الأصداء الخاصة باللغة العربية تتلاشى من كردستان

الشباب ضمن إقليم كردستان لشبه الحكم الذاتي يرفضون اللغة العربية وسط التوترات المتصاعدة مع بغداد.

الأصداء الخاصة باللغة العربية تتلاشى من كردستان

الشباب ضمن إقليم كردستان لشبه الحكم الذاتي يرفضون اللغة العربية وسط التوترات المتصاعدة مع بغداد.

Thursday, 24 September, 2009
24 سنة تقول بتذمر إن دراستها لم تمنحها الثقة الكافية للتحدث بطلاقة بالعربية كل يوم.



وتضيف قائلةً " نحن درسنا فقط قواعد اللغة العربية والأدب العربي " وتؤكد القول " لماذا علينا دراسة القصائد وحياة الشعراء العرب الذين عاشوا قبل مئات السنين ؟ ".



وتسترسل في حديثها مبينةً " بعد سنوات من التعلم لا أجد نفسي قادرة على التحدث باللغة العربية وأخاف من فكرة تدريس اللغة العربية للطلبة العرب في المدارس.



اللغة العربية هي اللغة الرسمية الثانية في كردستان والأولى في عموم العراق الذي يشكل الأكراد فيه أكبر الأقليات العرقية من حيث العدد ، وبالرغم من إن دراسة العربية قد صارت ملزمة في الوقت الحاضر في المدارس الكردية فإنه من الملاحظ إن نسبة الأكراد الذين يجيدون التحدث باللغة العربية بطلاقة في تضاءل.



الأكراد المتحدثون باللغة العربية يصنفون على إنهم من الجيل القديم بضمنهم النخبة السياسية الحالية التي نالت قسطها من التعليم قبل إنشاء أقليم كردستان لشبه الحكم الذاتي في عام 1991 ، فالعديد ممن أعمارهم أدنى من 35 سنة لا يجيدون التحدث باللغة العربية.



من جانب آخر نجد إن الإهمال المتنامي للعربية من قبل الأكراد يقابله إهمال مماثل ودائم للغة الكردية من قبل العرب العراقيين.



ضحايا السياسة



ومن الملاحظ أيضاً إن توسع فجوة اللغة يتزامن مع نزاع شديد بين قادة الكرد والعرب الذي أبرزته الأمم المتحدة على أنه التهديد الأكبر والطويل الأمد الذي يؤثرعلى إستقرار العراق.



إن التوتر القائم بين المجموعتين قد وصل لأعلى مستواه منذ الغزو على العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003 ، فبغداد والحكومة الكردية في خلاف حول الخطة الأخيرة لتعزيز حكمها الذاتي وتوسيع أقليمها.



إن المناطق المتنازع عليها تقع إلى الجنوب وإلى الغرب من كردستان حيث المجتمعات الكردية والعربية متقاربة جداً من بعضها. وهنا تجدر الإشارة إلى محافظة نينوى المتنازع عليها حيث أكتسبت دراسة اللغة هنا لهجة أو صبغة سياسية.



أتهم القادة العرب في هذه المحافظة الأكراد بأنهم يعمدون إلى فرض ثقافتهم على المجموعات التي تشكل نسبة الأقلية وذلك من أجل تقوية مطالبها في المنطقة بينما ينكر القادة الأكراد ذلك الأمر ويقولون إنهم يتطلعون فقط إلى إبطال سياسة صدام حسين التي كبتت ثقافتهم ولم تجيز تدريس لغتهم في المحافظة.



قي آخر زيارة لمدينة بعشيقة الواقعة ضمن محافظة نينوى دعى أحد كبار المسؤولين الأكراد ويدعى خرسو كوران إلى المزيد من التشديد والتأكيد على تدريس اللغة الكردية.



وأوضح كوران لمعهد صحافة الحرب والسلام وهو نائب محافظ نينوى سابقاً " على الكرد أو أية أمة أخرى أن لا تنسى لغتها الأم " مضيفاً " معظم الأكراد في بعشيقة لا يجيدون التحدث باللغة الكردية ".



ونفى كوران من أن تكون دعواه لمزيد من الأهتمام بدراسة اللغة الكردية ذات دافع سياسي مشيراً إلى أنه كان من الذين دعوا إلى تعليم اللغة العربية للأكراد ، مُصّرحاً بهذا الصدد لمعهد صحافة الحرب والسلام " التوترات القائمة بين الأمتين ليس لها من صلة ُتذكر بالتعليم ".



لقد تعمق وتنامى الشك الذي ينتاب الطرفين عرباً وأكراداً في ظل حكم صدام حسين ويقف حائلاً اليوم تجاه تبادل الثقافات اللغوية بينهما من جديد. وأستطرد موجهاً حديثه للمعهد " من أجل أن يتعلم الكرد والعرب لغة بعضهما يجب أولاً حل الخلافات السياسية بينهما ".



النهوض الكردي



إن الفجوة اللغوية الجدلية بين العرب والأكراد ما هي إلا إحدى عوارض التوترات القائمة بين الطرفين والتي قد تتفاقم قريباً بينهما.



ويقول المحللون إن الجيل القادم من القادة الأكراد لربما يكون عرضة للخطر لجهله أو إفتقاره للغة العربية بالطلاقة اللازمة.



وقال مسؤول كردي الذي يجيد العربية ويدعى أسوس هاردي " سياسياً تكمن الخطورة من وجود مسؤول بين العرب لكنه لا يجيد التحدث وإقامة حوار بالعربية مضيفا ً " إنه عشرات المرات أفضل وجود مسؤول يجيد العربية ليكون أكثر إستعداداً وقدرةً من مسؤول آخر في نفس منصبه لكنه لا يجيدها ".



فريد أساسارد الذي يشغل منصب رئيس مركز كردستان للدراسات الجيولوجية أتفق مع هاردي بقوله على قادة المنطقة مستقبلاً التحدث باللغة العربية بطلاقة ليتسنى لهم تمثيل المصالح الكردية في بغداد. فالأكراد الشباب لا يتحدثون العربية بصورة جيدة بسبب " قلة تفاعلهم مع الفئة المتحدثة بالعربية من العراق ".



الرئيس العراقي الحالي ووزير الخارجية والنائب السابق لرئيس الوزراء هم جميعهم أكراد ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة.



من جانب آخر تمتاز الكتلة الكردية في البرلمان العراقي في بغداد بتفوقها في التحالفات التي يهيمن عليها العرب.



الكاتب والصحفي في مجلة رداو وأسمه عبدالله كرجاي البالغ من العمر 60 عاماً ذكر عن إتقانه العربية منذ شبابه إبان إنخراطه في صفوف الجيش العراقي. وبعدها تزوج من إمرأة عربية مبيناً إن الخدمة العسكرية والزيجات المختلطة ساعدت الكثير من الشباب الكردي من جيله آنذاك لتعلم العربية.



للفترة الممتدة بين الأنتفاضة الكردية في عام 1991 والغزو عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة حصلت المحافظات الثلاث التي تمثل كردستان على حكم ذاتي مستقل وفاعل في العراق ، وشاهدنا كيف كان الكرد في الدوائر والمدارس يؤكدون ويصرون على هويتهم - بعد عقود من الأضطهاد في بغداد - بإستبدال العربية باللغة الخاصة بهم.



وأسترسل كرجاي يقول " بعد إنتفاضة عام 1991 أعتبر الأكراد أنفسهم مستقلون " ، " فلم يجدوا أنفسهم مضطرين بعد الآن إلى تعلم العربية ولم يبذلوا جهداً في هذا المضمار ".



النقلة الثقافية



تصف رئيسة اللجنة التعليمية العليا في البرلمان الكردي نزناز محمد الحقبة الزمنية في أعقاب عام 1991 بأنها تجربة برهنت على متانة اللغة الكردية.



ومضت تقول ، قبل الأنتفاضة كان معظم الأكراد الذين حظوا بتعليم عالي ينتمون لعوائل ميسورة الحال لكن بعد تزايد الأعداد هوت المعايير مُصرحة ً " بعد الأنتفاضة انفتح الباب واسعاً مؤدياً إلى إزدحام في المدارس وتباعاً هبط تدريجياً مستوى تعلم القراءة والكتابة ".



وأضافت ، كانت تخطط الحكومة لتحديث المنهج وبناء مزيداً من المدارس وتأهيل السلك التدريسي بشكل أفضل.



إلى ذلك قال الدكتور عثمان أمين صالح أستاذ مساعد للغة العربية في جامعة صلاح الدين في العاصمة الكردية أربيل إن العديد من خريجي قسم اللغة العربية لا يتمكنون من التحدث باللغة العربية بطلاقة.



ومضى مبيناً " السياسة والموقف الكردي إزاء العرب كانا من بين أهم الأسباب " كما ألقى باللائمة على منهاج عقيم أدى إلى إفشال تعلم الطلبة اللغة العربية.



وزير التربية في الحكومة الكردية دلشاد عبد الرحمن أكد على إتمام مراجعة منهاج اللغة لكنه لم يعطي تأريخ محدد لتبني النظام الجديد وأكتفى بالقول " سيتم تطبيق الخطة في السنوات القادمة ".



وأضاف " تعلم اللغة لا يعتمد كلياً على التدريس ففي السابق قبل الأنتفاضة كانت القنوات الإذاعية والتلفازية تبث بالعربية ولمعظمها ، فكان بإمكان عامة الناس تعلم العربية وفهم جوانب هذه اللغة ".



أما المحلل الساسي هاردي فقد تبنى نفس الفكرة رافضاً إلقاء اللوم على الجانب التدريسي لوحده .



وصرح " لا يشعر الجيل الجديد بالحاجة إلى تعلم العربية فليس لها من صلة بالمنهاج الدراسي مشيراً إلى نجاح الأجيال الأقدم في عملية دراسة اللغة بإستخدام ذات الكتب اللغوية ".



اللغة الأنكليزية في تقدم



شهدت السنوات الأخيرة إنتعاش قليل في مجال تعليم اللغة العربية في كردستان فتم فتح المدارس المتخصصة في تعليم هذه اللغة لللاجئين والمهجرين إثر أعمال العنف في أجزاء أخرى من العراق ومعظمهم من العرب أو الأكراد الذين يتحدثون العربية كلغة أولى.



حالياً هنالك ما يربو على 44 مدرسة ُتدّرس اللغة العربية من مجموع 21635 مدرسة في كردستان وفقاً لأحصائيات لدى حكومة الأقليم.



لكن نجد من جانب آخر عزوف معظم الأكراد على إختيار العربية اللغة الثانية والميل لتعلم لغة غربية كلغة ثانية لهم ، وقد دأبت كليات اللغات الخاصة بالتشجيع على تعلم الأنكليزية .



في معهد أو أس أي (OSA) أسست مدرسة للغات في أربيل في عام 1992 ، 240 طالباً ينضم لها حالياً لتلقي دورة تعلم اللغة الأنكليزية مداها ثلاث أشهر بينما عدد طلاب دورة تعلم اللغة العربية فهو 40 طالباً.



إن شعبية اللغة الأنكليزية تنبع من منطلق تحقيق عمل مربح لا سيما في المجالات الجديدة مثال ذلك الحواسيب أو الإتصالات.



وذكر اللغوي وكاتب إبان عقد الستينات حكيم كاكا ويس " تنشر التقنيات الأوروبية المتطورة معاجمها " ، هو غير متأثر بإنحسار الأهتمام باللغة العربية.



" من الطبيعي إن الكرد من الشباب لا يقبلون على تعلم العربية أو التحدث بها فلهم موطن آخروليس تعلم لغة أخرى أمراً قسرياً طالما إنك لا تحب تعلمها ".



وأظهر لنا صاحب مكتبة لبيع الكتب في مركز مدينة أربيل إنحسار تجارة الكتب العربية التي لا يقبل على شرائها سوى من تجاوز الأربعين من العمر ، " أنا أبيع بصورة أكبر قواميس اللغة الأنكليزية في الوقت الحالي مُقارنة ً بما أبيعه من القواميس العربية ".



نجيبة محمد – صحفية متدربة – معهد صحافة الحرب والسلام – أربيل
Iraqi Kurdistan, Iraq
Frontline Updates
Support local journalists