خمسة سنوات من التهجير

يأمل احد الاكراد العراقيين ان تتحسن ظروف الحياة بعد الاطاحة بصدام حسين.

خمسة سنوات من التهجير

يأمل احد الاكراد العراقيين ان تتحسن ظروف الحياة بعد الاطاحة بصدام حسين.

2003.



لازلت لا استطيع التعبير عن فرحي حين شاهدت التمثال يتهاوى والناس تسحب رأس صدام المصنوع من البرونز وتضربه بنعلانها. شاهدت تلك الافلام مرة بعد اخرى وفي كل مرة احس ضربات قلبي تزداد وطموحاتي تكبر ، لم تكن امالي اكبر منها الان في اي وقت مضى.



بالنسبة لي ككردي، فان سقوط صدام يعني لي اكثر من سقوط طاغية. لقد عنى لي، وهذا حلمي، اننا سنستعيد كركوك ونبني اقليما اكبر واقوى ضمن العراق. وتأملت اننا ستكون لنا دولتنا الكردية المستقلة.



احتضنت احلامي هذه مع الامل بعراق جديد ووطن امن ومزدهر حيث لا ابادة جماعية ولا حروب ولا احزاب شمولية، ويعيش الناس في ظل وضع اقتصادي افضل حيث يبني الوطن نظاما جمعيا تصان وتحترم فيه حقوق الانسان وحرية الصحافة والتعبير.



ونحن بصدد الذكرى الخامسة لسقوط نظام صدام، نظرت الى الوراء بحس عميق من خيبة الامل . لقد انجز القليل وضاع الكثير.



اعتقدت ان صدام هو السبب وراء كل المشاكل وان رحيله كفيل بحل كل شيء. بينما كنت لا ازال اعتقد ان الدكتاتور هو اساس مشاكل العراق، الا ان السنوات الخمسة الماضية اثبتت ان هناك الكثير مما علينا فعله اكثر مما توقعنا.



فعلى سبيل المثال، فأنا لا استطيع السفر الى بغداد لان اسمي يدل على انني كردي وهذا سبب كافي لاكون مستهدفا للخطف والقتل. حين يأتي العرب الى محافظتي في كردستان العراق، عليهم ان يسجلوا اسمائهم لدى الدوائر الامنية. يجب ان يكفلهم احد سكان المحافظة لانه ينظر اليهم على انهم ارهابيين.



مضت خمس سنوات على الاطاحة بصدام، ويوما بعد اخر تضعف شوكة اولئك الذين يؤيدون الحرب. احلام التخلص من الطاغية تحولت الى احلام بوطن مستقر وامن. حياتنا الان هي البحث عن البقاء اكثر منها توقا للتغيير لان ظل الموت يحلق فوق رأس كل واحد منا.



كوني كرديا، فان الاحباط الذي احسه كبيرا.



رغم علمي بان الاجزاء الوسطى والجنوبية من العراق يكتنفها عدم الاستقرار، فان الاقليم نادرا ما يشهد اعمالا ارهابية. الحياة في كردستان اكثر امانا لكنها ليست الافضل. رغم تنامي الاقتصاد فان مستوى المعيشة في تناقص. هناك رافعات وحركة اعمار لكن الناس لا تملك ما تسكن فيه والتضخم في تصاعد على طول الوقت.



رغم حصول الاقليم على مليارات من الدولارات من الميزانية العامة ومن استغلال الموارد الداخلية، الا ان معدل مستوى الحياة للمواطن لم يتحسن.



في الاسبوع الماضي، نشرت الصحافة الكردية ان عائلة اعطت ابنتهم ذات العشر سنوات الى صديق ليتكفل برعايتها لان الفقر يمنعهم من العناية بها وتربيتها بانفسهم.



احس بالغضب كلما ذهبت صباحا لاغسل وجهي واجد الماء مقطوعا عن الحنفية، وكلما رغبت بمشاهدة التلفزيون والكهرباء مقطوعة. لم اكن لاتخيل انني سافكر يوما بالخدمات الاساسية مثل الماء والكهرباء اكثر من تفكيري بالديمقراطية والحرية.



وفي نفس الوقت، فان الديمقراطية في تراجع وليس في تطور ونمو، وحرية الصحافة منتهكة.



على عكس السنين السابقة، فانا لن احتفل هذه السنة بيوم 9 نيسان. فانا لا ارى الضوء في المستقبل. فايران اصبحت ذات تأثير مؤثر في جنوب الوطن، والقاعدة مستمرة في هجماتها على الوسط، وتركيا توغلت عدة مرات في الشمال.



فشلت الاحزاب السياسية العراقية بتحقيق السلام فيما بينها، ولم يتحقق اي ازدهار للمواطن. المتطرفون الدينيون في تزايد والعلمانيون يتركون البلد.



ما يحدث في العراق ليس خطأ الامريكان وحدهم.



على العراقيون ان تكون لهم حصة الاسد من المسؤلية لانهم ارتكبوا اخطاء كبيرة في اختيار الاتجاه الذي يسيرون فيه بلدهم.



كان بامكانهم اختيار التوحد وقطع الطريق على العنف الطائفي والهجمات الانتقامية وبناء عراق جديد. لكنهم ولسوء الحظ اختاروا اتجاها اخر وكانت النتيجة مرعبة. بينما كان خطأ القوات متعددة الجنسيات في قتلهم للمدنيين الابرياء، فان اللوم يقع على العراقيين لانهم بدلا من احتضان بعضهم لبعض وقبول حالة التعايش، فانهم صاروا يقتل بعضهم بعضا.



في كردستان العراق حيث يواجه الناس المشاكل وسوء الخدمات الاساسية ونقص الديمقراطية وقمع حرية الصحافة، فقد فشل الحزبان الرئيسان المسيطران على كل شيء بتوحيد ادارتيهما. لايزال في الاقليم مركزين للقوة واحد في اربيل والاخر في السليمانية- مع وجود وزارتين منفصلتين للمالية وقوتين من ميليشيا البيشمركه.



المشكلة مع الاحزاب المسيطرة، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، انهما لا يقبلان وجهات النظر الاخرى. انهما يعتقدان انه طالما ناضلا وقاتلا نظام البعث، فان لكل منهما الحق المطلق.



هذان الحزبان فشلا في كل شيء ارادا تحقيقه. انا لم اعد متفائلا بضم كركوك الى كردستان العراق مرة اخرى. لقد اصبح ذلك حلما مرة ثانية، ولا اعتقد انه سيتحقق يوما ما.



الاحزاب الكردية التي كانت يوما ما تدافع عن الحرية عندما كانوا في الجبال- صارت الان تقمع اصوات المعارضة والاعلام المستقل. انهم يخافون ان يخسروا السلطة التي يتمتعون بها منذ 17 سنة حين حصل الاقليم على بعض الاستقلال الذاتي عن حكومة صدام.



كان من المفروض ان يكون الاقليم الكردي نموذجا للديمقراطية في العراق، لكنه لم يعد كذلك.



ورغم كل هذه المشاكل، لكني بقيت مرتاحا من امر واحد، وهو ان صدام لم يعد حيا او في السلطة. لم يساورني الشك في ما اعتقد من ان الحياة بدونه افضل.



اليوم، انا لا اخاف من ان يتم تجنيدي بالقوة في الجيش العراقي واجبر على القتال من اجل شهوة الدكتاتور للسلطة. وانا لست قلقا من ان يصار يوما ما الى اعتقال اهلي وتغييبهم في الصحراء في جنوب العراق حيث اختفى مئات الالاف من الاكراد هناك خلال حملة الانفال التي نفذها النظام في الثمانينيات.



حين كان صدام في السلطة، كنت اعتمد على حاسة الامل التي عندي للبقاء حيا، وسوف لن افقد ذلك الامل. انتظرنا 35 سنة من اجل الاطاحة بصدام. بامكان انتظاري ان يطول اكثر لارى عراقا مختلفا.



يعتريني الامل انه وفي خلال السنوات الخمسة القادمة، ستكون الامور مختلفة. علينا ان نقررماذا نريد، واعتقد ان علينا اختيار الصبر والتحمل والديمقراطية والحرية والتعايش السلمي. وعندما نقرر ذلك بشكل جماعي بان تلك هي اهدافنا، عند ذاك سيتغير كل شيء.



ريباز محمود: صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام.

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists