التورط في مازق ملامة الانتخابات الكردية

يصف احد صحفي معهد صحافة الحرب والسلام الانتخابات الكردية بالغموض ، وادعاءات سوء التصرف.

التورط في مازق ملامة الانتخابات الكردية

يصف احد صحفي معهد صحافة الحرب والسلام الانتخابات الكردية بالغموض ، وادعاءات سوء التصرف.

ايقظتني توقعاتي في الصباح الباكر ليوم الانتخاب. وفي الليلة التي تلتها ابقاني خوفي مستيقظا. لقد تحول اليوم الذي كنت اتطلع اليه منذ فترة طويلة الى كابوس مزعج.

بدا ذلك بزيارة الى احد المراكز الانتخابية المجاورة ، حيث كان يتوجب علي قضاء بضع ساعات كمراقب مستقل لاحدى المنظمات المحلية.

وصلت الى المكان في الساعة 7.45 صباحا ، أي قبل ربع ساعة من الموعد المقرر لفتح مراكز الاقتراع. حيث كان هناك طوابير طويلة من المواطنين ينتظرون الفرصة للادلاء باصواتهم.

كانت العوائل الكردية باكملها مصطفة وهي ترتدي الزي الكردي التقليدي- فالرجال بسراويلهم الفضفاضة ذات الاحزمة ، والنساء باثوابهن ذات الالون البراقة والتطريز .  اما الاطفال فكانوا يمرحون في الجوار لانهم اصغر من ان يدلوا باصواتهم الا انهم كانوا متحمسين لمراقبة الوضع. كما تواجد الطاعنون في السن ايضا. البعض منهم وصل المكان على الكراسي المدولبة . وافسح المواطنين الواقفين في الطابور المجال لهم. 

ذكرني الموقف برمته باعياد نوروز، احتفال بداية السنة الكردية الجديدة، والذي يقام بحلول الربيع. بعد ذلك تنطلق العوائل بكاملها الى الشوارع وهم في ابهى حلة.

تعيش الشعوب الاخرى على اراضي بلدانها الا اننا كاكراد عراقيين ، يجب ان نكون جزءا من بلد اخر، شئنا ام ابينا. لذلك نتطلع للتعبير عن زهونا بقوميتنا عبر منافذ اخرى- مثل يوم نوروز ، ويبدو ان يوم الانتخابات حقق ذلك.

لم تكن الدعاية الانتخابية كسابقاتها ابدا. ففي الماضي، صوتنا لاقوى حزب، حيث وثقنا بانه سيعمل على نشر القضية الكردية بين عرب العراق.

 

اما هذه المرة ، فقد ظهرت جماعة معارضة قوية، في محاولة منها لاختراق قبضة الاحزاب الحاكمة على ا لسلطة .

اذا ماصوت الشعب لكردستان في المرة الماضية، ولاجل الحصول على منطقة حكم الذاتي ، فقد صوت هذه المرة لكيفية ادارة هذه المنطقة. 

اعمل كمحام وكصحفي ايضا. حيث تبقيين محاكم مدينة السليمانية بانشغال دائم ولم امللك الوقت للانخراط بالسياسة الا مؤخرا.

بالرغم من استحالة غض النظر عن السياسية –لانها ملتصقة بماضيك- الا انني انتبهت ، في يوم الانتخابات، الى المدرسة التي كانت تستخدم كمركز انتخابي. لقد اعتدنا على لعب كرة القدم على ساحاتها اثناء فترة الشباب.

كانت هناك بعض الوجوه المالوفة في طابور التصويت. من بينهم صديق دراسة قديم ممن فقدت الاتصال بهم بمرور السنين، عندما انضم الى عشرت الالاف من الكرد اليافعين الذين تركوا البلاد للبحث عن حياة جديدة في اوروبا.

سمعت مؤخرا بترحيله من بريطانيا ليعود الى كردستان مرة اخرى. غيرته بريطانيا . لقد كان متانقا بشدة ، حيث كان يرتدي ملابس غير متوفرة باسواقنا . والاهم من ذلك، فقد شاربه الذي يعد رمزا للرجولة هنا.

لقد سافرت الى بريطانيا والمانيا بضع مرات ، الا انني لم ارغب بالاستقرار هناك. كلما كنت اعود من الخارج ، اعتاد اصدقائي وزملائي بالسخرية مني بمناداتي بالاحمق لانني اضيع فرصة البقاء في اوروبا. 

كانوا يقولون لي " يخاطر الاخورن بحياتهم للوصول الى هناك، بينما تسافر انت على متن طائرة مع نساء جميلات يقدمون لك البيرة . مع ذلك فانت تختار العودة!!!".

لم افكر قط بانني كنت مخطئا عندما اخترت العودة. فلدي عائلة والتزام تجاه بلدي. فانا افضل مواجهة الخطر هنا على ان اكون في مكان ما في اورروبا، لاشاهد مباريات فريق برشلونه على التلفزيون.

كان الجو حارا في المركز الانتخابي واستمرت الكهرباء بالانقطاع، متسببة بتوقف مبردات الهواء. عمد الواقفون في طابور التصويت على استخدام هوياتهم كمراوح لهم. 

اما في غرفة التصويت ، فقد كانت هناك سيدة عجوز تحاول جاهدة غمس سبابتها اليسرى في قنينة الحبر بدلا من سبابتها اليمنى. اشترك الجميع بتصحيح خطئها من خلال تنبيهها. الا ان المراءة استمرت بالقول : " لااعرف فقد اردت التصويت فقط". 

لاحظت فتاة شابة في المركز الانتخابي مع علامات الاحباط على وجهها لانها لم تستطع العثور على اسمها في السجل الانتخابي. فبدأت باتهام المسؤولين بقولها " لماذا لايوجد اسمي هنا! لن اصوت الان ، ساذهب الى البيت". 

في الساعة 10.30 صباحا ، انهيت عملي كمراقب للانتخابات، حيث انتهيت من تفتيش الاختام على صناديق الاقتراع وادليت ببعض الملاحظات. ادليت بصوتي في نفس المركز الانتخابي وبعدها قضيت ماتبقى لي من اليوم بالعمل مع اثنين من الصحفيين الاجانب.

كنت مازال برفقة الصحفيين عندا رن هاتفي الجوال، بعد منتصف الليل من تلك الليلة.

لقد كان المتحدث والدتي. حيث بدت مساءة وعلى وشك البكاء، وترجتني للرجوع الى البيت. توجهت للبيت على وجه السرعة لاجد عائلتي باكملها مستيقظة وبانتظاري.

كانت احدى المحطات التلفزيونية المتحالفة مع احد الاحزاب الحاكمة قد اتهمت مراقبا انتخابيا يحمل نفس اسمي الاول بخرق خطير. لم يفصحوا عن الاسم الاخير ، مما يجعلني مشتبه به .

لقد شوهد ذلك الرجل وهو يوزع دعايات للترويج عن ائتلاف معارض خارج احد المراكز الانتخابية في المدينة. تتحضرالقوانين الدعائية أي شخص من الترويج خارج المركز الانتخابي. كما يعد ذلك عملا غير اخلاقي وغير قانوني بالنسبة لمراقب انتخابي مستقل. 

اخبرت عائلتي بانني لم احلم حتى بالاساءة لمنصبي كمراقب بالنيابة عن أي سياسي كان. كما انني لااستطيع المساومة على عملي كمراسل مستقل لدعم أي من القوائم المتنافسة.

كانت التهمة المبينة على التلفزيون خطيرة الا انها لم تكن محددة بوضوح. بالنهاية ، هناك الالاف المواطنين في المدينة ممن يحملون نفس اسمي الاول. فضلا عن ذلك ، العديد من الشهود ممن كانوا موجودين في مركز الاقتراع يستطيعون الشهادة بانني لم اخرق اية قوانين.

على اية حال ، لربما كان هناك القليل من المراقبين الانتخابيين في المدينة ممن يشاركونني الاسم الاول . هل يحتمل ان يشتبه بي بعض رجالات السلطة! 

كان علي ان امحو اسمي لاجل عائلتي ومن اجل سمعتي الشخصية ايضا، الا انني لم ادرك مدى صعوبة ذلك. كان علي ان اتحقق اولا من ان التهمة موجهة ضدي قبل ان اادفع عن نفسي ضدها.  

اتصلت بمراسلين من المحطة التلفازية. حيث اخبروني بانهم لايملكون معلومات اوسع عن القصة اكثر من الذي بث على الشاشة. واقترحوا علي ان اكتب تقريرا عن اماكن تواجدي يوم الانتخابات.

سمعت بمصطلح الديمقراطية في العام 1991 اثناء الانتفاضة الكردية ضد صدام حسين . كنت مازال طفلا في الحادية عشر من عمري حينها ولم افهم مالذي تعنيه.

في ذلك الوقت ، كانت هناك مصطلحات مثل كردستان والبيشمركة،و اسماء مقاتلينا مفهومة بالنسبة الية اكثر من تلك. كان هناك شيء ما بداخلي يتحرك لدى سماعي لهذه الكلمات. 

تمكنت من فهم معنى مصطلح الديمقراطية عندما تقدمت في العمر . سمعت بالمصطلح مرتبطا بمكلمات اخرى مثل الحرية وحقوق الانسان اثناء عملي مع المنظمات الاجنبية.

الذي نشهده اليوم ليس بديمقراطية حقيقية. ففي السياسة لم نتعلم لحد الان ان نتقبل الطرف الاخر، ولا ان نقبل الاختلافات.

كعراقي كردي ، فانا اؤمن باننا كنا دائما نركتب الخطا بمقارنة انفسنا باماكن اسوأ منا. فنحن ننظر الى الصومال، او ارتيريا او الى مركز العراق من اجل خلق شعور افضل لانفسنا. الا اننا لم نتطلع قط الى امثلة احسن – لكي نكتشف كيف لنا ان نغدو افضل.

عدم تحقيق الحلم الذي طالما قاتلنا لاجله هو احد اخطائنا. فانا لا الوم احد اخر، لا القي اللوم على قوات الائتلاف ولا على العراقيين في بغداد بالتاكيد.

نملك كل شيء هنا في كردستان – كل شيء عدا قدرتنا على رعاية انفسنا بشكل صحيح.

ريباز محمود : صحفي متدرب من معهد صحافة الحرب والسلام في السليمانية

ترجمة : فرح علي

Iraqi Kurdistan, Iraq
Frontline Updates
Support local journalists