فضح عيوب وسائل الاعلام الكردية
ردود افعال وسائل الاعلام الكردية حيال الحادثة المروعة لمقتل صحفي شاب تؤكد حاجتها الى اجراء اصلاحات جذرية
فضح عيوب وسائل الاعلام الكردية
ردود افعال وسائل الاعلام الكردية حيال الحادثة المروعة لمقتل صحفي شاب تؤكد حاجتها الى اجراء اصلاحات جذرية
هيوا عثمان- العراق
20 أيار 2010
اذا ماكان مقتل سردشت عثمان، وكما يشتبه الكثيرون، جاء بسبب كتاباته، فان هذا الامر سيخدم فعلاً بمثابة مؤشر لنا جميعا على الحالة المزرية التي يعيشها اعلامنا والحاجة الملحة لاجراء اصلاحات فيها.
وكانت ردود الافعال ازاء موته المروع في وسائل الاعلام الحكومية والمعارضة معاً، مخيبة للآمال ومتوقعة بشكل يبعث على الاسى.
وقد تم اختطاف عثمان، الطالب والصحفي الذي انتقد السلطات الكردية في العراق، من عاصمة اقليم كردستان، اربيل، في الرابع من هذا الشهر الجاري وعثرت على جثته في مدينة الموصل في اليوم التالي.
وان تسيس عملية القتل ومحاولة القاء اللوم على طرف ما قبل معرفة الحقائق سوف لن يخدم أحداً.
بل على العكس، سيزيد كل هذا من تعقيد الامور، لانه ينبغي على الحكومة والمعارضة والصحافة ان يتحملوا، بشكل او بآخر، مسؤولية الجو غير الصحي للخطاب العام الذي قد تحدث فيه جريمة مثل هذه.
واذا لم يتم اتخاذ خطوات عملية تطبيقية لتشخيص مواطن الضعف والخلل في كل من الحكومة والمعارضة والصحافة، فان حادثة مأساوية كهذه يمكن ان تتكرر في المستقبل.
فقبل اعادة انتخابه، دعا الرئيس مسعود البارزاني عددا من الصحفيين ليتحدث معهم حول قضايا الساعة. وبعد نهاية اللقاء قال البارزاني "لقد وجهتم إلي مجموعة من الاسئلة، والآن حان دوري". وسألهم " مالذي يجعل من شخص ما صحفياً؟"
حاول عدد من الصحفيين الاجابة عن سؤاله، غير ان اجاباتهم لم تكن مقنعة في الواقع.
" اذن أي شخص ينشر صحيفة وينتقص من الناس يغدو صحفياً؟" سأل الرئيس. ولم يعارض أحد رأيه.
ولسؤ الحظ فأن هذا جزء من الواقع في الاقليم الكردي. ولكن ليس كل الوسائل الاعلام هنا تعتبرمنبراً لتبادل الشتائم والاهانات، كما وليس كل صحفي يتبادلها.
ان أغلبية صحفيينا يريدون ان يكونوا محترفين في اعلام الناس واثارة افكارهم وتحميل اللذين في السلطة المسؤولية.
ولكن المسؤولية هذه تقع على عاتق الصحافة ذاتها، وهذه ليست بمهمة يسيرة وسوف لن تحدث بين ليلة وضحاها. حيث ينبغي على الوسائل الاعلامية ان تواضب على المحافظة على معايير صحفية محترفة، وألا تكون مساقة بدوافع الربح المادي أو الدعاية السياسية واهمال جودة المحتوى المادة الصحفية.
وعلى نفس المستوى، تحتاج الحكومة والمؤسسة السياسية في كردستان الى ان تدرك ان تزويد الشعب بالحقائق سيساعدها في مهمة ممارسة الحكم وليس اضعافها.
وقد ساهمت الاحزاب الحاكمة والمعارضة على حد سواء في الوصول الى هذه المرحلة. فقد شجعت الاحزاب الحاكمة وروجت لفكرة "السجادة الحمراء" أو الاعلام الموالي للحكومة، بينما تشجع المعارضة الاعلام المنشق والمعارض.
ومن السهولة، في مناخ موبؤ كهذا الذي تعمل فيه وسائل الاعلام الكردية، تشويه سمعة الآخرين او الانتقاص منهم أو أطرائهم دون اية مراعاة لمبادئ الاخلاق أو معايير المهنة مطلقاً. ونتيجة لذلك لم تعد هناك فسحة كافية للصحفيين المحترفين الحقيقيين ان يعملوا وفق المعايير المحترفة عالمياً.
وفي الوقت ذاته يشجع الجانبان، الاعلام الحكومي والمعارض، ويمولان المواقع الالكترونية والمجلات الهجائية الهابطة، ليقولا ما لايستطيعان قوله في اعلامهما الرسمي.
وقضية سردشت عثمان تمثل مرآة تعكس ما آلت اليه الاوضاع الراهنة البائسة في الاقليم. كان عثمان يكتب لشبكة صحفية غامضة. وتناقلت وسائل الاعلام، وكل حسب هواها، تقارير مختلفة عن مقتله، كما وتم استغلال الحملة التي اعقبت مقتله كفرصة لشن هجمات سياسية.
قال لي أحد الصحفيين الدوليين العاملين في اربيل، والذي كان يتابع تطورات قضية سردشت عن كثب " يصرخ الجميع في كردستان ولا أحد يصغي".
وساهم اخفاق المؤسسات في توفير المعلومات التي يحتاجها الشعب في تفاقم هذا الجو. اذ يتراوح الاخفاق هذا بين توفير المعلومة المتعلقة بأصغر مشروع، الى توفير المعلومة المتعلقة بقمة التطورات السياسية في الاقليم والتي لها تأثيرات على معيشة الناس.
وينبغي على الحكومة ان تكون سباقة في تزويد الشعب بالمعلومات. وكلما ازدادت المعلومات يضيق حيز الاشاعات والتلميحات على صفحات الجرائد. وكلما كانت المعلومة دقيقة كلما كان التحليل والتعليق الصحفيان أكثر مهنية وموضوعية.
ويبدو أحياناً انه حتى المعلومات الاساسية عن الحكومة تعتبر من اسرار الدولة.
وفي احد المرات، أخبر رئيس تحرير صحيفة مدعومة من المعارضة وفدا برلمانيا بريطانياً زائراً "اننا ننشر الاكاذيب عن قصد عندما لا يرد علينا المسؤول المعني. اننا ننشرها بأمل ان يخرج علينا المسؤول أو المسؤولة بالحقيقة بعد نشر هذه الاكاذيب".
ان هذا الامر يمثل عاراً على الصحافة والحكومة والمعارضة، ولكنها هي حقيقة الاوضاع الحالية في كردستان العراق.
ان تغيير هذه الاوضاع هو مسؤولية الجميع، ومن يتخذ الخطوة الاولى سيكون الفارس بدرعه اللامع.
وتحتاج الصحافة الى توفير معايير مهنية صحفية رفيعة ، والتي تجعل من الوسيلة الاعلامية ان تكون مقدمة للمعلومة والخبر والتحليل والآراء والتعليقات القيمة، وليست منصة حيث تكون حراً في قول ما تشاء.
وينبغي على كل من الحكومة والمعارضة دعم الاعلام بهدف جعله أكثر احترافا ومهنية وأرفع مستوى.
وعلى برلمان أقليم كردستان ان يصوغ اطاراً تشريعيا وتنظيميا ومؤسساتياً لوسائل الاعلام لكي تخرج من دور الموالاة للاحزاب والسلطة الى توفير خدمة اعلامية لعامة الشعب.
وكان اقرار قانون الصحافة عام 2008 متسرعا وغير مدروس.
كما على البرلمان توفير اطار تشريعي يضمن حق الوصول الى المعلومة وحق حرية التعبير. وهو أيضا بحاجة الى توفير اطار تنظيمي عن طريق تأسيس لجنة اعلامية للاقليم.
وسيكون تأسيس هذه اللجنة خطوة باتجاه الصحيح، وستمثل قناة لدى البرلمان في دعم الاعلام وفي سبيل بناء صحافة حرة ومسؤولة.
وسيتمثل هدف اللجنة في الدفاع عن حرية الصحافة وحرية التعبير، وتعزيز أفضل المعايير الدولية في جمع ونشر الاخبار والمعلومات وكتابة التعليقات والافتتاحيات. وستعمل ذلك من خلال نظام مبادئ ومعايير، ومن خلال تطوير دورات التدريب المهنية الحقيقية.
والمهمة الاخرى لمثل ههذ اللجنة تكون التحكيم في الخلافات التي يكون الاعلام طرفا فيها، اذ ستكون لقراراتها قوة القانون.
وسيكون الواجب الاول للجنة هو اقتراح سن نظام اخلاقي محلي للصحافة والذي يلتزم بالمواد الواردة في اتفاقية الامم المتحدة حول حقوق الانسان، والذي من الممكن عرضه على برلمان كردستان لغرض التصديق عليه.
ومن الممكن للجنة ان تعمل مع البرلمان لتشريع قانون حرية التعبير وحرية المعلومات: وهما مفصلان رئيسيان في انشاء مناخ صحيح وصحي لوسائل الاعلام.
ان جميع هذه الامور لن تتحقق بين عشية وضحاها، ولكن يجب اتخاذ الخطوة الاولى لبناء العملية، وإلا لن يستغرق الكثير من الوقت حتى نرى سردشت عثمان آخر.
هيوا عثمان مدير مكتب معهد صحافة الحرب والسلام في العراق. لا صلة قرابة تربط الكاتب بالصحفي المغدور سردشت عثمان.
الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء المعهد.