المرأة التي كانت ستصبح انتحارية تستعيد مهمتها الفاشلة

شابة عراقية تروي كيفية تجنيد المتمردين لها بهدف تنفيذ هجوم انتحاري في احدى الاسواق

المرأة التي كانت ستصبح انتحارية تستعيد مهمتها الفاشلة

شابة عراقية تروي كيفية تجنيد المتمردين لها بهدف تنفيذ هجوم انتحاري في احدى الاسواق

Thursday, 5 August, 2010

 

علي محمد (تقرير الازمة العراقية رقم 348، 5 آب- اغسطس 2010)

قبل ارسالها مع قنبلة مشدودة الى خصرها، تمنى زوج رانيا العنكبي امنية " ستكونين شهيدة وسنلتقي في الجنة. وآمل ان تختارينني أنا". تتذكر رانيا ما قاله زوجها لها.

وخلال مقابلة لها في مركز الشرطة بعد عامين، قالت العنكبي انها فعلاً التقت بزوجها ثانيةً- لكن في السجن.

"تم اعتقاله في غارة على خلية لتنظيم القاعدة". واضافت "كان يحمل هوية تعريف مزورة".

وكان قد مضى شهران على احتجاز العنكبي في الوقت الذي التقت، لفترة قصيرة، بزوجها ثانية. حيث كانت قد اوقفت من قبل الاجهزة الامنية في بعقوبة، مركز محافظة ديالى، قبل ان ينفجر الجهاز المربوط بجسدها.

وفي أواخر العشرينيات من عمرها، تقضي العنكبي عقوبة بالسجن لمدة 7 سنوات. وكان مسؤولو الشرطة حاضرون اثناء لقائها مؤخراً مع معهد صحافة الحرب والسلام، حيث كانوا يقاطعونها بين حين وآخر.

وتملك العنكبي طباعاً فظة، وبشرة داكنة لأمراة عاشت حياة قاسية في الريف العراقي. ولم تظهر اي عواطف أثناء وصفها لمجريات حياتها الماضية.

وقالت بانه تم تخديرها بقوة قبل تزويدها بقنبلة، ولم تكن واعية لأفعالها.

وعندما تحدث زوجها عن رؤيتها في الجنة، لم تفهم ما كان يعنيه لكنها شعرت فقط بان " أمراً غريباً على وشك الوقوع".

ومع ذلك تتساءل الاجهزة الامنية في بعقوبة فيما اذا كانت رانيا فعلاً قد أجبرت على ان تصبح انتحارية. فعقب القاء القبض عليها في مركز المدينة في آب 2008 تجادلت مع عناصر الشرطة واصفة اياهم بـ "الخونة".

ويسيطر التمرد السني العربي بقبضة قوية على ديالى على الرغم من الانخفاض الحاد في اعمال العنف خلال السنوات القليلة الماضية. وتقع المحافظة شمال شرق العاصمة بغداد وبمحاذاة الحدود الايرانية السهلة الاختراق.

وقد عمقت اعمال العنف من الانقسامات داخل الخليط السكاني للمحافظة والذي ينقسم مذهبياً بين السنة والشيعة، وعرقياً بين الاكراد والعرب.

فبين 60 هجوم انتحاري كبير تم تسجيله في ديالى منذ العام 2003 فان 23 منه نفذته نساء.

ومثل بقية ارجاء العراق، يعتقد ان جماعات التمرد تفضل النساء في مثل هذه العمليات، لانهن مبدئياً لا يجلبن الكثير من الانتباه على عكس نظائرهن من الرجال.

وتمنع التقاليد والاعراف الاجتماعية الرجال من تفتيش النساء في نقاط السيطرة. ولم تستطع عملية تجنيد الضباط النسوة في بعض الاحيان من مجاراة عملية اعداد وتجهيز الانتحاريات.

ويقول المسؤولون الامنيون بان الجماعات المتمردة مثل تنظيم القاعدة، تدير شبكات متطورة جدا من النساء المفخخات الانتحاريات في ديالى وفي أغلب الاحيان بمساعدة من نساء اكبر سناً.

ومن أشهر النسوة اللواتي كن يتعاملن في هذا الموضوع هي سميرة جاسم الملقبة بـ "أم المؤمنين" والتي اعتقلت مطلع العام 2009. وبحسب القوات العسكرية العراقية فانها استطاعت اقناع 80 امراة لتصبحن انتحاريات، حيث نفذ 28 منهن هجمات انتحارية، والكثير منهن نفذن عملياتهن خارج حدود محافظة ديالى.

وفي اعتراف مصور، قالت جاسم بان مجنداتها كن ضحايا الاغتصاب اوالعنف، واقتنعن بان تحولهن الى مفخخات انتحاريات هو وسيلة للانتقام والخلاص.

والعنكبي هي واحدة من خمس نساء قيد الحجز في الوقت الراهن من اللواتي لم ينجزن مهماتهن. وتشترك مع بقية النساء الانتحاريات في انها فقدت اقربائها الرجال في القتال الطائفي، حيث اختطفت وقتلت الميليشيات والدها واخيها في العام 2006.

وبعد موتهما أجبرت على الاقتران بأبن عمها الذي كان يعمل حداداً. وبالرغم من قولها بانها لم تكن على علم بارتباطاته بجماعات المتمردين، إلا انها كانت تعرف انه من المتشددين الدينيين.

وتقول العنبكي " كنت أحب الغناء وحلمت ان اصبح معلمة". وتابعت " لكن بعد الزواج، منعني زوجي من الاستماع الى الاغاني.

"كان يقراء القرآن كثيرا، ويقضي الكثير من الايام خارج البيت بذريعة او باخرى. وأصبحت أشعر بالوحدة".

وحين طلبت العنكبي من زوجها شراء جهاز تلفزيون، رفض قائلاً بانه يشجع على الكفر وعبادة الشيطان. وحين وجدها ذات مرة تستمع الى اغنية عربية في الراديو استشاط غضباً.

" حطم الراديو وقام بجلدي وهو يشرح لي، اثناء ذلك، كيف ان اعمالي ستدخلني الى الجهنم". قالت العنكبي.

وقد عاش الزوجان في قرية المكيسة خارج مدينة بعقوبة. ولم يرزقا باطفال، كما لم يكن مسموحاً لها بعقد صداقات، وفق ما تقوله العنكبي. وفي أحد ايام السنة الثالثة من زواجهما، أخذها زوجها الى حي الخاتون القريب من قريتهما.

قالت العنكبي " كان ذلك مثل حلم". وواصلت بان تم تعريفها الى احدى قريبات زوجها، وهي امراة في الاربعينيات من عمرها والتي عرفت نفسها باسم ام فاطمة. تبادلتا حديثاً قصيراً وقدمت للعنكبي قدحاً من عصير الخوخ والذي، حسب ما تتذكر، جعلها تشعر " بالضعف والدوران".

وبالكاد واعية بما حولها، تقول بان زوجها وام فاطمة ألبساها سترة مملؤة بالمتفجرات.

"ظل زوجي يتحدث الي عن الجهاد. تركتنا ام فاطمة في الغرفة وحدنا، وقبلني زوجي على جبيني".

وبعد تخديرها والباسها سترة ملغومة، تقول العنكبي بان ام فاطمة رافقتها الى بعقوبة، وتوجهتا الى احدى الاسواق، حيث انتهى الامر بهما الى ان يفترقا وسط الزحام.

وتقول العنكبي بانها اوقفت من قبل أحد أفراد الصحوة، وهي ميليشيا سنية انضمت الى الحكومة في قتالها ضد تنظيم القاعدة. وعندما ذكرت اسمها وقالت بانها راجعة الى بيتها، شك بها عنصر الميليشيا حيث لم يتعرف على ان عائلتها تسكن ذلك الحي.

بعدها اعلن عضو الصحوة حالة الانذار فقامت الاجهزة الامنية بتطويق المنطقة. وتقول العنكبي بانها أمرت بخلع عبائتها.

وفعلت ما امرت به وكشفت عن السترة المعبئة بالمتفجرات، كانت قد أوقفت عن الحركة نهائياً، وتم ابطال مفعول السترة الملغومة من قبل احد الخبراء.

وتصر العنكبي على انها لم تكن تعرف كيفية تفجير القنبلة، مفترضة ان ام فاطمة، التي أضاعتها وسط زحام السوق،تتحكم بالقنبلة من خلال جهاز التحكم عن بعد.

"كنت متأكدة  تماماً من انني لا احمل جهاز التحكم عن بعد. ولم يعلمني زوجي طريقة استعماله" أضافت العنكبي.

كما ان العنكبي غير واضحة حول الهدف الذي كانت تنوي تفجيره " ربما كانت العملية موجهة ضد جموع الناس في سوق ديالى، لكنها فشلت لان ام فاطة فقدتني... ولعل نقطة التفتيش كانت هي الهدف او أحد المسؤولين او القادة".

ومع ذلك تعتقد الاجهزة الامنية في ديالى بان الجهاز كان موصولاً بأداة التفجير، ولكن كانت العنكبي اما غير قادرة او غير راغبة في تفجيره.

وتقول التي كانت ستصبح انتحارية بانها لم تكن تتصرف وفق مشيئتها، ولا تريد نساء اخريات ان يتبعن الطريق الذي سلكته.

"لم اكن اعرف ماذا يجري" قالت العنكبي، واوضحت بانها الآن تشعر "بالخجل والندم".

وتابعت بقولها " اناشد اي امراة بان تفكر الاف المرات قبل ان ترتكب مثل هذا العمل. وهذا الامر هو عكس ديني الذي اؤمن به، والذي يدعو الى الحب والتسامح".

وقد القي القبض على ام فاطمة وزوج رانيا العنكبي بتهم الارهاب. ومازلا رهن الحبس. كما وتم اعتقال ام رانيا لكن اطلق سراحها لاحقاً.  

وانخفض عدد الهجمات الانتحارية التي تنفذه النساء خلال السنوات القليلة الماضية، ويعود السبب، جزئياً، الى تجنيد الضباط النسوة اللواتي يقمن بالتفتيش في نقاط السيطرة.

وتقول وجدان عادل، رئيسة كتيبة النساء المجندات في الاجهزة الامنية في ديالى، بان العديد من الضابطات في كتيبتها يعملن بشكل سري. 

واوضحت عادل "بناتنا يعملن كعميلات سريات، ويقمن بذلك سراً في المتنزهات والاسواق والاماكن المزدحمة. وكما انهن يشاركن في الغارات التي تشنها الاجهزة الامنية".

ويقول العقيد جليل الجبوري من قوة شرطة ديالى، بان الدافع وراء تحول النساء الى مفخخات انتحاريات هو " الانتقام والفقر وقلة الثقافة والوعي الديني".

واضاف الجبوري، تم اقناع الكثير من النسوة بان يعتقدن بصورة لا تقبل الشك، ان الجنة ستكون مثواهن جزاءاً لاعمالهن.

علي محمد، صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام.

Iraq
Conflict
Frontline Updates
Support local journalists