حكاية حارس امن من بغداد

شاب عراقي يشرح اسباب اختياره لواحدة من اكثر الوظائف خطورة في العاصمة.

حكاية حارس امن من بغداد

شاب عراقي يشرح اسباب اختياره لواحدة من اكثر الوظائف خطورة في العاصمة.

Thursday, 27 April, 2006
. يبدأ حكايته بذكرى لا تنسى.



بينما كان في الواجب في وقت متأخر من الليل في بغداد، تعرض سيف وبقية زملائه من الحرس العراقيين والامريكان لاطلاق نار من مسلحين. جرح احد الامريكان الذي قام اثنان من زملائه بنقله الى المستشفى للعلاج.



وعند عودتهم الى المجمع الذي يعملون فيه، فتح النار عليهم احد الزملاء من الحرس.



قال سيف وهو يضحك من سخرية القدر ويقع على الاريكة" كانوا يسوقون في عكس اتجاه السير، ظنهم زميلي- احد حراس الامن- انهم من المتمردين. فتح النار على سيارتهم وجرح الامريكيين الاثنين اللذين اخذا زميلهما الى المستشفى للعلاج. كان ذلك شيء لا يمكن ان انساه. لقد نقلوا زميلهم الجريح الى المستشفى ، وانتهى الامر ان يصيب الاذى الثلاثة جميعا."



كان سيف يعمل نجارا في شمال العراق قبل سقوط نظام صدام حسين في العام 2003. ثم انتقل الى بغداد ليكون وسط عائلته، ولما لم يجد عملا كنجار، فقد التحق بوظيفة حارس مع احدى الشركات الامريكية الامنية قبل سنتين ونصف. لم يشأ ان ينشر اسمه او اسم الشركة التي يعمل فيها لاسباب امنية.



يعترف سيف ان عمله خطر، ولكن لانه لم يكمل تعليمه، فذلك يعني ان فرص العمل امامه قليلة.



واضاف"انت لا تدري متى تنفجر سيارة او يفجر انتحاري نفسه قربك.ان سنحت الفرصة لهم، فان المتمردين لن يترددوا في قتلي".



الشركات الاهلية مثل شركة بلاك ووتر الامنية الكبيرة تدفع لموظفيها الغربيين- معظمهم من الذين خدموا سابقا في القوات الامريكية والبريطانية- رواتب عالية تصل الى 200000 دولارا لحماية الشخصيات الاجنبية، الشركات العالمية، وكذلك القوافل العسكرية في مهماتها الانسانية.



يحصل سيف كونه حارس عراقي دون تدريب عسكري على 350 دولارا شهريا في حمايته للمجمع العالمي. يطمح ان يوفر من راتبه ليرحل الى السويد التي يعتقد ان بامكانه العمل فيها كنجار.



قال سيف عن عمل الأمن"انها وظيفة متعبة و دون مستقبل. ان عملي يجلب لي كره الناس وليس محبتهم. الناس تراني حاملا السلاح طوال الوقت. السلاح مكروه. انه ليس صديقا بل عدوا".



ولد سيف في بغداد قبل 26 سنة لأب عربي وأم كردية. ترك والده العائلة قبل خمسة سنوات، ويقوم سيف الآن برعاية والدته وأخواته الاثنتان.



يقضي سيف ثلاث اسابيع في المجمع، يعمل ثمان ساعات يوميا، ثم يأخذ اسبوع اجازة لزيارة عائلته. وحين يكون في الواجب، فانه يرتدي درع الوقاية والخوذة ويعمل في منطقة محاطة بالحواجز الكونكريتية.



العمل جدي ولكنه ممل. انه يقوم بتدقيق هويات الداخلين الى المجمع ويسأل المارة عن سبب وجودهم هناك.



"انه اشبه بالسجن" اكمل سيف.



في السنوات الثلاثة الاخيرة تم استهداف وقتل العديد من العراقيين الذين يعملون مع الشركات الاجنبية كونهم متعاونين مع قوات الاحتلال.



في احد الايام، اتصل رجل بسيف وبزملائه وكشف لهم عن خطة للهجوم على مجمعهم. كان اصدقاء الرجل قد اقنعوه بسياقة سيارة مفخخة في داخل المجمع الذي اخبروه انه قاعدة استخبارات أمريكية.



اضاف سيف"اخبرنا الرجل، لي بنت، ولا اريد ان اموت،"



لم يعتبر مسئول سيف ان الرجل يمثل تهديدا لانه تكلم حول الهجوم بشكل مفتوح. واخذه في جولة داخل المجمع ليثبت له انه ليس دائرة استخباراتية، ثم اعطاه عشرة دولارات اجور تاكسي ليعود الى البيت، ثم تركه يذهب.



من بين حوالي 1000 حرس يعملون في الشركة مع سيف، فان سيف يعتبر اربعة منهم فقط اصدقائه. يخبر سيف جيرانه واصدقائه الاخرين انه لا يزال يعمل نجارا في الشمال الكردي.



قال سيف"لا توجد ثقة هذه الايام- انك تخاف حتى من اخيك. ان اخبرت احد الاصدقاء، فان الخبر سينتشر حالا. حتى لو لم يكن لأحد ما شيئا ضدك بشكل شخصي، فانه لا يتردد في إرسال رسالة تهديد لك لتترك العمل".



حينما يعود سيف الى البيت، فانه يرتدي الملابس المدنية ويمشي مسافة كيلو متر بعيدا عن المجمع قبل ان يستأجر سيارة تاكسي، من اجل ان لا يعرف احد أين يعمل.



في اوقات الفراغ خلال العمل، يقضي سيف وقته برفع الاثقال، ولعب الشطرنج وشرب الناركيلة التي يشاركه فيها زملائه من الامريكان. وفي البيت، يقوم بالدردشة مع اصدقائه العراقيين والمصريين على الانترنت او يقوم بممارسة الالعاب على الكومبيوتر.



رافعا صوت السماعات بكل صوتها، يقف سيف مع الجانب العراقي في لعبة الحرب التي يهاجم فيها الجنود من البلدان الاخرى بما فيها امريكا وبريطانيا.



لا تفهم والدة سيف لماذا يلعب سيف بالاسلحة الخيالية حينما لا يكون في العمل.



قال سيف"الاسلحة تجري في دمي. انها جزء من حياتي".



وقع سيف في الحب مرة، حين احب فتاة امريكية كانت تعمل مع احدى شركات الاستثمار التي كان سيف يقوم بحمايتها. كانت تحادثه في فترة التدخين وتقدم له الشوكولاتة. كان يخجل من اخبارها بنيته الزواج منها، ولم يعد يراها بعد ان نقل الى مهمة اخرى.



تذكر سيف "قالت لي، انت تملك وجها فرحا. كانت محقة. فقد احتفظت دائما بالبسمة على وجهي، لكن قلبي يملئه الحزن.



سيف لا يعارض الاحتلال، لكنه ينتقدها بشدة، و يقول ان الامريكان متواجدون بالعراق من اجل مصالحهم. وسيف واقع في حب احدى الامريكيات وله العديد من الاصدقاء في داخل البلد.



اضاف سيف" الحب من الله، والأمريكان هم بشر مثلنا".



يملك سيف بعض الذكريات مثل الصور، سكاكين الجيب، خوذ الرأس التي تستعمل في البيسبول من اصدقائه الامريكان الذين غادروا العراق. احد الاشياء المهمة التي تعلمها منهم ان هناك وقت للعمل ووقت للعب.



بعض الاحيان يستمع الى الموسيقى الانكليزية في البيت. احدى الاغاني؛ ارني المعنى" لفرقة باك ستريت بويز تجعله يستذكر الذكريات الجميلة مع ابن عمه.



قال سيف" في كل مرة استمع فيها الى هذه الاغنية، اتذكر ابن عمي. كان يعمل معي في نفس الشركة، لكنه اصيب في رأسه (بينما لم يكن في الواجب).



نجى ابن عمه من الحادث، لكنه الان لا يستطيع الكلام ويده اليسرى مشلولة. في خلال السنتين الماضيتين، قتل خمسة من اصدقاء سيف الذين يعملون كحراس في مواجهات مع المتمردين.



بينما تشرف الاغنية على النهاية، يعود سيف الى واقع العراق.



" لا استطيع تحمل ذلك اكثر من هذا" قال سيف



ايوب نوري صحفي حر من العراق ومدرب برامج اذاعية سابق في معهد صحافة الحرب والسلام.
Iraqi Kurdistan, Iraq
Frontline Updates
Support local journalists