جمود العملية السياسية في العراق يحرض الميليشيات على العنف

تهيؤ الجماعات المسلحة للانقضاض في ظل تصاعد التوترات بسبب المباحثات المطولة حول تشكيل ائتلاف حكومي جديد.

جمود العملية السياسية في العراق يحرض الميليشيات على العنف

تهيؤ الجماعات المسلحة للانقضاض في ظل تصاعد التوترات بسبب المباحثات المطولة حول تشكيل ائتلاف حكومي جديد.

 

خالد الانصاري وعثمان المختار (تقرير الازمة العراقية رقم. 338، 31 ايار 2010)

أعرب قادة من ميليشيات سنية وشيعية في العراق عن استعدادهم للقتال نيابة عن  طائفتيهما، الامر الذي يثير المخاوف من ان المازق المستمر بسبب تشكيل الحكومة الجديدة  قد يفسح في المجال أمام أعمال العنف.

وبالرغم من قول رجال الميليشيات بعدم رغبتهم في احياء الصراع الطائفي الذي كاد ان يودي الى تمزيق البلاد، إلا انهم أبدوا شكوكهم في قدرة السلطات في الحفاظ على الامن خلال الاشهر المقبلة.

وفي مقابلات مع معهد صحافة الحرب والسلم، قال هؤلاء بانهم على استعداد للدفاع عن مصالح طوائفهم في حال تعرضها للمخاطر.

وعادة ما يتم التلويح بموضوع الاقتتال الطائفي من قبل قادة عراقيين كعلامة تحذير لمنافسيهم، وقد يرى البعض التصريحات الاخيرة من قبل بعض القادة على انها خطوة اخرى باتجاه الانهيار السياسي.

وبعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على الانتخابات البرلمانية مازالت الحكومة الجديدة في انتظار التشكيل، وذلك يعود ،بصورة كبيرة، الى الخلافات حول ضم العراقية التي تدعمها الاقلية السنية الى الحكومة الجديدة.

وعلى الرغم من فوز العراقية بعدد مقاعد أكثر من أية كتلة أخرى، إلا ان ائتلافاً من الاحزاب الشيعية تم تشكيله بعد الانتخابات استطاع ان يكون الاغلبية البرلمانية، مما يؤهله لرئاسة الحكومة المقبلة.

ويقول قادة من ميليشيات عشائرية سنية المعروفة بالصحوات، ان الفشل في تمثيل طائفتهم في الحكومة الجديدة قد يغذي العنف.

وكانت الصحوات، التي تضم الكثير من المتمردين السابقين، لها الفضل في مساعدة الجيش الامريكي والقوات العراقية في الحد من نفوذ القاعدة في بغداد ومحافظة الانبار الغربية.

ويتذمر قادة الصحوات من تأخر الحكومة في تنفيذ وعودها في دفع رواتب ومستحقات اعضاء الصحوات وتوفير الوظائف لهم.

كما ويتهموا ايران بدعم حلفائها الشيعة وتهميش الساسة السنة، وحذروا من ان خطوة كهذه يمكنها ان تغذي حالة الاستياء بين صفوف اعضاء الصحوات ودفعهم للانخراط في تنظيم القاعدة.

وقال أحد قادة جماعات الصحوة لمعهد صحافة الحرب والسلم، بان جماعته على أهبة الاستعداد لمحاربة تنظيم القاعدة او الميليشيات الشيعية في حال شن الهجمات على السنة.

ويشن الانتحاريون المرتبطون بتنظيم القاعدة هجمات على اهداف حكومية وشيعية بانتظام ، وذلك في تحد واضح للمزاعم التي تقول بشل حركتهم بعد مقتل واعتقال عدد من قادتهم البارزين.

وقد أثارت التفجيرات الاخيرة المخاوف من حصول عمليات انتقامية من قبل جيش المهدي، الميليشيا الشيعية التي يتزعمها رجل الدين المعارض للوجود الامريكي، مقتدى الصدر، وينسب اليها السنة  ارتكابها الاف من عمليات الفتل الطائفي.

وقد أعلن جيش المهدي مؤخراً بانه يعيد تنظيم صفوفه بعد سنتين من وقف اطلاق النار. فقد لوحظ رجال مسلحون يرتدون الزي الاسود الخاص بجيش المهدي في شوارع احياء شيعية في بغداد ومحافظات جنوبية وذلك لأول مرة منذ ان شنت الحكومة حملتها العسكرية ضدهم عام 2008.

واقترح الصدر في بداية شهر ايار تقديم مقاتلي جيش المهدي المساعدة للقوات الامنية في حماية المواقع الشيعية المقدسة. لكن الحكومة لم ترد على العرض.

وقد حصل اتباع الصدر على نتيجة جيدة في الانتخابات ولديهم الآن نفوذ قوي وغير مسبوق في الائتلاف الشيعي الجديد. وقال أحد قادة جيش المهدي لمعهد صحافة الحرب والسلم بانه يتوقع اضطرابات أكبر خلال الاشهر المقبلة، لكنه لا يعتقد بانها ستكون ذات علاقة باستثناء السنة من الحكومة، بل ستأتي من القاعدة وجيران العراق من الدول العربية.

ولم تزل الولايات المتحدة تتوقع سحب معظم قواتها بحلول هذا الصيف، وذلك على الرغم من اخفاق العراق حتى الآن في تشكيل حكومة شاملة تكون حاجزاً بوجه عدم الاستقرار في البلاد كما كانت تأمل واشنطن.

ويصر مسؤولون في الجيش الامريكي وحكومة بغداد بان القوات الامنية العراقية قادرة على التعامل مع أي تهديد بزعزعة الامن والاستقرار في الاشهر المقبلة.

ولكن مع ذلك اظهرت مقابلات أجرها معهد صحافة الحرب والسلم في شوارع  أحياء سنية وشيعية، مخاوف متشابهة، حيث يتخذ السكان اجراءات خاصة بهم لتعزيز الامن وسط مخاوف من اندلاع موجة جديدة من اعمال العنف الطائفية واراقة الدماء.

القلق من ايران

ويقول الشيخ جاسم الدليمي، وهو احد قادة الصحوة المتنفذين في محافظة الانبار الغربية "لست متفائلا بخصوص الوضع الامني".

كما واشار الدليمي الى ان قواته "في حالة انذار شامل" مع اسلحتهم، وان جميع القواعد واعضاء القيادة في حالة سليمة.

وبينما يعترف الدليمي بان مسألة حمل السلاح ضد الحكومة "امر غير وارد" في الوقت الحاضر، لكنه يقول بان هذا الامر قد يتغير اذا استمرت عملية اقصاء السنة من المعادلة السياسية، واذا تعرضت جماعات الصحوة الى تهديد جديد من قبل القاعدة او جيش المهدي.

"لقد قاتل السنة لانهاء نفوذ القاعدة وقدموا الكثير من التضحيات، وانه لامر غريب حقا ان يخرجوا من هذه االمعركة الانتخابية مهزومين". قال الدليمي.

واضاف الدليمي " اذا ما تم اهمال اصوات السنة وتم تشكيل الحكومة وفقاً للمصالح الايرانية ، واذا حرم السنة من الاموال وتم ممارسة التمييز ضدهم، فحينها سنحمل السلاح ضد الدولة".

واتهم زعماء السنة ايران بشكل متكرر، بانها تضع العقبات في طريق تسلم العراقية السلطة، في وقت تدعم فيه الاحزاب الشيعية كوكلاء لها. وهذا اتهام طالما نفته الاحزاب الشيعية والحكومة الايرانية.

وقال احد قادة الصحوة في حي الاعظمية ببغداد لمعهد صحافة الحرب والسلم، بان رجاله على استعداد للنزول الى الشوارع في حال اندلاع الفوضى وحرمان العراقية من حقها في تشكيل الحكومة.

وأضاف القائد الذي طالب أن يتم تعريفه بلقب أبو عبدالله "سنحمي طائفتنا وسنقوم بفعل كل شيء في سبيل ذلك".

وقال كلا قائدي الصحوة لمعهد صحافة الحرب والسلم، بان افراد الصحوات سيكونون عرضة لهجمات انتقامية والتطرف من قبل القاعدة اذا استمرت الحكومة المقبلة في تهميش  السنة.

ويقول أبو عبدالله " مازالت للقاعدة عيون هنا ، وتقدر على استهدافنا" وقد قتل أحد قادة الصحوة في حي الاعظمية في بداية هذا العام على يد متمردين يشتبه في انتمائهم الى تنظيم القاعدة.

ومن جهته قال الدليمي بانه من المحتمل ان يحمل مقاتلوا القاعدة السابقين، الذين وضعوا ثقتهم في العملية السياسية، السلاح مجددا اذا ما تم تحريم السنة من السلطة. وسيكون قادة الصحوة اهدافهم الاولى بسبب تعاونهم مع الامريكان.

واضاف الدليمي بان على القوات الامريكية الادراك بان الصحوات هي الحاجز الذي يمكن الاعتماد عليه للوقوف بوجه القاعدة والنفوذ المتنامي للميليشيات الشيعية المدعومة من ايران.

وردد ابو عبدالله ما قاله الدليمي قائلاً بان تعاظم النفوذ الايراني قد عزز حجة الامريكيين بتأجيل انسحاب قواتهم.

"لانريد للامريكيين ان يرحلوا الآن" قال ابو عبدالله. واضاف " اذا ما غادروا الآن سيكون هناك المزيد من العنف في استهداف السنة".

القتال في سبيل الايمان

كان موقف قادة الصحوات من الولايات المتحدة مناقضاً بشكل واضح لرؤى أحد قادة جيش المهدي الذي تمت مقابلته من قبل معهد صحافة الحرب والسلم.

وقال هذا القائد الذي طالب بان يتم تعريفه بلقب أبو مجتبى "سنبدأ بالقتال مجددا في حال عدم انسحاب القوات الامريكية في موعدها المحدد، هذا واحد من ضمن امور كثيرة".

واضاف " واعتقد بان الوضع الامني سيتدهور وستصعد القاعدة من هجماتها الجبانة على الشيعة".

ورفض ابو مجتبى وجهات النظر التي طرحها قادة الصحوات بان اقصاء السنة من الحكومة سيساهم في اندلاع اعمال العنف، قائلاً " هناك قوى خارجية تريد تدمير الشيعة" متهما جيران العراق من العرب بمحاولتهم زعزعة استقرار البلاد.

وراى بان قوة جيش المهدى قد تنامت أكثر منذ الحملة العسكرية التي شنتها الحكومة عام 2008 ، فقد تم تطهيره من القادة غير المواليين للصدر.

"لم يتم تفكيك قواتنا، ونحن في حالة استعداد تام. وسنحمل السلاح اذا ما شعرنا بان الشيعة في خطر".قال ابو مجتبى.

ويؤكد كلا الجانبين، قادة الصحوات وجيش المهدي، بان الرجال الذين تحت امرتهم افضل المؤهلين للدفاع عن طوائفهم في الاشهر القادمة.

ويقول أبو عبدالله " اذا ما وقعت اعمال العنف في منطقتنا فلن يكون الحكومة او الجيش على دراية بها مثلما نكون نحن" . واضاف " سندافع عن انفسنا بطريقة افضل، فنحن نعرف كيف نفعل ذلك".

وفي الوقت ذاته يقول أبو مجتبى بان جيش المهدي حمى الشيعة ولفترة طويلة من الجماعات السنية. وقال " بدوننا لكان الشيعة في خطر عظيم".

وقال قادة كلا الطرفين من ان ميليشياتهم لا تتأثر بالمشاكل المالية، لان أعضاء الصحوات وجيش المهدي يدفعهم الايمان أساساً للدفاع عن طوائفهم وليس الكسب المالي.

ويقول ابو مجتبى " لا يدفع اي شخص رواتب أو هبات مالية لنا، فنحن ننتمي الى جيش المهدي كمتطوعين لاننا نؤمن به".

واضاف بان أغلبية أعضاء جيش المهدي يستلمون رواتبهم من الحكومة بعد ان تم تعينهم في الوزارات التي يديرها التيار الصدري.

ومن جهته يقول الدليمي،  قائد أحد الصحوات في الانبار، بان السنة سيدافعون بكامل استعداداتهم عن حقوقهم  "لا أحد يفكر في التمويل، سيتطوع الجميع،  فالايمان يدعمهم".

ومع ذلك يتهم قادة الصحوات الحكومة بالتغاضي عن واجباتها تجاههم.

وكانت القوات الامريكية تمول الصحوات في البداية، وتقوم الحكومة العراقية الآن بدفع رواتب افرادها كما وعدت بتوفير وظائف لهم في الوزارات والاجهزة الامنية.

ويقول قادتها بان الرواتب التي يستلموها رجالهم متقطعة وغير كافية، كما تاجلت بشكل مستمر الوعود الحكومية بدمجهم في المؤسسات الحكومية.

قال الدليمي "ان المنح الحكومية لا تكفي لشراء بدلة او جهاز هاتف نقال".  واضاف " لن يغير من الامر شيئاً اذا توقفت الحكومة عن دفع رواتبنا".

ومن جانبه يقول ابو عبدالله بان رجاله لم يستلموا رواتبهم منذ أشهر. "ليس لنا اي دعم من الحكومة" واضاف " لقد خذلونا".

وقال زهير الجلبي، المسؤول البارز في الحكومة العراقية والمكلف بملف الصحوات، لمعهد صحافة الحرب والسلم بان السلطات تقدر مساهمة الميليشيات السنية في تعزيز الامن والاستقرار.

وقد أعترف بان رواتب اعضاء جماعات الصحوات قد تم تأخيرها لاسابيع في الوقت الراهن، ولكنه أشار الى ان مكتبه استطاع التغلب على الكثير من المشاكل المتعلقة بالميزانية والبيروقراطية حين تسلم ملف الصحوات.

وقال الجلبي بان ملف الميليشيات كان في حالة "فوضى" حين استلمته الحكومة العراقية، وساق مثالاً عن عدد رجال الميليشيا الذين يستلمون رواتبهم من أماكن مختلفة التي تم تعينهم فيها. وكما يوجد بعض الاضطراب والفوضى بخصوص ميزانية اية وزارة ينبغي عليها دفع رواتب أعضاء جماعات الصحوات، حسب قوله.

وبحسب احصائيات تم تقديمها من قبل الجلبي فان 92.000 عراقي كانوا قد انخرطوا في الصحوة في البداية في عموم البلاد. وتم تعيين حوالي 30.000 من رجال الميليشيات من أصل 52.000 في بغداد في وزارات حكومية.

كما وتم دمج حوالي 9.000 آخرين في الاجهزة الامنية الحكومية في العاصمة بغداد. ويبقى 14.000 كأعضاء الصحوة في بغداد.

ويعتقد بان العدد الكلي لافراد الصحوات في المحافظات يقرب من 40 الفاً. وقد وعدتهم الحكومة بوظائف في الوزارات والقوات الامنية، ولكن وتيرة دمجهم شهدت تباطوءاً عما هي عليه في بغداد.

وابلغ الجلبي معهد صحافة الحرب والسلم، بانه تم الحفاظ على هؤلاء الرجال كأعضاء في جماعات الصحوات لان القوات الامنية قررت بانهم لازالوا ضروريين في الحفاظ على النظام في تلك المناطق.

وقال الجلبي " قد يتدهور الوضع الامني اذا ما تم تعينهم في وظائف حكومية".

مخاوف الناس

وقد عبرت الناس في الفلوجة وبغداد عن مخاوف متشابهة.

وتقول عليا حسين حمودي، وهي موظفة حكومية في منطقة شيعية ببغداد " نريد أجهزة أمنية قوية. لا نريد اللجؤ الى الخارجين عن القانون لحمايتنا".

واضافت " كنا نأمل الافضل حين شاركنا في الانتخابات... وبدلا من ذلك زادت نتائج الانتخابات من شدة الخلافات السطحية بين الاحزاب".

ويقول سائق الشاحنة أحمد عبدالنبي من حي الحبيبية ببغداد، ان جيرانه بدأو بالتناوب على الحراسة الليلية خوفا من هجمات محتملة.

وفي مدينة الفلوجة يقول المعلم عمر سلمان، ان اسعار الاسلحة والعتاد قد ارتفعت مؤخراً بسبب زيادة الطلب عليها " الجميع يشعرون بالخوف، واذا لم يتم الحفاظ على حقوق السنة فان الاوضاع ستسوء. ان السنة بحاجة الى تطمينات".

كما ويقول الضابط العسكري المتقاعد من الفلوجة، طلال عبدالله العسكري، بان اسعار العقارات ارتفعت في محافظة الانبار السنية. " السنة يشترون البيوت في الرمادي والفلوجة، وهما من المناطق البعيدة قليلا عن بغداد، وذلك تحسباً لفشل المحادثات السياسية".

فيما يقول سائق سيارة الاجرة أحمد خليل، الذي عاد مؤخرا الى الفلوجة بعد العيش كلاجئ لسنوات خارج البلاد، بان الكثير من الناس سيهربون في حال اندلاع حرب طائفية جديدة.

وقال خليل " سيظل الفقراء هنا ويقاتلون الى جانب المتطرفين، لانهم لا يقدرون على تحمل نفقات الرحيل عن البلاد".

كتب المراسلان المتدربان في معهد صحافة الحرب والسلم، خالد الانصاري وعثمان المختار، هذا التقرير من بغداد والفلوجة. وساهم كل من المراسل المتدرب في المعهد علي كريم من بغداد، ومحرر العراق في المعهد نيل آرون من أربيل  في كتابة التقرير.

Iraq
Conflict
Frontline Updates
Support local journalists