أولاد مشردون في شوارع بغداد
ان اليتامى الذين فروا من ملاجئ الأطفال يحتالون للعيش عيشة الكفاف في شوارع العاصمة
أولاد مشردون في شوارع بغداد
ان اليتامى الذين فروا من ملاجئ الأطفال يحتالون للعيش عيشة الكفاف في شوارع العاصمة
تقف صفاء البالغة من العمر (7) سنوات لتبكي يومياً عند تقاطع شوارع البياع وسط بغداد وهي تتسول النقود من السواق الذين يتوقفون بسياراتهم عند الاشارات المرورية.
وتركض صفاء وسط الزحام بقميصها الأحمر الذي استحال لونه الى الأسود بسبب تراكم القذارة. وقد تشققت قدميها الحافيتين وجفت عليهما الدماء.
كانت تلقي بنفسها على نوافذ السيارات وهي تردد "اعطني (250) ديناراً, اعطني (250) ديناراً".
وكان كاظم العبيدي وهو في منتصف العمر تفوح منه رائحة الخمر ويدعي أنه والدها، يراقبها عبر الشارع قائلاً "عندما يشاهدون الطفلة تبكي، يعطونها المزيد من النقود".
وتقول صفاء أنه لا يمت لها بأية صلة قرابة ولكنها عند وقت الغداء تأخذ فترة استراحة، وتعطي ما حصلت عليه من نقود خلال النهار الى العبيدي الذي اشترى لها صمونتين بالفلافل، فتسند جسدها على السياج الحجري للشارع وتأكل الصمونتين. وبعد ساعة تعود الى العمل من جديد.
ان مجموع ما تحصل عليه صفاء قد يصل الى (15) ألف دينار يومياً. يعطيها العبيدي (2500) ديناراً من المبلغ ويحتفظ بالباقي مقابل منحها مكاناً تنام فيه في الغرفة التي يحتلها بشكل غير شرعي من بناية حكومية سابقاً.
وتقول "ان العبيدي ينفق بقية النقود في شراء البيرة والخمرة".
صفاء هي واحدة من مئات من ألاطفال الذين ظهرو في شوارع بغداد منذ سقوط نظام صدام حسين.
كانوا سابقاً يعيشون في ملاجيء الأيتام والمعاهد الأخرى، وكان الأولاد قادرين على الهرب من الحجز بعدما رحل حراسهم.
كانت نور البالغة من العمر (13) سنة تعيش سابقاً في ملجأ الرحمة في مدينة الصدر الفقيرة شمالي شرق بغداد. أما الآن فهي حامل في شهرها السادس تمضي أيامها في شارع أبو نواس على امتداد نهر دجلة.
وقالت "لا أعرف من هوالأب، فقد نمت مع العشرات من الرجال طلباً للمال ومن أجل حريتي، عندما كنت في الملجأ لم تكن لدي حرية و اتعرض للضرب طول الوقت. هذه الحياة أفضل".
وتنفق نور الكثير من وقتها ثملة جراء استنشاقها لأبخرة طلاء الخشب "الوارنيش" الذي تشتريه من محل أبو زينب في منطقة البتاويين وسط بغداد.
وتنام في أحد بيوت الدعارة الصغيرة او في الفنادق الرخيصة المصطفة خلف الأزقة الضيقة لمنطقة البتاويين حيث يختلط الهاربون من الملاجيء، كما يقول اصدقاء نور، مع النزلاء السابقين في سجن أبو غريب الذين أطلق صدام سراحهم في شهر تشرين الأول/2002.
أما الأطفال الهاربون الآخرون فانهم يسلكون طريقاً مختلفاً.
يجلس ابراهيم البالغ من العمر عشر سنوات مع مجموعة من أصدقائه في حديقة مهملة على امتداد شارع أبو نواس، يتشاركون في قدر مملوء بالوارنيش اشتروه من محل أبو زينب. يغمس واحد بعد الآخر خرقة في السائل ثم يقوم باستنشاقه. وبعد ذلك مباشرة يأخذون بالهذيان, ويبدو أنهم يدخلون في عالم آخر.
على الرغم من أن بعض أصدقاء ابراهيم يتسولون فقد اختار هو العمل مع عصابة يقودها أحمد الواوي في البتاويين. ويقول ان العصابة تستخدمه لتلبية حاجات أفرادها اليومية مقابل مكان ينام فيه ويشاهد قنوات التلفاز الفضائية.
ويقول ابراهيم "يعطيني احمد الواوي ما لا يستطيع ملجأ الرحمة ان يقدمه لي. ان هذه الحياة أفضل من الملجأ الذي لن أعود اليه مهما حدث لأنني أتمتع بالحرية".
في هذه الأثناء فان مراد أبو زينب وعمره (32) سنة، يقف وراء منضدته بينما يلوح الأولاد له بورقتين من فئة (250) ديناراً هو سعر الجرعة اليومية من الوارنيش.
وقال "ان هذا السائل يستخدم في طلاء الخشب وفي استخدامات صناعية أخرى ولا يهمني ان استخدمه الأولاد كمخدر. الشيء الهام بالنسبة لي هو القيام بعملي".
وعبر المدينة، وفي أرض زراعية مليئة بالقمامة والاوساخ على حافة مدينة الصدر، كان باقر أبو جاسم مدير ملجأ الرحمة للأطفال، يجلس في مكتب صغير تلاشى الطلاء من سقفه، وكانت النافذة الوحيدة في الغرفة مغطاة بالنايلون بدل الزجاج.
وذكر أبو جاسم "كان الأطفال في زمن صدام يتعرضون للضرب والاغتصاب على أيدي الحراس والمعلمين في الميتم. وكان أحد المعلمين يأخذ الفتيات الجميلات الى مدينة العوجة للعمل في قصر عدي صدام حسين".
ويقول أبو جاسم أنه على الرغم من ان معظم أفراد الملاك قد استبدلوا منذ ذلك الحين، فان الأطفال لاسيما البنات منهم قد ظلوا خائفين من العودة.
ومن بين مجموع قدره (500) طفل كانوا ساكنين في الملجأ قبل الحرب، فقد عاد منهم (86) فقط، وبعض هؤلاء هربوا مرة أخرى بعد مداهمة العصابات للمكان.
ومثل العديد من المعاهد العامة في مدينة الصدر، فان ملجأ الرحمة يحظى الآن بحماية الجامع في المنطقة، كجزء من نشاط الحركة الشعبية التي أسسها آية الله محمد صادق الصدر قبل اغتياله في مدينة الصدر الفقيرة التي سميت باسمه.
ان أتباع الصدر الذين يطلقون على أنفسهم اسم "الحوزة" داهموا بيوت الدعارة في البتاويين وأعادوا بعض الهاربين. ودفعوا كذلك رواتب موظفي الملجأ. وقال أبو جاسم "لا أحد يقدم مثل هذه المساعدة غير الحوزة". ولكنهم ما يزالون يحدون من حرية حركة النزلاء.
وقال "نحن لا نسمح أبداً لأية أمرأة بالمغادرة دون موافقة. وتخرج فقط من أجل التسوق أو أي شيء مشابه". وربما مرة كل شهرين تذهب النساء الى السوق لشراء الملابس وبرفقة أحد الموظفين.
وتدافع سهام حسن عن هذه الرقابة وهي نزيلة عمرها (19) سنة تعيش في ملجأ الرحمة منذ ان كان عمرها أربع سنوات، قائلة ان الوضع هنا لا يختلف كثيراً عن الحياة في عائلة محافظة عادية.
وقالت "ان المرأة العراقية لا يمكنها مغادرة البيت دون موافقة أبيها وأمها". مضيفة ان "المسؤولين في الملجأ هم مثل أبي".
وتتوقع سهام ان تعيش في الملجأ حتى يحين زواجها الذي ستساعد الحوزة على ترتيبه. وقالت "انه مكان جيد بالنسبة لي. وحياة طيبة وان العديد من صديقاتي قد تزوجن من أناس آخرين".
*عقيل جبار ـ بغداد