جوار العوائل في بغداد، بوادر لعودة الحب
قد تعيد التطورات الأمنية لحمة المجتمعات التي مزقها العنف الطائفي و الخوف.
جوار العوائل في بغداد، بوادر لعودة الحب
قد تعيد التطورات الأمنية لحمة المجتمعات التي مزقها العنف الطائفي و الخوف.
صباح, ربة بيت, تكبر مي بثلاث سنوات، حيث أن تقارب مناطق سكناهما جعلت منهما صديقتين حميمتين، فكانتا غالبا ما تجتمعان لشرب القهوة في الصباح وتبادل الحديث.
لكن طقوسهما الحميمة هذه انتهت في العام 2007، عندما اُخُتطِف عصام, زوج صباح, والذي كان يعمل في احد شركات الاتصالات. حيث دفعت عائلة صباح فدية لإطلاق سراحه وغادروا العراق مباشرة.
وكما هو الحال مع العديد من المهاجرين, فإنهم عادوا مؤخرا إلى العاصمة حيث جذبتهم وعود الحكومة بتحسين الأوضاع الأمنية.
تقول مي "انه من الجميل أن تشعر بالأصدقاء والجيران حولك", وهي تعتقد بان عودة المهاجرين والمهجرين منهم تشعرها بالأمان. وتضيف "العراقيون اجتماعيون بالفطرة، ومهما حصل لهم، فإنهم لا يستطيعون العيش بعيدا عن بعضهم البعض".
وتأمل مي، كما العديد من العراقيين، بان تتنامى مع العائدون عوامل الثقة للجيران والتي تبعثرت خلال سنوات التوتر الأمني وانتشار الجريمة والصراع الطائفي.
وكان أحياء العاصمة بغداد السكنية اشتهرت منذ القدم بتلاحمها وتماسكها، حيث كانت العوائل التي تسكن جنبا إلى جنب تهتم بشوؤن بعضها البعض وتعمل من اجل مصلحتهم.
إلا انه وخلال فترات الصراع الحاصل في السنوات القليلة الماضية, أصبح البغداديون أكثر حذرا وحيطة من جيرانهم، وأصبحوا يقضون وقتا أطول داخل منازلهم، بعد أن عرفوا بالتزاور والتواصل.
وبالرغم من تراجع حدة العنف خلال الأشهر الماضية, إلا إن الآلاف العوائل مازالت مهجرة، والحواجز الكونكريتية العالية لازالت تعزل العديد من الأحياء إضافة إلى حواجز أخرى غير مرئية تعزل سكانها عن بعضهم البعض.
فقد اصبح الجيران يتحاشون الاحاديث العرضية, خصوصا في المناطق المتوترة والتي شهدت بعض اسؤا الاضطرابات الامنية.
"حالة فقدان الثقة المستمرة هذه لا تبدو مفاجئة، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار بان معظم العراقيين المهجرين يلقون باللائمة على جيرانهم بكونهم السبب في هجرتهم," كما تقول هناء ادوارد, رئيسة منظمة الأمل, وهي إحدى المنظمات الغير حكومية التي تهتم بأمور المهجرين.
"العديد من العائلات التي تنتمي للأقليات تعتقد بان جيرانهم هم الذين وشوا بهم لدى الميلشيات، فيما تعتبر عائلات أخر بان جيرانهم مسوؤلين عن تلقيهم تهديدات مجهولة أجبرتهم على الرحيل".
لكن ادوارد تستدرك بان "الكثيرين قاموا بحماية جيرانهم, وتحمل عواقب قرارهم هذا إلى فقدان الحياة في بعض الأحيان أو تعرضه للأذى".
و هناك حالة أخرى من فقدان الثقة قد تفجرت خلال الثلاث سنوات الأخيرة والتي نشأت بين السكان القدامى للأحياء والمناطق وبين العائلات الجديدة الوافدة، من الذين انتقلوا عقب حملات التهجير الطائفي.
وحسب منظمة الهجرة العالمية, فان ما يقارب 49400 عائلة عادت إلى موطنها، منها 31500 عادت الى العاصمة بغداد، ومازالت 270,000 مهجرين داخل بلدهم.
الوافدون الجدد الى المناطق، يُعاملون بطريقة يشوبها الشك، والعديد منهم ليسوا حميمين مع جيرانهم ولم يبادلهم الجيران الزيارة أيضا.
يُسر عبد الستار, الموظفة في وزارة المالية, كانت قد انتقلت مع زوجها إلى بيت احد الأصدقاء الأثرياء الذي غادر العراق وعائلته لأسباب أمنية. وانتقال يسر لبيت الصديق الواقعة في منطقة المنصور غربي بغداد لغرض حمايته والحفاظ عليه، كما تقول.
وقد حافظت يسر على علاقتها بجيرانها الجدد ضمن إطار محدود رافضة كل العروض لزيارتهم، وهي توضح "لا التقي بالجيران إلا مرات معدودة لإلقاء التحية فقط".
"أتجنب زيارة الجيران لان الناس قد تغيرت بعد الحرب... لن تستطيع أبدا أن تعرف طريقة تفكيرهم أو تصرفاتهم, أو فيما إذ سيكونون جيدين أو سيئين معك".
وهي تعتقد بان "عادات إكرام الجار الجديد يبدو أنها قد تلاشت لأننا اليوم، الكل يخشى جيرانه".
وتضيف يسر، "في بعض المناطق لعبوا الجيران دورا مخزيا وكانوا السبب الرئيسي في القتل والتهجير. فقد استولوا على بيوت جيرانهم وأثاثهم بعد أن غادرها مالكيها".
وبذلك، فإن مبادرات المصالحة وبناء المجتمع تبدو غير موجودة تقريبا في العراق، بما أن الحاجات الأساسية إلى فرص العمل، وتوفير الطعام، والسكن، في إزدياد والتي تمثل أكثر الحاجات إلحاحا على الحكومة العراقية ومن أولويات منظمات المجتمع المدني.
وطبقا للمسح الذي أجرته منظمة الهجرة العالمية، فان هذه الحاجات هي أكثر الحاجات الملحة لدى العائدين إلى البلاد.
وفي ذات السياق، يرى رئيس لجنة المهجرين في البرلمان عبد الخالق زنكنه "بان أهم الأشياء المفترض بوزارة المهجرين والبرلمان القيام به هو ضمان الدعم الأمني والمادي والاجتماعي بالنسبة للمهجرين".
ويوضح "يحتاج المهجرون إلى أوراق رسمية للعودة مرة أخرى إلى الوظائف التي كانوا يشغلونها ولكي يتمكن أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة".
رئيسة منظمة الأمل هناء ادوارد ترى بأنه ليس من السهل أن يندمج العائدون في أحيائهم مرة أخرى. وان سرعة الشفاء تعتمد الوضع الأمني. وتوضح إي مبادرة اجتماعية ستحتاج في النهاية إلى دعم أوسع - من منظمات المجتمع المدني ومن الحكومة أيضا.
وهي ترى بان الموضوع يرتبط بالأمن "إذا ما أستقر الأمن, سوف ينسى الناس حقدهم وغضبهم، ولكن إذا ما تحولت الأمور إلى الأسوأ, فان الناس سيستمرون بالعدائية تجاه بعضهم البعض". لكنها تعتقد بأن هناك بعض التقدم.
أما شاكر سالم, احد قاطني منطقة الكرادة، ذات التنوع الطائفي والديني، يقول "مع تحسن الوضع الأمني، بدأ الناس بقضاء بعض الوقت أمام منازلهم كي يلعبوا الشطرنج والدومينو، ويقود الأطفال دراجاتهم الهوائية في الشوارع". ويشدد "الوضع العام جيد, حمدا لله"
زينب ناجي صحفية متدربة لدى معهد صحافة الحرب و السلام في بغداد