تعليق: الجامعات في كردستان العراق بحاجة الى اصلاح
المساواة والديمقراطية في التعليم العالي يجب ان تمارس لا ان يوعظ بها.
تعليق: الجامعات في كردستان العراق بحاجة الى اصلاح
المساواة والديمقراطية في التعليم العالي يجب ان تمارس لا ان يوعظ بها.
وعدت الحكومة الكردية بمستقبل مشرق للشباب بتوفير فرص التعليم في جامعات راقية جديدة مثل الجامعة الامريكية في العراق التي من المزمع بناؤها في السليمانية.
في نفس الوقت، استفاد التعليم العالي من وصول الاكاديميين العرب الذين هربوا من العنف الطائفي في وسط وجنوب البلاد وكذلك من المثقفين الاكراد الذين عادوا من اوربا ومن بلدان مختلفة اخرى.
لكن النظام الجامعي بحاجة الى اصلاحات جوهرية قبل ان يقدم الخدمة للطلبة العراقيين. تعاني الجامعات في الاقليم من السياسة والفساد وشحة الموارد ومن الثقافة التي لا تؤمن بالنقد وبالفكر المستقل.
مشاكل التعليم العالي هذه – التي تعيق كردستان على مختلف الاصعدة – قد تعرقل مستقبل كردستان العراق والعراق ككل.
عبر العقود القليلة القادمة، سيستمر العراق بمواجهة التحديات التي تتطلب مواطنين بعقول مفتوحة يفكرون بشكل جاد. ولاجل قيادة البلاد، فان الاجيال الواعية الصاعدة بحاجة الى اكتساب المهارات والمعرفة التي تفتقدها الان الجامعات الكردية العراقية.
وكوني صحفيا وخريج جامعة السليمانية عام 2004، فان باستطاعتي الخوض في النواقص التي يعاني منها نظام التعليم العالي في كردستان العراق. لقد درست اللغة الانكليزية، وان حوالي 80 طالبا من اصل 130 طالبا كانوا قد تم قبولهم في القسم "بشكل خاص"، اي انهم قبلوا اعتمادا على علاقاتهم الشخصية القوية – من خلال احد الاحزاب الكردية الرئيسة – لقبولهم في الجامعة.
لا يتم التحدث في اللغة الانكليزية في مدينتي حلبجة، وقد تعلمت الانكليزية من خلال القواميس والاستماع الى اخبار البي بي سي من الراديو. اعتقدت انني وفي الجامعة سأجد الدعم المؤسسي لتطوير لغتي الانكليزية. لكنني اصبت بخيبة امل. فمثلا، اننا بدأنا مشوارنا الدراسي بدراسة شكسبير الذي يعتبر صعبا حتى بالنسبة الى الانكليز انفسهم، ولم نعط فرصة التحدث داخل الصفوف باللغة الانكليزية ولا استعمال مهاراتنا اللغوية بشكل عملي.
وادركت انني يجب ان اتخذ المبادرة بنفسي اذا رغبت تعلم اي شيء، لذا تطوعت للعمل مع الاساتذة الاجانب في الجامعة. وتلك كانت الطريقة التي تعلمت بها الانكليزية، وليس من خلال المناهج. قليل من الطلبة من يكون بامكانهم التحدث والكتابة باللغة الانكليزية بشكل جيد.
تعتبر القوة من العناصر المهمة في نظام التعليم العالي في كردستان العراق. فالجامعات – مثلها مثل بقية المؤسسات العامة والخاصة في الاقليم – تدار من قبل الحزبين الرئيسين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. اعلن الحزبان بشكل واضح رفضهما للتحدي وان اي تحدي لما هو موجود مرفوض حتى في الجامعات.
معظم الاساتذة هم من خريجي الحقبة السوفيتية التي لم تعد تتماشى مع العصر، وان نظام التعليم العالي يعتمد بشكل كامل على الطرق التقليدية. الطلبة العراقيون متعبون ويرغبون بتعلم طرق جديدة.
نحن دائما نتوق الى الخدمات الاساسية (من الصعوبة الدراسة بعدم توفر الكهرباء والماء في القسم الداخلي) والى المناهج الحديثة. اذا تدرس مناهج من حقبة الخمسينسات، فانك ستفكر كما لو كنت في الخمسينيات. ومنذ تخرجي ولحد الان ازدادت الاحتجاجات الا انه لم يتغير شيء.
تم معاقبة الكثير من الاساتذة لتطاولهم على النظام السياسي في كردستان العراق. تم ايقاف الاستاذ فرهاد بربال خريج جامعة السوربون و استاذ الادب الكردي في جامعة صلاح الدين عن العمل بعد تحديه لسيطرة الحزبين الكرديين وهيكلة القوة في كردستان. قام اوائل هذا العام بكتابة رسالة مفتوحة حادة يدين فيها الفساد المستشري بين ادارة الجامعة.
وبربال معروف بعلاقته الحميمة مع الطلبة والتي هي نادرة الحدوث في كردستان العراق. في الظروف الاعتيادية، يبتعد الاساتذة عن الطلبة الذين ينظرون اليهم ولا يستمعون اليهم. احد الاساتذة روى مرة نكتة في الصف، وعندما ضحك الطلبة، صرخ بوجهنا مذكرا انه لايزال الاستاذ ونحن الطلبة.
كان علي عدم تعلم هذه العلاقة بين الاستاذ والطالب عندما قدمت الى الولايات المتحدة لدراسة الصحافة. في الفصل الاول من دراستي، بقيت هادئا لاني كنت اخاف من تحدي افكار الاستاذ. وقد تأثرت درجاتي التي تعتمد على النشاط في الصف نتيجة لذلك. لكن في الفصل الثاني من الدراسة، ادركت ان الاساتذة يقيمون اراء وتحليلات الطلبة.
كثيرا ما وعدت حكومة العراق الكردية باجراء اصلاحات وتطوير في التعليم العالي، الا ان ذلك لم يكن سوى كلام.
اذا كانت الحكومة جادة في تطوير التعليم، فان عليها تهيأة الموارد لتوفير الخدمات الاساسية للطلاب مثل الكهرباء والماء والكتب الحديثة. ستكون هناك حاجة لتحديث المناهج ايضا. قد يكون ذلك مكلفا، لكنه ضروري.
وبعيدا عن الموارد، فان النظام يحتاج الى تغيير شامل. المساواة والديمقراطية تحتاج الى ان تمارس لا ان يوعظ بها.
يحتاج الطلبة الى من يسمعهم. سوف لن يرى العراق طريق النجاح اذا لم يحصل الشباب على الحرية لتطوير مهاراتهم الفكرية النقدية التي يحتاج اليها لبناء مجتمع خلاق وبناء. واخيرا، فان مورد العراق ليس هو النفط فقط، بل عقول ابنائه.
مريوان حمه سعيد: محرر كردي في معهد صحافة الحرب والسلام لبرنامج العراق، ويدرس الان في جامعة كولارادو في بولدلر للحصول على الماجستير في الصحافة.