اغتيال المراسلين

صحفيو معهد صحافة الحرب والسلام كانو ضمن خسائر تصاعد العنف الطائفي. لكنهم أصروا على الاستمرار في عملهم.

اغتيال المراسلين

صحفيو معهد صحافة الحرب والسلام كانو ضمن خسائر تصاعد العنف الطائفي. لكنهم أصروا على الاستمرار في عملهم.

Monday, 18 September, 2006
- اترك الصحافة وألا سيقطع رأسك-. تجاهل مراسل معهدنا هذا التهديد الذي وصله على تلفونه المحمول وواصل عمله- لكن تبعت ذلك تخويفات-تهديدات- كثيرة.



في مدينته- الحويجة- التابعة الى محافظة كركوك- اعتاد الناس التعامل بجدية تامة مع مثل تلك التهديدات، لان المدينة تمثل احدى معاقل المسلحين من السنة الذين غالبا ما يهاجمون القوات العراقية و متعددة الجنسيات.



اجبر العنف الكثير من اهالي المدينة على ترك المنطقة.



كانت زوجة المراسل قلقة على زوجها من ان يغتاله المسلحون او يموت في حادث تبادل اطلاق نار اثناء تغطيته للاحداث، وتمكنت اخيرا من اقناعه بترك المكان ايضا. جمعوا حقائبهم وذهبوا الى مكان اخر اكثر امنا في الجنوب.



قال مراسل المعهد" اتهمتني رسالة التهديد بالطائفية مع انني ليس لي ارتباط باي حزب سياسي، بل اعمل فقط مع معهد صحافة الحرب و السلام (IWPR)".



يواجه المراسلون في العراق مخاوف حقيقية بشكل متواصل وغالبا ما يجازفون بحياتهم لتغطية الازمات السياسية والامنية. وقد قتل منهم خلال الثلاث سنوات الاخيرة ما فاق عدد من قتل من الصحفيين في حرب فيتنام التي استمرت 20 عاما.



وبحسب منظمة حماية الصحفيين التي مقرها في نيو يورك، فان 77 مراسلا قتلو في العراق اثناء تأدية عملهم منذ نيسان 2003 ، بينهم 56 من العراقيين.



بحسب وكالة مراسلين بلا حدود، ان اكثر من 100 عضو من العاملين في حقل الاعلام قتلوا في العراق بين آذار 2003 وآب 2006.



رغم استمرار تصاعد العنف، فقد استمر المعهد بتدريب الصحفيين ونشر اعمالهم. يقول متدربو المعهد في العراق انهم مصممون على تطوير مهاراتهم ونشر اعمالهم اسبوعيا. حيث يعتقدون انهم يساهمون في نشر فهم افضل لطبيعة الصراع الدائر.



لكن عليهم توخي الحذر الكبير حين يكونون خارجا في مهمة بسبب تنامي المخاطر، وانهم احيانا لا يستطيعون انجاز المهمة بسبب قناعتهم ان الظرف خطر جدا.



لقد تخرج من المعهد الكثير من المتدربين خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث ان للمعهد الان شبكة من المراسلين الذين يرفدوها أسبوعيا بكتابة المواضيع لتقارير الازمة العراقية حتى وان كان الظرف الأمني يجعل من عمل الصحفيين مجازفة وتحدي.



"لحسن الحظ، بعد ثلاث سنين من التدريب، اصبح لدينا مراسلين في كل انحاء العراق. فان احتجنا الى شيء من الرمادي حيث لا يجرؤ احد من المراسلين الذهاب الى هناك، فاننا نتصل بواحد من داخل المدينة حيث يمكنه التحرك هناك بحذر شديد وتزويدنا بالمعلومات" قال سوزان فيشر مديرة المعهد في العراق.



"وايضا استطاع المراسلون تنظيم شبكة جيدة فيما بينهم ومساعدة احدهم الاخر كلما كان ذلك ممكنا. اذا سمعوا ان هناك خطرا وشيكا، فانهم يتبادلون المعلومات ويحذر بعضهم الاخر.



معظم مراسلو المعهد تمكنو من النجاة من اعمال العنف والتخويف، لكن البعض الاخر وقع ضحية لذلك مع الاسف.



فقبل اسبوعين مضت، وجد المتدرب السابق اياد نصيف،34، مقتولا في بغداد. عمل نصيف للعديد من الصحف العراقية والمؤسسات الصحفية. فقد التحق في خريف 2004 بإحدى الدورات التي اقامها المعهد في السليمانية.



تم اختطاف نصيف في شارع فلسطين في بغداد في تموز ولم يعرف عنه شيء بعد ذلك. ووجدت جثته قرب المكان الذي اختطف منه ، وكان مخنوقا.



يقول زملائه انه لم يأبه بكل التهديدات التي استلمها والتي تطلب منه ترك العمل في الصحافة.



يحث مرصد الحريات الصحفية الذي مقره بغداد، وهو منظمة عراقية تتابع كل اعمال العنف التي تمارس ضد الصحافة العراقية، الحكومة على " الايفاء بوعودها بحماية العاملين في الوسط الإعلامي وبمتابعة اولئك الذين يستهدفون الصحفيين".



الخاطفون والمسلحون ليسوا هم الخطر الوحيد على الصحافة العراقية.



في 26 اذار من عام 2006، اغتيل المراسل كمال عنبر،28، خلال غارة مثيرة للجدل بين الأمريكان والجنود العراقيين على جامع في منطقة شيعية في حي اور ببغداد.



كان كمال يعد لمقالة عن العوائل المهجرة بسبب العنف العرقي ، وكان في طريقه الى الجامع لاجراء مقابلة حين بدأ الهجوم. اصيب كمال بعدة اطلاقات في وجهه ورقبته ومات في المكان ( تقرير الازمة العراقية المرقم 171 في 5 نيسان 2006).



قال احد المراسلين من بغداد انه من الصعب على الصحفيين العمل بحرية في بغداد لان البلد "تطغى عليه الطائفية".



كان يرغب ان يكون صحفيا من اجل ان" يعكس الحقيقة ويظهر معاناة الناس". لكنه الان لا يجرؤ ان يخبر الناس من هو واين يعمل.



واضاف" تقتل الميليشيات وتعتقل الناس بسبب كونهم اما سنة او شيعة. ان أظهرت لهم هوية الصحافة، سيقتلوني في الحال لانهم سيتهمونني بالتعاون مع الاجنبي".



حين سيطر جيش المهدي- وهو الميليشيا التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر- على منطقته، فر مراسل المعهد الى كربلاء.



ثم عاد الى العاصمة بعد شهر لكنه مازال متخفيا عند بعض الاقارب.



وقال "انا محبط.لقد وعدونا بالحرية والديمقراطية، لكن الواقع هو العكس تماما".



رغم الصعوبات التي يواجهها، استمر المراسل في الكتابة ولكن بحذر شديد.



"لا اثق حتى بالجيش والشرطة العراقية" قال ذلك بعد رؤيته قوات الامن العراقية والميليشيا يطاردون المدنيين الخائفين في احدى مناطق بغداد.



هرب مراسل اخر للمعهد من بغداد الى احدى المحافظات الشيعية بعدما حذره احد المسئولين في الحكومة ان اسمه على قائمة المطلوبين من قبل احدى المجموعات المسلحة في منطقته. ويقول انه لايزال يشعر بعدم الامان بسبب المواجهات بين مختلف الاطياف الشيعية في المنطقة التي يعيش فيها الان.



الأمن سيء في معظم المحافظات السنية في وسط العراق. في بعقوبة، مركز محافظة ديالى، يجعل تصاعد العنف مهمة الصحفيين مستحيلة. تم اغتيال مشؤول القاعدة في العراق ابو مصعب الزرقاوي في غارة امريكية على بعد عدة كيلومترات من بعقوبة في حزيران 2006.



قال مراسل المعهد المقيم في بعقوبة"الوضع خارج نطاق السيطرة والحكومة موجودة فقط على شاشات الفضائيات بينما الحقيقة ان الميليشيات المرتبطة بدول الجوار هي التي تدير الامور وتهدف الى عدم استقرار العراق".



عندما يسأل عن عمله، ينكر انه يعمل في الصحافة بعد ان نجا من الموت على ايدي المسلحين. لم يعد الصحفي ،الذي فقد اثنين من اقريائه في اعمال العنف، يخرج من البيت هذه الايام، ولا يعلم ان كان باستطاعته تحمل المزيد من الضغط لفترة اخرى.



واضاف" افكر بترك مهنة الصحافة والبحث عن وظيفة اخرى".



لكن مزاج التحدي هو السائد بين معظم مراسلي المعهد.



قالت المجموعة التي تتدرب الان في السليمانية" تركنا العمل يعني انتصار الذين هددونا. سوف لن نسمح بحدوث ذلك".



عاكسا وجهة نظر زملائه، قال المراسل الذي ترك العاصمة وذهب للعيش في احدى المحافظات الشيعية"انا اثق بالصحافة. علينا ان نكون مخلصين ونستفيد مما تعلمناه".



يقدم برنامج تدريب المعهد في السليمانية، التي تخلو من العنف السائد في معظم مناطق العراق، للمراسلين من مختلف انحاء العراق دورات في الصحافة، وتوفر لهم بعض الراحة من الصراع الدائر وفرصة لشحن بطارياتهم وتجديد نشاطهم.



قالت احدى المراسلات في بغداد" بعد كل دورة تدريبية في المعهد حيث يجلس الكرد، السنة، والشيعة سوية في الفصل الدراسي،اعود الى بغداد بآمال جديدة كوننا نحن العراقيين لا زال بامكاننا العيش سوية بسلام".



نصر كاظم: مراسل معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد. محرر اللغة العربية في السليمانية فرهاد مراسل شارك في اعداد هذا التقرير. كل الاقتباسات هي لمراسلين يعملون او سبق لهم العمل مع المعهد.
Iraq
Frontline Updates
Support local journalists