، بتاريخ 26مارس 2006. كان عمره 28 عاما وتزوج قبل ستة شهور – وترك ورائه زوجة حامل في شهرها الثالث.



كان كمال يعمل على كتابة مقالة عن تأثير العوائل العراقية النازحة بعد تفجيرات سامراء في شباط الماضي على خلق سوق عقارات غير مستقرة، وكمثال على ذلك، ارتفاع الايجارات في بعض المناطق بسبب طلب العوائل النازحة من مناطق اخرى من المدينة.



لقد التحق حديثا بالدورة الاقتصادية التي اقامها المعهد وكان راغبا في بيع المقالة الى المعهد.



ذهب كمال الى حسينية المصطفى و هي مسجد و مكتب في منطقة اور ببغداد لمقابلة الشيخ صفاء التميمي مسؤل التيار الصدري - الذي يقوده رجل الدين الشاب مقتدى الصدر- في المنطقة، والذي اصبح خبيرا في العوائل النازحة التي تبحث عن ملجأ لها في منطقة اور ذات الاغلبية الشيعية التي يسكنها كمال.



كان كمال يكتب اول تكليف له كصحفي، برفقة زميلين له كلاهما متدربان في معهد صحافة الحرب والسلام. اعتاد الثلاثة اللقاء كل يوم بعد العمل وكانوا يخططون لتناول العشاء سوية بعد مقابلة الشيخ.



وعند وصولهم الى الحسينية، ظهرت الكثير من سيارات الهمر الامريكية مع عجلات عسكرية اخرى ترفع الاعلام العراقية وبدأوا باطلاق النار. تبعثر الصحفيون الثلاثة للاختباء في البيوت المجاورة القريبة.



وبعد حوالي ساعتين، وعند الساعة الثامنة مساءا بتوقيت بغداد، توقف الرمي. كان اصدقاء كمال قد اختبئوا في بيتين منفصلين وتقابلوا في الشارع بعد الحادث ولكنهم لم يجدوا كمال. قال مصدق مطر- واحد من الذين رافقوا كمال- ان المشهد بعد الغارة كان فوضويا: سيارات محترقة، رائحة الدم تنتشر في الهواء، والناس كانت تتزاحم على المنطقة. تم اسكات تلفوناتهم الخلوية ، كما جرت العادة في مثل هذه الحوادث او عند حصول عمليات عسكرية.



قال مصدق ان كمال اصيب وقتل. كان ملقى على الارض قرب باب احد البيوت، مع جروح إطلاقات في وجهه ورقبته. بدا انه كان يحاول فتح الباب عندما اصيب.



واضاف مصدق" عندما رأيناه لم نصدق ذلك وبدأنا بالبكاء. كان صديقي المفضل واخي".



ولد كمال في بغداد بتاريخ 22/10/1978 ، وترعرع مع ستة اخوة واختان. كانو فقراء جدا، وامه الارملة كانت تعمل منظفة في ثانوية المتنبي في منطقة الزعفرانية.



كان كمال محبوبا من جميع اصدقائه لخصاله الايجابية ولطبيعته الهادئة. كان اصدقائه يصفونه بالكريم، المسامح، والاجتماعي. كان مسلما شيعيا ملتزما وشاعرا احب السفر والموسيقى. كان كمال رياضيا متحمسا وبطلا في كمال الاجسام حيث حصل على ثلاث ميداليات في بطولات محلية.



اشتغل كسائق تاكسي لكنه سرعان ما سئم العمل بعدما كاد ان يصيب في انفجار بضعة عبوات ناسفة على جانب الطريق.



تأثر كمال باصدقائه الذين كان قد أصبحوا مراسلين. وقدم طلبا للعمل في جريدة النهار، وهي صحيفة جديدة تصدر في بغداد، لكن المحررين فيها قالوا انه يحتاج الى خبرة اكبر للعمل. كان يحلم بمجتمع خالي من القتل والخوف والاختطاف، وان يعمل في يوم ما في احدى الصحف اللبنانية التي تمثل احدى اكبر المطبوعات في العالم العربي.



نصحه اصدقائه بالانضمام الى معهد صحافة الحرب والسلام ليكون باستطاعته العمل مع احدى القنوات الاعلامية المحلية. وحين لم يكن بمقدور احد اصدقائه الدوام في الدورة الاقتصادية التي نظمها المعهد، فقد رشح كمال بدلا عنه.



بعد مضي عشرة دقائق على دخوله مكاتب المعهد، جلس معي ليناقشني عن الصحافة. كان يريد معرفة رأيي حول الصحافة العراقية و رأيي عن كيفية تحسينها. كانت عيناه البنيتان الكبيرتان ممتلئتين بالفضول، و كانت ابتسامته العريضة جذابة.



قال عماد، وهو احد المتدربين الذي انضم الى الدورة الاقتصادية التي انتهت قبل ثمانية ايام من اغتيال كمال "كان كمال ذو قلب طيب، وتحس بالامان عند الحديث معه."



اصبح عماد وكمال- وهما شاعران من مناطق وخلفيات مختلفة- صديقين بشكل سريع. اهدى عماد الى كمال قميصا حبا له عند نهاية الدورة لان كمال كان معجبا به. لبس كمال ذلك القميص في اليوم الذي مات فيه.



قال كمال لعماد" انت اخي وصديقي."



كان كمال يجلس في المقعد الامامي من الفصل ولا يكف عن تدوين الملاحظات. كان يستوعب كل معلومة نناقشها سواء كانت افكار مقالات او نظريات اقتصادية.



كان كمال على الأرجح من اكثر الطلبة الذين عرفتهم حماسا, ومن اشد الصحفيين المتحمسين الذين عرفتهم في حياتي. كان يحب الحديث في الدين، ويحب الاسئلة، ويصغي الى ارائنا والى تواريخنا الشخصية. في الصورة التي التقطت داخل الصف، كان كمال يقف في الوسط باسطا ذراعيه على كتفي اثنين اخرين من الطلبة.



لان كمال وعماد كانت تنقصهم الخبرة الصحفية، فقد امضيت احدى فترات الظهيرة ادربهم على المهارات الصحفية الأساسية. لقد قمت بتمثيل دور مسئولة احدى المنظمات النسائية غير الحكومية تتحدث في مؤتمر صحفي مفترض ووهمي عن عملية اختطاف احدى النساء. وقد تعمدت قول عبارات قوية تتضمن ان الاختطافات الجماعية هي احدى نتائج وافرازات الحرب الاهلية و التي كنت اعرف انه يمكن أخذ اقتباسات مباشرة جيدة منها. وطلبت منهم كتابة ثلاث او اربع فقرات.



كتب كمال موضوعا معتمدا على ملاحظاتي واثبت ان لديه تقييم خبري جيد. كان منزعجا من شيء قلته. "لماذا تقولين هناك حرب اهلية؟ كيف تثبتين ذلك؟" سألني كمال.



اخبرت كمال انني " لا استطيع اثبات ذلك، لكنه امر واضح، الا ترى ذلك؟"



" لا، نحن لم نصل الى تلك الحرب بعد" اجاب كمال.



تياري راث محررة دولية لتقارير الازمة العراقية ومدربة صحفية في المعهد. ساهم في اعداد هذا التقرير مصدق مطر الصحفي المتدرب في المعهد.
Frontline Updates
Support local journalists