حين يصبح البيشمركة سياسيا
ستظهر الديمقراطية الحقة في المناطق الكردية فقط حينما تصبح معايير القيادة المسؤولية والكفاءة و ليس سنين الخدمة العسكرية.
حين يصبح البيشمركة سياسيا
ستظهر الديمقراطية الحقة في المناطق الكردية فقط حينما تصبح معايير القيادة المسؤولية والكفاءة و ليس سنين الخدمة العسكرية.
بعد انتفاضة 1991وانشاء المنطقة الكردية المستقلة في العراق، انتخب الكرد مجلس من ممثلي الشعب و أسسوا حكومة كردية. وعندها بدأت المشاكل، حين تحول المقاتلون الى سياسيين.
عادة حين تكون هناك ثورة أو سيطرة عسكرية على الحكومة أو انقلاب، في مرحلة ما يتنحى المقاتلون جانبا ليفسحوا المجال للسياسيين واهل الخبرة والتقنيين إدارة البلد. انك بحاجة الى ناس ذوو خبرة سياسية وبيروقراطية.
لكن في كردستان العراق، تولى القادة الميدانيون في الجبال كل المواقع المهمة في الحكومة، بدءا من رئيس الوزراء الى رئيس البرلمان نزولا الى المدراء العاميين في التجارة و الأعمال.
وحتى هذا اليوم، فكل كردي عراقي في موقع مهم، بدءا من رئيس الجمهورية نزولا، هم ممن كانت لها علاقة مع المقاتلين في الجبال بشكل أو بآخر.
ان جيل ما بعد الانتفاضة، والذين كانوا باعمار5-10 سنة اثناء الانتفاضة في 1991، هم الان باعمار 20-30 عاما وقد تم ابعادهم بشكل تام تقريبا عن تسلم اي موقع ذات اهمية. انهم لم يكونوا من البيشمركه.
في احدى المرات، قابلت نائب رئيس الوزراء في ادارة السليمانية واثرت معه قضية حساسة. قال لي بخشونة، "انت لم تكن من البيشمركه، ولم تقاتل، ليس لك الحق ان تناقشني في ذلك."
تلك هي عقليتهم. لقد حصلوا واحتفظوا بكل الامتيازات، ولن يسمحوا لاحد بمنافستهم .
تبدو المسألة و كأن كردستان العراق هي شركة محدودة وكل من كان بيشمركه له سهم فيها بما يعادل الزمن الذي قضاه كمقاتل. سنة مع البيشمركه تعادل عشرين سنة في نشاط عادي وطبيعي.
نملك الان برلمانا والشرعية الوحيدة يجب ان تكون قانونية ودستورية. هذه هي اساس المسؤولية والحكم الجيد.
لكن النخب في كردستان اليوم تعتمد على الشرعية الثورية. وذلك في النهاية، يعني ان من كانوا يحملون السلاح هم الذين يقررون و يأمرون.
انهم الذين يصرون على تذكيرك بانهم هم من طردوا صدام في العام 1991. و بالطبع ان هذا النوع من الشرعية الثورية يشل منطق الشرعية القانونية وسيادة القانون . انه يعيق الديمقراطية.
هناك اشارات ايجابية بأن تغييرات إجتماعية، بضمنها بيئة الاعلام والحركات الاجتماعية، تدفع بإتجاه بداية تغيير.
هناك انتقاد واسع يوجه نحو الحكومة الكردية، في وسائل الاعلام وفي الشارع. الكل يشارك في ذلك. و جوهر ذلك الانتقاد هو ان الاحزاب السياسية الرئيسية، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، عليهما تغييرالطريقة التي يديرون بها الحكومة.
لكن في الوقت نفسه، فان الوضع الامني المتردي في بقية انحاء العراق له اثره على المنطقة الكردية. أن ذلك يشجع المسؤلين الكرد ليتفاخروا بقلعتهم الامينة. قبل سقوط صدام حسين، كانوا يستعملون وجوده كذريعة لعدم اجراء اصلاحات ديمقراطية. الان يتحججون بالارهاب.
الرابح الوحيد من هذا كله هم الاحزاب السياسية ، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. انهم يتمتعون بمباركة الامريكان والحكومات العراقية، ويضعون كل عقبة ممكنة على طريق الإنتقال و الاصلاحات الديمقراطية.
في الحقيقة ان البيشمركه أخيرا تم تحويلها الى قوة رسمية بصفتها الجيش الكردي. انهم يستخدمون اموال الحكومة المركزية لتقوية مركزهم و مجمل الجهاز الامني. ان راتب البيشمركه هو ثلاث أضعاف راتب خريج الجامعة، وبالنتيجة فان الاف الشباب، مهنيون و أصحاب اعمال تجارية صغيرة يلتحقون بالبيشمركة حيث يواصلون عسكرة المجتمع.
كل هذا يستخدم لممارسة ضغط على المعارضين.
في حزيران 2006، كانت هناك مظاهرات في العديد من المدن الكردية احتجاجا على نقص الخدمات وخاصة الكهرباء.
الآن تعطى الكهرباء ساعتين فقط في اليوم، وحين تم نصب مغذي كهرباء جديد، فان الخطوط ذهبت مباشرة الى مدن مسقط رأس القائدين الرئيسيين، الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني.
لكن حينما حاولت الناس التجمع لممارسة ضغط حول الخدمات العامة، تدخلت البيشمركه و ارسلتهم الى بيوتهم.
يمنع القيام باي تظاهرة دون الحصول على موافقة اولا، وفي بعض المناطق تنتشر البيشمركه قبلها بليلة لتطويق المناطق لمنع الناس من المظاهرة.
في حلبجة، لجأوا الى استخدام القوة. قتل مواطنان وجرح اكثر من عشرين آخرين وتم القاء القبض على 200 من المتظاهرين، اثنان من الذين قبض عليهم وعشرة من الجرحى هم مراسلوا جريدة هاولاتي.
حوادث مثل تلك تظهر أن هناك رغبة جماهيرية للتغيير. لكن الأساس المؤسساتي لهذا صغير جدا. الاعلام احد مصادر الضغط. لكن بخلاف ذلك، فان المجتمع المدني الحقيقي هو في فوضى وعدم نظام. في الحقيقة فان الحزبين الرئيسيين يسيطران بشكل كامل تقريبا على المنظمات غير الحكومية وعلى مجموعات المجتمع المدني في الاقليم، ويسيطران على وسائل الاعلام الاذاعية.
وبالنتيجة، فان التغيير الان لا يأتي الا من داخل الحزبين، وهم يحاولون الاصلاح داخليا- لضمان ان لا حركة اصلاح اجتماعي يمكن ان تحصل على قوة واسناد.
اي تحسن على الصعيد الامني في بقية انحاء العراق سيكون مهما، لان ذلك سيمحو العذر الزائف للاحزاب الكردية في مواصلة سيطرتهم السياسية. استمرار تدفق المواطنين من مختلف انحاء العراق يخلق تضخما، يزيد الضغط على الاسكان ويخلق مشاكل اخرى.
بامكان الامريكان استخدام ضغط اكبر على الاحزاب. الى الان، فان الامريكان و مع الأسف لهم علاقات مع النخب الحزبية فقط وليس لهم علاقات مع القاعدة الجماهيرية. تماما عكس ماهو حاصل في بقية انحاء العراق، فلم يقوموا باي جهود جادة لدعم الاعلام والمجتمع المدني في المنطقة الكردية.
الخطاب الامريكي الجديد- التأكيد على حكومة قوية وليس على حكومة ديمقراطية، التحدث عن عراق مستقر اكثر من الحديث عن عراق متنوع- يبدو انه يؤكد على هذه الطريقة.
فقط لأن الاقليم الكردي مستقر، يبدو ان الامريكان يتصرفون وكأن الديمقراطية راسخة بشكل تام هناك ولا توجد اي مشاكل. سوف لن تكون لنا ديمقراطية حقيقية في المنطقة الكردية ما لم نتخطى الشرعية الثورية ونجعل من المسؤولية و الكفاءة معاييرا للقيادة وليس سنوات الخدمة العسكرية.
توانا عثمان: رئيس تحرير صحيفة هاولاتي التي مقرها السليمانية