حياة تبحث عن حياتها
الكاتب: لين أحمد
حياة تبحث عن حياتها
الكاتب: لين أحمد
إنه منتصف شهر شباط/فبراير 2015، لبست نقابها ووقفت أمام مرآتها، تأكدت أنها جاهزة لمغادرة المنزل. الخروج إلى الشارع أصبح شبه مغامرة للمرأة في الرقة، وبالنسبة لحياة فهو مغامرة حقيقية لكنها مضطرة للخروج يومياً. تصرّ على أن تمسك بأي شيء يمنحها الأمل، في مدينة يسيجها السواد. بعد تخرجها من كلية التربية لم تجد طريقاً يحقق لها جزءاً من كيانها إلا الدروس الخاصة، رغم منع هذه الدروس بأمر من “تنظيم الدولة الإسلامية”.
تلقي نظرة أخيرة على نفسها قبل أن تخرج، يمازحها أخوها قائلاً: “إذا طالعة مثل النينجا لشو كل هالترتيب من جوا؟”
ترد عليه ضاحكة: “هالترتيب إلي مو لحدا ثاني”.
تخرج من المنزل عند الساعة التاسعة صباحاً، الطقس جميل. تحب حياة أن تمشي فتختار لنفسها طرفاً من الطريق، كأنها تمشي “الحيط للحيط”، خوفاً من عيون المجاهدين. تصل إلى المنزل الأول لينتهي قسم من المغامرة، وتعود الطمأنينة إلى قلبها عندما يستقبلها طلابها الصغار. وهكذا إلى أن تنتهي في الساعة الواحدة ظهراً، يكون التعب قد حلّ عليها بعد خروجها من درسها الأخير، لكنها سعيدة بانقضاء يوم العمل. تقف عند الرصيف بانتظار سيارة أجرة. لا يطول انتظارها لتأتي إحدى السيارات، فتصعد وتخبر السائق بمكان المنزل ليعود بها. لم تكن تستمع للسائق الثرثار، فبالها مشغول “بالطبخة”. وبعد دقائق تقترب من المكان لتشير إلى السائق أن يسلك الطريق إلى اليمين، لكن مفاجأة وقعت لم تكن تتخيلها، إذ أوقف سيارة الأجرة أحد عناصر التنظيم، الذي على ما يبدو كان يتبعهما على دراجته النارية.
– “عطيني هويتك” صرخ العنصر بالسائق.
فرد عليه مستغرباً “ليش يا شيخ خير انشالله؟”
العنصر: “ما تعرف إنو ممنوع تطلع معاك مرأة لحالها؟”
السائق: “لا والله يا شيخ طول عمرنا على هالحالة”.
كانت حياة في المقعد الخلفي تستمع إلى حوارهما ودقات قلبها تكاد تسمع من شدة خوفها، فأي مشكلة يمكن أن تكشف أمر دروسها.
نظر العنصر إليها وقال “انزلي لنشوف”.
والعنصر شاب عشريني غير ملتحٍ، يرتدي اللباس الأفغاني وهو من الرقة, ترجلت حياة من السيارة، وخوفها يطبق على صدرها.
العنصر: “أنا شفتك وانت تحركي إيدك وتحكي مع الزلمة”.
حياة: “الله وكيلك يا شيخ عم ادلو عالطريق”.
العنصر: “بسيطة، بسيطة، والله لأخلي الدم يطلع من ظهرك بعد الجَلْد”.
تراجعت حياة قليلاً بعد سماع كلمة الجَلد. بدأت ترتجف ودموعها تنهمر دون توقف.
بادر السائق بالقول عله ينهي المشكلة: “يا شيخ هذا الشي أول مرة نسمعه”.
العنصر: “في قرار بهالشي وانت بدك تدفع غرامة”.
تقطع حياة كلام العنصر وتقول له باستعطاف: “أبوس إيدك يا شيخ والله ما نعرف بالقرار”
ينظر إليها نظرة لؤم لا تنساها ويرد: “نحن مو بشار مشان تبوسي إيدينا”.
شعرت حياة وكأن الزمن توقف في مكان بشع. عملها حتماً سينتهي وحياتها ستصبح جحيماً وعذاباً، بالإضافة لعذاب الإهانة والمذلة التي تلقتها للتو.
يعود العنصر للصراخ بها: “عطيني هويتك”.
تشد حياة على حقيبتها كأنها تقول له لن أعطيك شيئاً. قبل أن يتوقف رجلان عابران فيسألهما السائق مستنجدا: “يا أمة الله سمعتو شي بقرار يمنع المرأة تطلع لحالها بالتكسي؟”
يرد الرجلان فوراً: “لا ما سمعنا”.
تقف حياة ملتصقة بزاوية التكسي، حقيبتها وقلبها بين يديها تنتظر كلمة الرحمة لتركض إلى البيت. بعد جدال لم يدم طويلاً استطاع الرجلان إقناع العنصر بأن لا أحد يعرف بهذا القرار، وفعلاً كان القرار قد صدر قبل يوم واحد.
ينظر العنصر إليها ويقول مهدداً: “إذا عدتيها يا ويلك”
تشعر حياة بالغضب والحقد، برغبة عارمة بأن تبصق عليه لكنها تكبت نفسها، وتهرول إلى المنزل ودموعها تقودها إلى بر الأمان .