لايزال الاكرد يبحثون عن النساء المفقودات
لم تظهر السلطات العراقية سوى قليل من الحماس لطلب الكرد للعثور على النساء اللاتي يعتقد ان نظام البعث قدمهن كهدايا.
لايزال الاكرد يبحثون عن النساء المفقودات
لم تظهر السلطات العراقية سوى قليل من الحماس لطلب الكرد للعثور على النساء اللاتي يعتقد ان نظام البعث قدمهن كهدايا.
كانت عبارة "سري وعاجل" تتصدر الوثيقة ذات الصفحة الواحدة والتي كانت تبدو مثل آلاف الوثائق التي صودرت من مقرات حزب البعث بعد الحرب، وقد كتبت بالاسلوب الرسمي الجاف المقتضب نفسه ليخفي تحته محتواها الحساس.
الوثيقة رقم 1601 في 10/ كانون الأول 1989، كتبت بالضبط في خضم حملة الأنفال ضد الكرد في شمال العراق.
وابتدأت المذكرة "بسم الله الرحمن الرحيم" وانتهت بقائمة تضم (18) اسماً لفتيات ونساء تتراوح أعمارهن ما بين 14 ـ 29 سنة.
وجاء في مقدمة المذكرة ـ الوثيقة "استنادا الى أوامركم فقد قمنا بترحيل عدد من النساء الى النوادي الليلية في جمهورية مصر العربية". وكانت المذكرة موجهة من دائرة المخابرات في التأميم (كركوك) الى جهاز المخابرات العامة في بغداد.
ولم يتم التحقق من أصالة الوثيقة، إلا انه لا يوجد ما يشكك في صحتها.
ولايزال جميع النساء في القائمة، وهم من الاكراد، مازلن مفقودات منذ (15) سنة.
وعلى وفق ما تذكره عوائلهن فان نشر الوثيقة في المنطقة خلال العام المنصرم أثار رغبة كبيرة في شمال العراق والعالم للكشف عن مصيرهن.
وبعد مرور سنة، فقد عبر أفراد العوائل الذين تحدث معهم معهد صحافة الحرب والسلام عن حزنهم لعدم وجود الاستجابة.
وقد جرى تقديم شكاوي لدى المحاكم المحلية وارسلت رسائل الى الرئيس المصري حسني مبارك وزوجته سوزان، اضافة الى الحاكم المدني الأمريكي السابق في العراق، بول بريمر. ولم يكن ثمة أي رد فعل من الجميع.
وفي تموز الماضي شكلت لجنة من التنظيمات النسوية والمحامين والمجتمع المدني، لمتابعة العمل في ضوء الوثيقة التي عثر عليها.
وفي نهاية مايس/ 2004, ومع تقدم ملموس قليل، طلبت اللجنة من البرلمان الكردي رسمياً بالتحرك.
وفي الوقت الذي لا يستطيع فيه أحد ان يتأكد من ان النساء في القائمة قد رحلن فعلاً الى مصر، فان هناك دليلاً على ان النساء قد قدمن "كهدايا" الى رجال داخل العراق.
وكذلك أكد العديد من شهود العيان في سجون الأنفال بان النساء الشابات يتم فصلن عن بقية السجناء، وكان بعض الرجال من مصر حاضرين.
وأبلغ مصدر مقرب من القيادة الكردية، أبلغ معهد صحافة الحرب والسلام بان بعض شيوخ العشائر العرب اتصلوا بهم في بغداد بعد سقوط النظام وأخبروهم انهم تسلموا نساءً كورديات "كهدايا" من صدام حسين.
حيث يقول شيوخ العشائر ان لديهم عقود زواج شرعية وطالبوا بالتسوية مع أقاربهن.
ويقول الكرد الذين نجوا من حرب الابادة ان من تقاليد القوات العراقية في حملة الأنفال تفريق الرجال عن النساء وعن الأطفال.
وكانت هناك "مراكز توزيع" حيث يؤخذ المدنيون اليها قبل ترحيلهم الى المدن الجماعية، او الى معسكرات الاعتقال الصحراوية او لمواجهة الاعدام ثم الدفن اللاحق في المقابر الجماعية.
وقال أحد الشهود وكان يعمل حدائقياً منذ عام 1978 في مقر قيادة الجيش في كركوك "كان الجيش يبدأ حركته اليومية نحو القرى في الصباح. فيحرقون القرى ويعتقلون القرويين، ثم يوزعون النساء والرجال والشباب والأطفال على أماكن منفصلة".
لم يرغب الحدائقي في اعطاء اسمه لأن شهود العيان الأخرين لاعتداءات النظام السابق قد قتلوا بعدما تحدثوا للصحفيين.
لقد قتل (100) ألف شخص في حملة الأنفال معظمهم من المدنيين، فيما اختفى ما يقرب من (100) ألف رجل آخر، وانتهى الأمر بآلاف الرجال والنساء والأطفال في معسكرات الاعتقال، بينما أرسل مئات الآلاف ليعيشوا في مدن جماعية شيدت بالقرب من القواعد العسكرية العراقية.
وجرى تدمير ما يقارب (4) آلاف قرية في حملة الأرض المحروقة.
وقال الحدائقي ان رجالاً من العرب كانوا يأتون بين حين وآخر الى مقر قيادة الجيش من مدينة الحويجة القريبة او من جنوب العراق ويأخذون النساء معهم أثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة، ولم يرجعوهن أبداً".
وذكر أيضاً انه شاهد ذات مرة مواطنين مصريين في مقر الجيش "في أحد الأيام جاء ثلاثة رجال مصريين الى الدائرة ومعهم كتباً رسمية من حزب البعث".
وقال الرجل الحدائقي الذي يبلغ من العمر (75) سنة "ان أحد السواق أخذهم الى معسكر اعتقال "طبزاوا". ثم عادوا مع ثلاث فتيات بملابسهن الكردية وتتراوح أعمارهن ما بين 17 و 18 سنة، وأخذوهن معهم".
وكانت ليلى محمد في الزنزانة في المعتقل مع بعض النساء اللاتي وردت اسماؤهن في الوثيقة وقالت "لقد عزلوهن عنا ثم أخذوهن بعيداً. واعتقدت انهم قد أطلقوا سراحهن، لكن ظهر ان ذلك لم يحصل".
أما يوسف يونس،40 عاما، الناشط في جمعية ضحايا الأنفال، فقد قال "أنا على يقين ان نظام حزب البعث قد فعل ذلك. فالفتيات كلهن من العائلات الجميلة وهذا يعني ان هناك عملية انتقاء".
ويظهر ان النساء المذكورة اسماؤهن في القائمة جميعهن من منطقة حول "الدوز" جنوب كركوك، وهي منطقة مشهورة بنسائها الجميلات.
وكان يوسف أحد مقاتلي البيشمركة ضد النظام في "جارميان" بالقرب من الدوز، وقد فقد عائلته كلها في حملة الأنفال، وكانت ابنة عمه الوحيدة الباقية من العائلة ليلى عباس من بين اللاتي وردت اسماؤهن في الوثيقة.
ويقول يوسف وأقارب الفتيات المفقودات الأخريات انه حتى نهاية الحرب في نيسان الماضي، كان لديهم الأمل في انهن قد يظهرن في يوم من الأيام، ولكنهم فقدوا الأمل منذ ذلك الحين حيث لم تتقدم أية امرأة منهن حلال السنة المنصرمة. ولم يظهر المسؤولون اهتماماًً بالموضوع.
رفعت اللجنة التي شكلت لمتابعة القضية، بالاشتراك مع أقارب الضحايا، دعوى قضائية في كركوك الصيف الماضي، إلا ان المحكمة لم تنظر في القضية.
ان قوانين عهد صدام التي مازالت نافذة، لا توفر للمحاكم اطاراً قانونياً كافياً للتعاطي مع جرائم ارتكبت في ظل النظام السابق.
وطالبت اللجنة أيضاً الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر بالتحقيق في الاختطافات المزعومة، وذلك بان يقوم التحالف بالتحقيق مع البعثيين السابقين المشتبه في تورطهم بهذه القضية والموجودين حالياً رهن الاعتقال لديه.
وما تزال اللجنة في انتظار الرد من التحالف.
و بالرغم من الجهود ألتي بذلت للضغط على مصر والهيئات الدولية من أجل فتح التحقيق في القضية، كانت ألاستجابة ضعيفة.
وجاء في رسالة من وزارة حقوق الانسان والمهجرين داخلياً وضحايا الأنفال في حكومة اقليم كردستان موجهة الى الحكومة المصرية في تموز الماضي "حاولوا جهدكم للتحقق من الوثيقة، وابلغوا الأقارب بالسرعة الممكنة.
ومايزال على الحكومة المصرية ان تجيب على الرسالة.
وعلى صعيد آخر كتب فرانسوا بري، مدير منظمة التحالف الدولي من أجل العدالة، رسالة في الأول من آب/ 2003 الى سيدة مصر الأولى سوزان مبارك، التي ترأس مجلس النساء الوطني في ذلك البلد.
ولم تكن هناك أية اجابة على رسالة بري.
وبذل مركز الاتصال غير الحكومي محاولات عديدة لجلب انتباه اللجنة الفرعية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة في العراق، لكن دون جدوى.
كذلك لم تتسلم "لجنة الأخوات المباعات" في لندن أية اجابة على رسالة بعثتها الى الجامعة العربية.
أما هدايت ابراهيم،86 عاما، والذي ورد اسم ابنته حسيبة في الوثيقة، فقد بات لا يهتم كيف حدث الأمر، ما يهمه فقط هو ان يعرف ما آل اليه مصير ابنته.
وقال "يجب ان نمارس الضغط على مصر، نريد ان يعود أطفالنا".
*تالار نادر ـ محررة في "ريوان" صحيفة نسائية نصف اسبوعية