أسلوب عيش عريق مهدد بالفناء
شيوخ عشائر المعدان يقولون بانهم سيقاومون تأثيرات الطفرة النفطية والتمدن على ثقافتهم التقليدية
أسلوب عيش عريق مهدد بالفناء
شيوخ عشائر المعدان يقولون بانهم سيقاومون تأثيرات الطفرة النفطية والتمدن على ثقافتهم التقليدية
علي ابو عراق ( تقرير الازمة العراقية رقم. 355، 15 تشرين الاول- اكتوبر 2010)
يصر كبار شيوخ المعدان الذين يعرفون أيضا باسم عرب الاهوار، في محافظة البصرة جنوبي العراق، على انهم لن يرحلوا او يغيروا من طريقة حياتهم التي تبلغ من العمر آلاف السنين، وذلك بالرغم من المباشرة بالخطط الصناعية في أراضي أجدادهم الغنية بالنفط والمغمورة بالمياه.
وسعى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الى تدمير مجتمع المعدان من خلال تجفيف الاهوار الواسعة التي أدامت طريقة حياتهم. الآن، ومع التمدن المتزايد لمعظم جيل الشباب من سكان الاهوار، يرى شيوخ العشائر في انتاج النفط تهديدا لثقافتهم التقليدية.
وقد رفع العراق في الاسابيع الاخيرة من تقدير مخزونه النفطي بنسبة 24 بالمئة ليصل احتياطه الى 143.1 مليار برميل، معلنا عن هدفه في انتاج 12 مليون برميل يوميا بحلول عام 2016. وعلى الرغم من تشكيك خبراء القطاع النفطي في وصول العراق الى هذا المستوى من الانتاج، إلا انه من الواضح بان البصرة، التي تعتبر مركزا لانتاج النفط وتصديره في البلاد، قد تتوقع المزيد من التنقيب والاستخراج وبناء البنية التحتية.
وهناك أحاديث تدور بين من تبقوا من معدان البصرة والذين يقدر عددهم بـ 40 ألف شخص، عن عمليا ت اخلاء جماعية ومواجهتهم لمشاكل بيئية. ويرى كبار شيوخ العشائر ان البدء بانتاج النفط يمثل تهديدا لحياتهم واسلوب معيشتهم، وذلك بالرغم من الوعود بتوفير فرص العمل لهم واحتمال تعويضهم مالياً.
وأبلغ الشيخ وسمي حالوب ، 68 عاما، معهد صحافة الحرب والسلام بان احدى شركات النفط قد فاتحته مسبقاً حول موضوع اعادة توطين عشيرته في منطقة اخرى. وقد رفض حالوب الافصاح عن اسم الشركة او شروط اعادة التوطين، قائلاً بانه رفض ذلك، وموضحاً بان يوجد حالياً 18 بئر نفطي في الارض التي تعود الى عشيرته.
"لا نريد أي شيء من الحكومة : لا تعويضات ولا استثمارات ولا شركات. كل ما نريده هو ان تتركنا الحكومة والشركات ان نعيش هنا بسلام". يقول الشيخ حالوب الذي يزعم بانه يستطيع ان يتتبع جذور عائلته في المنطقة الى 700 سنة مضت.
"اين يمكننا الذهاب؟ ليس لدينا اي وسيلة لكسب العيش سوى جواميسنا". وتابع " في عهد صدام كنا هدفاً للهجمات العسكرية ومحاولات تجفيف الاهوار. وفي الوقت الحاضر، وبعد كل هذا، من الممكن ان نجبر على الرحيل".
ويقدر علماء انثروبولوجيون بان المعدان سكنوا مناطق الاهوار بين نهري دجلة والفرات، التي كانت خصبة في الماضي، منذ حوالي 5 آلاف سنة. كما ويعتقد عدد من المؤرخين بان المعدان هم آخر بقايا نسل الثقافة السومرية التي انقرضت منذ أمد بعيد، والتي اختفت في المنطقة حوالي عام 1800 قبل الميلاد.
ويعيش المعدان في قرى منعزلة، وفي بعض الاحيان تقع هذه القرى فوق جزر من صنع ايديهم، مبنية من حصران القصب والطين. ويتميز اسلوب حياتهم بالاكتفاء الذاتي مع روابط عائلية وقبلية قوية، مما سمح لهم بمقاومة ضغوطات العالم الخارجي.
"يسمي العراقيون الناس الذين يقطنون الاهوار بالمعدان. وفي الماضي، كانوا يعتبرون الناس الذين يعيشون خارج الحضارة". يقول الاستاذ محمد عطوان من جامعة البصرة.
واضاف عطوان " يعتمد المعدان بشكل أساسي على جواميس المياه، وانهم يزرعون ويصيدون الاسماك والحيوانات. كما انهم ينتجون أغراض وحاجيات من قصب الاهوار بحيث يستطيعون بيعها او المتاجرة بها".
ويقول عطوان بان حقيقة مفردة معدان على انها يمكن استعمالها كاهانة ،هي دليل واضح على تاريخ التفرقة والتمييز.
ولشيخ عشيرة البدهان، صبري صدام، تأويل مختلف لاسم المعدان. حيث يقول ان الكلمة مأخوذة من كلمة معارضة العربية التي تعني الخصم او العدو، والتي تقترح الاستقلالية الشديدة للعشيرة.
"لقد عارضنا السلطة المركزية منذ محاربتنا للامبراطورية العثمانية" قال شيخ صدام. "لقد رفضنا وضع رموزها على راياتنا العشائرية. ومازلنا على نفس المنوال ولن تجد الكثير من أبناءنا منخرطين في الجيش العراقي".
وبسبب مقاومة المعدان للسلطة، شن نظام صدام حسين هجمات مسلحة ضدهم. فبعد قمع الانتفاضة في البصرة بعد حرب الخليج في عام 1991، انطلقت الحكومة في عمليات تجفيف ضخمة للاهوار ومشاريع بناء السدود، حيث تم تجفيف مايقرب من 90 بالمئة من مساحة الاهوار البالغة 20 الف كيلومتر مربع. وقد وصف برنامج حماية البيئة التابع لمنظمة الامم المتحدة حملة التجفيف بـ "واحدة من أعظم الكوارث البيئية في العالم".
وبعد ان كان عددهم يبلغ 500 الف في خمسينيات القرن الماضي، يقدر شيوخ العشائر الآن عدد المعدان باقل من 40 الف نسمة في البصرة. وتعتقد الامم المتحدة بان ما بين 80 الف الى 120 الف من المعدان يعيشون في مخيمات اللاجئين في ايران، او كمهجرين في مناطق متفرقة في انحاء العراق.
"كنا نعيش في الجنة الى ان قام النظام السابق بتجفيف الاهوار" يقول الشيخ حالوب. " الاهوار هي وطننا ومصدر حياتنا. وقد جففها صدام مرتين: مرة في السبعينيات بهدف التنقيب عن النفط، ومرة اخرى في التسعينيات لمطاردة خصومه. لقد تضررنا كثيراً. تم تهجيرنا من بيوتنا، ومعظمنا غادر الى المدن حفاظاً على ارواحنا".
وعلى الرغم من التقدم الحاصل منذ عام 2003 في اعادة الاراضي المغمورة بالمياه الى نسبة تصل الى ما يقدر بـ 37 بالمئة من مساحتها الاصلية، فان المخاوف من تأثيرات الصناعة النفطية، اضافة الى الدمج في حياة المدينة، تبدو أكبر بالنسبة لشيوخ عشائر المعدان.
"لقد عشنا في هذه المنطقة لأجيال عديدة، غير ان الامور تتغير كما ترى" يقول حسين محمد مبارك- 83 عاما- وهو أحد شيوخ العشائر في ناحية الكرمة. " كان النساء يبيعن الحليب والقيمر المأخوذ من الجاموس، وكان الرجال يصيدون الاسماك والحيوانات. لكن الآن، فالكثير من أبنائنا يشتغلون في متاجر المدينة. حتى ان قسماً منهم تعين في الحكومة. ومدير شرطة المرور في البصرة هو من المعدان".
ويعترف فريد خالد، مدير لجنة الطاقة في مجلس محافظة البصرة، بوجود مخاوف لدى السكان المحليين. "كانت هناك ردود افعال سلبية من قبل عدد من المزارعين ومربي الجواسيس المعدان بسبب مشاريع النفط التي تقع اساساً بالقرب من مناطقهم العشائرية". واضاف خالد " لقد قدموا شكاوى الى مجلس المحافظة، وقد تم تشكيل لجنة من قبل المجلس وشركة نفط الجنوب لمعرفة حجم الاضرار -التي ألحقت باراضيهم- وامكانية تعويضهم.
"كذلك أُخذ بنظر الاعتبار اعطاء الأولوية بتوظيف أبناء عشائر المعدان المحليين في وظائف أمنية وغيرها من الوظائف التي لا تتطلب مهارات تخصصية".
واوضح هاشم لعيبي، عضو مجلس محافظة البصرة، بان اعدادا متزايدة من شباب المعدان يتخلون عن طرق الحياة التقليدية بحثاً عن العمل في المدن القريبة.
ويقول لعيبي " بالرغم من خطط الحكومة لاعادة احياء الاهوار خلال السنوات السبع الماضية، ومن ضمنها بناء المدارس والمستوصفات والمجمعات السكنية، فان المعدان لا يستطيعون تجاهل الفرص في المدينة. لقد تشبعوا بقيم المدينة".
وبالنسبة لجيل الشباب، فان الاعتماد على المدينة يعتبر في الوقت الحاضر اسلوب حياة.
" منذ ان كنت في 15 من عمري وانا استيقظ كل صباح واذهب الى المدينة" تقول سليمة عبد، 30 عاما. واضافت " والدي رجل طاعن في السن، ووالدتي تحلب الجواميس وتصنع القيمر وعلي ان ابيعه في المدينة، لان الزبائن هناك. وهذه هي وسيلتنا للبقاء على قيد الحياة".
لكن الكبار في السن لازالوا يصرون وبعناد على ان تقاليدهم ستبقى دون اي تغيير.
"نسخر من سكان المدينة الذين يستلمون رواتبهم من الحكومة، بينما نحصل نحن على ما نريد ونبيعهم بقايانا" يقول الشيخ حالوب. " في الماضي، لو كان يطلب مني رجل غني ان نستبدل مواقعنا، لم اكن لاوافق على ذلك. نحن فخورون بكوننا معدان".
علي ابو عراق، صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام من البصرة.