هويات ودوافع المعتدين على بنك بغداد مازالت مجهولة

شكوك وتناقضات عقب الاعتداء على مركز مالي عراقي.

هويات ودوافع المعتدين على بنك بغداد مازالت مجهولة

شكوك وتناقضات عقب الاعتداء على مركز مالي عراقي.

بقلم/ عبير محمد

17 حزيران – يونيو 2010

كان عمال الاطفاء لم يزالوا مشغولين عقب يوم من الاعتداء على البنك المركزي، حيث كانت وجوههم ملطخة بالسواد وخراطيمهم موجهة نحو البناية المشتعلة. كان الماء يتدفق في داخل البناية والدخان ينبعث منها.

وسط ضجيج الزحام وتدفق ماء الخراطيم ، كانوا يعملون بكل هدوء. حيث كانت الارض من حولهم موحلة والحيطان لم تزل منقوعة بالمياه، كما لو ان عاصفة مطرية عصفت بالمكان.

وبالرغم من سطوع الشمس المتوهجة في بغداد، الا ان المنظر يوحي كما لو ان الشتاء قد عاد الى شارع النهر.

كانت بقع الدم لم تزل تلطخ الرصيف عقب المجزرة التي حدثت في اليوم السابق. حيث اقتحم رجال مسلحين بزي عسكري البنك يوم الاحد بعد الظهر المصادف الثالث عشر من حزيران وهم يحملون معهم متفجرات.

فجر بعض المسحلين انفسهم ، بينما اخذ الاخرون رهائن واختبئوا داخل البناية. وفي نهاية الحصار الذي استمر حتى وقت متاخر من عصر ذلك اليوم ، قتل مالايقل عن 25 شخص بالاضافة الى احتراق بعض الاجزاء من البنك.

وصف المسؤولون الاعتداء بالهجوم الارهابي، يقوده متمردون من عناصر القاعدة. بينما قال الاخرون بانه كان محاولة سرقة.

يستدعي كلا التوضيحين اسئلة اخرى. فبالرغم من استخدام انتحاريين ، الا ان الهجوم لايشبه الهجمات السابقة التي يشنها المتمردون السنة، والتي يسعون فيها الى قتل اكبر عدد من الضحايا باسرع مايمكن.

كما ان الاعتداء لايتلائم مع نية السرقة. حيث قال المسؤولون بانه لم يتم سرقة اية مبالغ نقدية اثناء السرقة.علاوة على ذلك ، فان الطريق المؤدي الى البنك محمي بمئات الرجال. توجد في الشوارع المحاذية اهداف اسهل للمعتدين بضمنها محلات صغيرة ومجوهرات.

وهكذا فانه اي من النظريات المطروحة حول الاعتداء لاتنعكس بشكل ايجابي على القوات الامنية العراقية.

هذ وقد تزايدت الشكوك حول اداء القوات الامنية بقرب حلول الموعد المحدد لانسحاب الجزء الاكبر من القوات الاميركية في وقت لاحق من الصيف الحالي، بالاضافة الى فشل القادة العراقيين رغم مرور فترة طويلة على تشكيل حكومة بعد مرور ثلاثة اشهر على العلملية الانتخابية التي لم تحسم بعد.

 

يقول ابراهيم الصميدعي ، احد المحليلين السياسيين : " يؤشر هذا الاعتداء عدم قدرة القوات الامنية العراقية على تسلم المشؤولية الكاملة للامن". واضاف بان النظريات المطروحة حول الاعتداء تبين ان هنالك " قلة تنسيق وتفاهم".

 

ويواصل القول " تدار مؤسساتنا الامنية من قبل الساسة الذين هم في صراع مع بعضهم البعض، وبالتالي فان الاختلافات فيما بينهم ستنعكس حتما على القوات الامنية".

 

خارج مبنى البنك وفي عصر يوم الاثنين المصادف الرابع عشر من حزيران ،ظهرت على السطح تناقضات اخرى. حيث اصر احد الجنود في احدى نقاط التفتيش في شارع الشورجة بانه تم اخماد جميع الحرائق.

 

كان عمال الاطفاء مازالوا منهمكين في عملهم الشاق ، على الجانب الاخر من المبنى في شارع النهر.

 

حيث كان احد رجال الاطفاء يحث زملائه على الاسراع بالعمل مرتديا حذاءا مطاطيا مغطى بالوحل. حيث قال " لقد حل المساء ولم نتناول طعام افطارنا لحد الان".

 

ولدى سؤاله عن توقعاته حول وقت الانتهاء من المهمة اجاب " من المحتمل ان ننهي العمل الليلة ان كنا محظوظين- او غدا صباحا".

 

روايات مختلفة

 

في حديث له مع معهد صحافة الحرب والسلام ، قال اللواء قاسم عطا ، قوات قوات عمليات بغداد المسؤولة عن حفظ الامن في العاصمة ، بان البنك محاط بنقاط التفتيش ومحمي بعدة ضباط يعملون تحت امرته.

 

انضم في الثالث عشر من حزيران اكثر من 1000 من افراد الامن من عدة وحدات الى الحراس المتواجدين لحماية البنك ضد المعتدين على حد قول عطا.

 

كما اعلنت قيادة عمليات بغداد ، في استجابة لنداء رئيس الوزراء نوري المالكي، بفتح تحقيق في الاعتداء الحاصل.

 

وعلى غرار ذلك ، فقد قالت وزارة الداخلية التي يقودها ساسة تنافسوا مع المالكي في الانتخابات الاخيرة، بانها ستفتح تحقيقا في الاعتداء. ومن المتوقع ان تقدم وزارة الامن الوطني تقريرا حول الهجمات ايضا.

 

تشير التصريحات الاولية للقوات الامنية بانه تمت مهاجمة البنك من قبل سبعة رجال ، والذين لقوا حتفهم جميعا في النهاية. اما التقارير اللاحقة فقد اشارت بانه من المحتمل ان يكون عدد المهاجمين اكثر، وان بعضهم قد هرب ايضا.

حيث يقول عطا في مقابلة له في الخامس عشر من حزيران: " قتل سبعة من المسلحين ، وتم اعتقال اربعة منهم، ويحتمل ان يكون الاخرين قد هربوا. لاتتوفر لدينا معلومات كافية ن العدد المضبوط للمجموعة غير اننا سنعرف ذلك قريبا".

اما شهود العيان الذي التقاهم معهد صحافة الحرب والسلام فيقولون بانه مالايقل عن 14 شخصا شاركوا في الاعتداء، مستهدفين مدخلي البنك على شكل فريقين من سبعة اشخاص .

بالقرب من مدخل البنك في شارع النهر ، يقول بواب في الخمسين من عمره يلقب نفسه بابو شهاب، بانه شهد بداية الاعتداء.

حيث يصرح " توقف سبعة رجال يرتدون الزي العسكري لتنازل الغداء في مطعم الكباب".

ومضى ابو شهاب بالقول مشيرا الى بعض بقع الدم الموجودة على الرصيف، " بعد الانتهاء من تناول طعامهم ، اردوا احد الشباب هنا". " لم يحاول التكلم معهم او ايقافهم. لقد اردوه لاخافة الناس فقط".

وواصل ابو شهاب القول بانهم حالما اقتربوا من البنك فجر احدهم نفسه بالقرب من المولدة ليضرم النيران فيها . اما بقية الرجال فتوجهوا الى داخل البناية.

وبعد ذلك بمدة قصيرة ، يقول ابو شهاب بانه شاهد رجلا بزي ضابط شرطة يدخل الى البناية ، برفقة اربعة رجال اطفاء. بعد ذلك سمع ابو شهاب بانه تم قتل اربعة رجال اطفاء داخل البنك على يد رجل بزي عسكري.

اكد رجلين كانا قريبين من مسرح الحادث اقوال ابو شهاب ، حيث قالوا بانهم شهدوا الاعتداء.

يقول حسام حمودي الذي يمتلك متجرا لبيع الملابس بالقرب من المدخل الاخر للبنك من جهة شارع الشورجة، بانه قد راى سبعة رجال ايضا يهاجمون البنك، حيث فجر احدهم نفسه عند البوابة.

ويواصل حمودي القول " بعد ذلك ، اتخذ المسلحون مواقع قناصة على سطح البنك وبداوا بالرمي على القوات الامنية" ..." ومن ثم وصلت الهليكوبترات واستمرت المعركة حتى حلول الظلام". اكدت مجموعة من الرجال كانت تجلس مع حمودي روايته.

نظرية المتمردين

قالت امراءة تعمل في البنك بانها سمعت صوت عيارات نارية وانفجارات عند الساعة الثانية والنصف بعد الظهر.

حيث صرحت " ذهب احد زملائي ليرى مالذي يحدث بالخارج. حيث سمعنا مزيدا من العيارات النارية. غير انه لم يعد. بعد ذلك وجدناه مقتولا ".

تقول المراءة التي طلبت عدم ذكر اسمها لمخاوف امنية ، بانها بقيت في مكتبها حتى الساعة الخامسة والنصف مساءا.

وتواصل المراءة القول " نسيت حقيبتي هناك. فقد كنت مرتعبة". وبينما عاودت الحضور يوم الرابع عشر من حزيران لتستعيد حقيبتها تقول بانها تلت اتصالا هاتفيا من احد زملائها بانه لن يكون هناك احد للعمل ، لبقية الاسبوع عل الاغلب.

وعلى اية حال فقد اصر احد الموظفين القدامى في البنك تمت مقابلته يوم الرابع عشر من حزيران بان العمل عاود نشاطه المعهود هناك.

حيث اخبر معهد صحافة الحرب والسلام السيد مظهر محمد صالح الذي يشغل منصب مستشار البنك المركزي ورئيس مديرية الاحصاء هناك " هناك بعض الاضرار التي لحقت بالبنك، ليست جديرة بالذكر، والموظفون يعملون هناك في هذه اللحظة".

وحين تم اخباره بان البنك يبدو مقفرا في يوم الرابع عشر من حزيران قال " لايعد بقاء بعض الموظفين الاقل اهمية في البيت لفترة مؤقتة مشكلة".

ويواصل " لاتمثل الاجزاء المتضررة من البنك قلب النظام العراقي المالي"..." فكل ماهو مهم تمت حمايته".

وفي مقهى قريب من البنك ، اتفق مجموعة من الشباب على ان الهجوم نفذ من قبل قوات القاعدة.

حيث اتفق الشباب الذين كانوا يجلسون امام واجهات المحلات لشرب النركيلة او التدخين بان الاعتداء نفذ من قبل القاعدة.

يقول قاسم محمد ، وهو شاب في نهاية العشرينات من العمر ويملك محلا قريبا للملابس هناك : لااعتقد ان الهجوم كان بدافع السرقة"..." حيث لم ينهب هذا البنك حتى ي فترة الحواسم". يستخدم العراقيون مصطلح الحواسم للفترة التي عقبت الغزو الاميركي للعراق عام 2003 حيث اتسمت بالفوضى العارمة.

وبينما كان محمد يتحدث ، مر رجل يرتدي زيا عسكريا وابتسم للمجموعة. فقال محمد " اعرف ذلك الرجل ، فنحن نثق به" ... "انه ليس انتحاريا".

كتابة :  عبير محمد ، المحررة المحلية  لمعهد صحافة الحرب والسلام في بغداد.  التحرير بقلم نيل ارون ، محرر معهد صحافة الحرب والسلام لمواضيع الازمة العراقية في بغداد.

ترجمة : فرح علي

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists