الصحفيون العراقيون يعربون عن أسفهم لحادثة الحذاء
على الرغم من شعورهم بالإندهاش في البداية، شعر معظم العاملين في مجال الصحافة بالإنزعاج من المراسل التلفزيوني الذي رمى بحذائه على الرئيس الأمريكي.
الصحفيون العراقيون يعربون عن أسفهم لحادثة الحذاء
على الرغم من شعورهم بالإندهاش في البداية، شعر معظم العاملين في مجال الصحافة بالإنزعاج من المراسل التلفزيوني الذي رمى بحذائه على الرئيس الأمريكي.
وقال العديد من العراقيين العاملين في مجال الصحافة لمعهد صحافة الحرب والسلام إنهم يخشون من أن الفعل الذي قام به المراسل التلفزيوني منتظر الزيدي يجعل من عملهم أكثر صعوبة.
يعترف كثيرون بالقوة الرمزية لبادرته، و حتى أن البعض معجب بها. ولكنهم أيضا يرفضون الزيدي بوصفه ساعيا لجذب إهتمام الآخرين والذي أساء سلوكه الى سمعة مهنتهم.
المراسل الذي يعمل لصالح قناة البغدادية التلفزيونية التي تتخذ من القاهرة مقرا لها هو الآن قيد الإحتجاز، ويواجه محاكمة على نوبة غضبه الذي نُقل على شاشات التلفزيون خلال مؤتمر صحفي للرئيس الأمريكي الزائر في 14 كانون الأول.
قطع الزيدي خطاب بوش، راشقا إياه بشتائم و فردتي حذاء فيما سماها "قبلة الوداع" من الأرامل والأيتام في العراق.
أبهج مشهد الرئيس الأمريكي وهو ينحني لتجنب فردة الحذاء، كثيرين من الذين يلقون باللائمة على الرئيس الأمريكي لإراقة الدماء الذي أعقب غزو بلاده للعراق في العام 2003.
في تظاهرة ببغداد جرت في 16 كانون الأول، هتف الآلاف للزيدي كبطل وطني وطالبوا بإطلاق سراحه من الإحتجاز. في اليوم التالي، علقت جلسة للبرلمان العراقي بعد أن أثار أعضاء فيه ضجيجا مطالبين بمناقشة مصير الزيدي.
أما بالنسبة لحذائه- فقد أصبح رمزا منشودا للغضب العربي على السياسة الأمريكية؛ موضوع لحرب المزايدة حيث جذب عروض بعشرات الآلاف من الدولارات من كافة أنحاء المنطقة.
في حين أن العرب العراقيين ناصروا الزيدي على الشوارع، إلا أن زملاءه العاملين في الصحافة أقل إعجابا بما قام به.
العديد منهم أنتقدوه بقسوة، قائلين إنه ليس بصحفي حقيقي. واتهموا الزيدي باستخدام وظيفته كوسيلة للإحتجاج الشخصي.
اعترف البعض بالتضارب بين ردود أفعالهم المهنية والشخصية تجاه الحادث. وقالوا إنهم يرحبون ببادرة الزيدي كعراقيين، لكنها جعلتهم يشعرون بعدم الراحة كصحفيين.
قال عمر حمادي، مراسل راديو سوا، أنه يشعر أن فعل الزيدي كان "شجاعا" ولكنه غير مرغوب فيه.
وأضاف "أنه عمل خاطيء من الناحية المهنية،" "إذ لم تكن الأحذية أبداً أداة للعمل الصحفي. كان يمكن أن يكتب تقريرا عن المؤتمر- لكان ذلك أكثر تأثيراً".
قال كوثر محمد، مراسل وكالة أصوات العراق الإخبارية، إنها "رحبت بموقف الزيدي- إنه يَعكس رأي الكثير من العراقيين الذين عانوا من الإحتلال".
لكنه أضاف أن فعلته كانت خطأ بالتعبير المهني، "لقد شوه سمعة الصحفيين العراقيين وجعلهم يبدون منحازين".
كان مؤيد الكناني، وهو أيضا مراسل لوكالة أصوات العراق، أكثر انتقادا، قائلا إنه على الرغم من التجاوزات التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق، فإن تصرف الزيدي غير مبرَّر".
وقال إن الإحتجاج بواسطة الحذاء قد أضر بصورة العراقيين في العالم، جاعلا إياهم يبدون كـ "رعاع غير متحضرين، غير مهذبين".
قالت ماجدة سلمان، وهي صحفية حرة تعمل لصالح عدة صحف عراقية، إن الحادث كان بمثابة تنفيس للغضب العراقي والعربي.
وأضافت "لم يكن فعل الزيدي صحفيا ولكن كان، بطريقته الخاصة، بليغة و فريدة".
مع ذلك، قالت إن تأثيره على المدى الطويل ضار، لأنه صرف النقاش بعيدا عن مسائل أكثر أهمية- وهي الإتفاقية الأمنية المثيرة للجدل بين الولايات المتحدة والعراق، التي وقعها بوش خلال الزيارة.
وأضافت أن "حذاء الزيدي شيء تافه مقارنة بمحاسن و مساويء الإتفاق الأمني".
بعض الذين تم مقابلتهم من قبل المعهد طلبوا حجب أسماءهم في هذا المقال- وهي دلالة على المشاعر الخطرة التي أثارتها قضية الزيدي.
قال الصحفيون الذين حضروا المؤتمر الصحفي مع بوش في بغداد إنهم هُددوا فيما بعد من قبل ضباط الأمن الذين سمعوهم يمتدحون الزيدي. منذ اعتقال المراسل الصحفي، نظمت المجاميع المسلحة الشيعية تظاهرات في بغداد لدعمه.
قال العديد من الصحفيين إنهم يخشون من قيود جديدة سيتم فرضها في المؤتمرات الصحفية بعد الحادث الأخير. وقالوا إن وسائل الإعلام تمتعت، حتى الآن، بوصول أفضل إلى الأمريكيين منه الى الزعماء و القادة العراقيين.
وفقا لمراسل محطة في بغداد طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن المؤتمرات الصحفية الأمريكية منظمة بشكل جيد وأكثر تواترا لأن لدى الأمريكيين "تكنولوجيا أفضل ولديهم ثقة بإجراءاتهم الأمنية".
ومن ناحية أخرى، أفاد أن السياسيين العراقيين أكثر ارتياباً بشأن أمنهم الشخصي من أن يقيموا مؤتمرات صحفية منتظمة. وقال إن الصحفيين يميلون إلى تجنب هكذا مؤتمرات بأي طريقة كانت، لأنهم يتعرضون إلى عمليات تفتيش مهينة من قبل الحراس الذين ليس لديهم أجهزة الفحص الدقيقة.
وحسب غسان مطر، مذيع في راديو الناس، فإن فعل الزيدي من شأنه أن يضعف الثقة أكثر بين رجال السياسة والصحافة.
وقال إن "في المرحلة المقبلة، سيكون المسؤولون فيها أكثر حذرا في التعامل مع الصحفيين".
يمزح الصحفيون بشكل ساخر حول قانون عراقي جديد يقضي بأن تعقد المؤتمرات الصحفية داخل الجوامع- وهي الطريقة الوحيدة لضمان خلع جميع المشاركين أحذيتهم من دون احتجاج.
لقد أثارت قضية الزيدي المخاوف حول صورة الصحافة ووصولها إلى السلطة. الا أن الخوف على حرية الصحافة لم يتم إثارته في سياق التقارير القائلة إن الزيدي أسيء معاملته في الحجز.
لعبت نقابات الصحفيين في العراق ومجموعات حقوق الإنسان دورا متوازنا، داعية إلى أن يتم معاملة الزيدي برفق، وفي الوقت نفسه ينأون بأنفسهم عنه.
قال زياد العجيلي، وهو رئيس مرصد الحريات الصحفية في بغداد، "إنه لأمر سيء تعرض الزيدي للضرب المبرح".
لكنه يقول، "بما أنه تصرف كمواطن وليس كصحفي مع الرئيس بوش، عليه أن يتوقع أن يُعامل كمواطن وليس كصحفي".
وأضاف "لكن أتمنى أن لا يحكم عليه [بالسجن]- أو على الأقل ليس لفترة طويلة".
وقال نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي إن تصرف الزيدي كان "غريبا و غير مهني"، لكنه طلب أن يُعامل بشفقة.
فقط أرباب عمل الزيدي في قناة البغدادية- وكذلك بعض مؤيديه في العالم العربي- حاولوا تصوير احتجازه على أنه تجاوز على حرية التعبير.
وقال فالح حسن، و هو معلق من بغداد، إن فعل الزيدي كشف عن "سوء فهم جوهري لحرية الصحافة".
وأوضح أن بادرته ستظهر كبادرة تتسم بالمفارقة للجمهور العراقي على وجه الخصوص، "ففي عهد صدام، لم يكن يجرؤ أحد حتى على طرح أسئلة في المؤتمر الصحفي. لا أحد حينها يمكنه أن يتصور في يوم من الأيام يرى صحفيا عراقيا يرمي بفردتي حذائه على رئيس أقوى بلد في العالم".