البشير يفقد السيطرة على حكومة الوحدة الوطنية

إن استمرار الخلاف حول تقاسم السلطة وعائدات النفط الطائلة في الجنوب؛ هما السبب وراء اشتعال الأزمات السياسية الأخيرة.

البشير يفقد السيطرة على حكومة الوحدة الوطنية

إن استمرار الخلاف حول تقاسم السلطة وعائدات النفط الطائلة في الجنوب؛ هما السبب وراء اشتعال الأزمات السياسية الأخيرة.

Thursday, 29 November, 2007
2005 بعد أكثر من عشرين عاماً من الحرب الأهلية، قد يهدد السلام الهش في هذه المنطقة التي دمرتها الحرب.



كما قد يدفع حكومة الرئيس السوداني عمر البشير إلى القتال على جبهة ثانية بالإضافة إلى صراعها ضد المتمردين في منطقة دارفور الغربية.



هذا وقد أعطى السيد كير مهلة للبشير حتى الذكرى السنوية الثالثة لاتفاق السلام الشامل في التاسع من كانون الأول عام 2005 ، كحد أقصى للامتثال لأحكام الاتفاق.



فقد اتهم السيد كير الرئيس البشير بعدم تنفيذ أحكام اتفاق سلام 2005، هذا الاتفاق الذي أدى إلى تأسيس حكومة تتقاسم السلطة، وإلى اقتسام عائدات نفط الجنوب الهائلة.



والأسوأ أن تزايد الهوة بين شمال وجنوب السودان يهدد بإعادة إشعال فتيل الحرب الأهلية الدامية التي راح ضحيتها ما يقدر بمليون ونصف قتيل. كما من الممكن أن يؤدي إلى القضاء على أي أمل للشمال أو الجنوب في استثمار احتياطي النفط السوداني الهائل.



وأما في أحسن الأحوال فستكون مجرد حرب كلامية، إلا أنه لا يبدو أن أياً من الجانبين سيتراجع.



من جهته، أعلن الرئيس البشير أنه لا يرغب في العودة الى الحرب وأنه على العكس ينوي أن يحرص على تمكين حكومة الوحدة الوطنية من تأدية مهامها.



فقد صرح في الواحد والعشرين من شهر تشرين الثاني في اجتماع حزب المؤتمر الوطني قائلاً:"لقد تم بذل جهود هائلة في سبيل التوصل الى اتفاق سلام يحقق الحرية والديمقراطيه والحكم الرشيد."

كما أعلن الرئيس البشير أن الحوار هو أفضل خيار لتسوية الخلافات.



إلا أنه على الرغم من تأكيداته هذه، وضع قواته في الجنوب في حالة تأهب في وقت سابق من هذا الشهر، داعياً الميليشيات الشعبية إلى استئناف التدريب.



وقد جاء ذلك بعد أن انسحبت حكومة جنوب السودان شبه المستقلة من الحكومة الائتلافية في الحادي عشر من تشرين الأول الجاري، وأكدت أن الرئيس البشير قد همَّش الجنوب.



هذا ومن المقدر أن الرئيس البشير لن يتحمل ثانية الصراع في بلاده، سيما وأنه الآن يخوض صراعاً مع الجماعات السودانية المتمردة في حرب أزهقت أرواح ما يقدر بمئتي ألف شخص وشردت ما يقارب مليونين آخرين.





ولقد اتهمت المحكمة الجنائية الدولية وزير الشؤون الإنسانية في حكومة الرئيس البشير محمد هارون وعلي كوشيب زعيم ميليشيا الجنجويد، اتهمتهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيه خلال الصراع في دارفور.



وبعد إبرام اتفاق السلام الشامل، تم تعيين السيد كيركنائب أول لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، وكثاني في السلطة بعد الرئيس البشير. وقد جاء تعيينه هذا بعد الوفاة المفاجئة لجون قرنق في عام 2005 ، بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاق.



هذا الاتفاق الذي شكل حكومة وحدة وطنية لمدة ست سنوات، على أن يليها استفتاء في الجنوب يمكِّن سكانه من التصويت مع أو ضد الاستقلال عن السودان.



وقد شُكِّلت هذه الحكومة من أربعة وسبعين وزيراً ومستشاراً رئاسياً، علماً بأن اتفاق السلام الشامل منح حزب البشير اثنين وخمسين بالمائة من المقاعد الوزارية، وحركة تحرير الشعب السوداني في الجنوب ثمانية وعشرون بالمائة.



إلا أن الأمر الأهم والحاسم، هو أن عائدات منطقة أبيي الغنية بالنفط تم تقسيمها بنسبة خمسين بالمائة للحكومة الوطنية و اثنين وأربعين بالمائة من نصيب الجنوب، وأما الأجزاء المتبقية فتم توزيعها على الكيانات الأخرى.



كما تم علاوة على ذلك إنشاء لجنة خاصة لتقوم بتعيين حدود منطقة أبيي، وتقديم تقرير بهذا الخصوص إلى الرئيس البشير.



وقد قدمت اللجنة تقريرها الى الرئيس البشير في وقت سابق من هذا العام، إلا أنه رفضه إذ جاء فيه أن أبيي التي تملك الجزء الأكبر من موارد البلد من النفط ، ستكون جزءاً من جنوب السودان.



ويبدو أن حكومة البشير قلقة من إمكانية إلحاق منطقة أبيي بالجنوب، إذ أنها ستفقد إيراداتها الهائلة في حال صوَّت الجنوبيون لصالح الاستقلال في البلد الذي من المخطط إنشاؤه عقب الاستفتاء المزمع إجراؤه في عام2011.



وقد أعلن السيد مصطفى عثمان اسماعيل مستشار البشير للشؤون الدبلوماسية أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لن يغير موقفه بأن أبيي تنتمي الى الشمال.

وفي حال بقيت هذه المنطقة تحت سيطرة الشمال، فإن الاستقلال المحتمل للجنوب لن يشكل خطراً كبيراً على شمال السودان.



هذا وقد نقلت صحيفة جوبا الرئيسية عن السيد عثمان قوله: "حتى لو لم تعد الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى حكومة الوحدة الوطنية، فلن يؤدي ذلك إلى أي فراغ دستوري وستحافظ الحكومة على مشروعيتها."



وصرح السيد باجان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، بأن أكثر من خمس عشرة ألفاً من القوات الحكومية المركزية والقوات المسلحة السودانية تقوم بتطويق مناطق النفط. وكانت هذه القوات قد انسحبت الى الشمال في تموز من العام الجاري.





ويبدو أن هذا ينتهك أيضاً الاتفاق الذي دعا إلى أن تقوم قوة مشتركة مؤلفة مما يقارب تسعة و ثلاثين ألف جندي موزعة بالتساوي بين الشمال والجنوب، بحراسة الحقول النفطية في منطقة أبيي.



ووفقاً لـلعماد كول ديم كول من الجيش الشعبي لتحرير السودان، صرح مسؤولون عسكريون سودانيون بأن القوات الشمالية لم تنسحب لعدم تواجد القوة المشتركة.

إلا أن السيد كول أجاب بأن "وحدة التفتيش المشتركة متواجدة في جميع مناطق أعالي النيل وبانتيو، وأن هذا مجرد انتهاك صريح لبروتوكول الترتيبات الأمنية."



إن مما يدعو أيضاً إلى القلق أيضاً، هو الافتقار الواضح إلى الشفافية فيما يتعلق بالعائدات النفطية، إذ يذهب باجان أموم إلى أن جنوب السودان لم يعطَ أية تفاصيل بشأن العائدات النفطية التي تنتجها الآبار الجنوبية.



كما انتقد السيد كير الرئيس البشير لرفضه تعيين عدد أكبر من الوزراء من الجنوب في حكومة الوحدة الوطنية. ورغم أن البشير لان أخيراً وقام ببعض التعيينات، فقد طلب السيد كير من هؤلاء المعينين عدم مباشرة أعمالهم حتى يتم حل جميع المشاكل المعلَّقة الأخرى.



وقد دافع كير كذلك عن نفسه ضد الاتهامات التي وجهتها إليه حكومة البشير بأنها لم تمنحه الإذن بالزيارة التي قام بها إلى الولايات المتحدة، وكذلك تصدى مسؤولو الأمم المتحدة لهذا الادعاء وأكدوا على أنه مُنح الإذن بالزيارة.

كما نفى أن تكون لزيارته للرئيس جورج بوش أي دوافع شريرة أو أن تكون جزءاً من مؤامرة.

إذ صرح قائلاً:"ليس لدي أي سبب للقيام بذلك لأنني جزء من السودان، ولا يمكن أن يتآمر المرء ضد نفسه." كما تابع مضيفاً أن الزيارة كانت في مصلحة السلام والاستقرار في المنطقة معبراً عن ذلك بقوله:

"لن يعيد الجيش الشعبي لتحرير السودان تحت قيادتي الناس إلى الحرب." وتابع مؤكداً للناس أنه سوف يقاوم أي محاولة تهدف لنقض اتفاق السلام والعودة الى القتال.



إلا أنه بالرغم من هذه التأكيدات، فقد أعطى حكومة البشير مهلة حتى التاسع من كانون الثاني لرفع الظلم عن الجنوب وإلاسيقوم باتخاذ المزيد من التدابير.



هذا وأشار كير إلى أنه قد يلجأ إلى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وهي مجموعة إقليمية مهمتها حل المشاكل التي تعترض تطبيق اتفاق السلام، وتتألف من كينيا واوغندا والصومال واثيوبيا والسودان وجيبوتي واريتريا.



كما أنه من الممكن أن تشارك في ذلك كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة لكونها ساهمت في محادثات السلام.



وقد كان الرئيس البشير قد أقسم في غضون ذلك، على دعم انتخابات حرة ونزيهة تشارك فيها جميع الأحزاب السياسية فى البلاد العام القادم.



وقال إنه سيعمل ما في وسعه ليحافظ على حكومة الوحدة الوطنية وأضاف أن إعادة توطين الآلاف من النازحين الجنوبيين الذين يعيشون الآن في مخيمات بالقرب من الخرطوم، ستكون على رأس أولوياته في العام القادم.



انتوني لوديونغ- صحافي في معهد الحرب والسلم للصحافة، الخرطوم.

Frontline Updates
Support local journalists