الفلوجة تتحدى التحالف

لقد كشف مقتل أربعة مدنيين أمريكان والتمثيل بجثثهم عن فقدان التحالف للسيطرة على المدينة

الفلوجة تتحدى التحالف

لقد كشف مقتل أربعة مدنيين أمريكان والتمثيل بجثثهم عن فقدان التحالف للسيطرة على المدينة

Tuesday, 22 February, 2005

على الطريق خارج الفلوجة توقفت أربع سيارات عند حاجز للشرطة, وخرج منها مجموعة من الرجال يحملون قاذفات صواريخ "آر بي جي". كان صوت أحدهم يرتفع قائلاً للضباط "اتركوا المنطقة, سنهجم على الجيش الأمريكي ولا نريد ان نراكم هنا. واذا رفضتم ذلك, سنقتلكم".


أما في داخل الفلوجة, وبينما كان أحد الصحفيين يغادر مقر وحدات الدفاع المدني, وهي قوات شبه عسكرية شكلت تحت اشراف الأميركان لمقاتلة المتمردين, بادره بالكلام رجل كان يراقب البناية عبر الشارع وسأله " هل أخبروك أي شيء عن المقاومة؟ لقد أبلغنا رجال الدفاع المدني بان لا يتعاونوا مع الأجانب, ولا يقدموا معلومات لأي أحد".


ان فقدان التحالف للسيطرة على الفلوجة قد تكشف يوم 31/آذار بعد قيام المتمردين في مركز المدينة بقتل أربعة مدنيين أمريكان, وجرى اشعال النار في جثثهم التي سحلت في الشوارع ثم علقت على أعمدة الجسر الرئيس لمدة (12) ساعة.


وقد أثارت الصور التي التقطها أحد المصورين لهذه الحادثة الغضب في الولايات المتحدة.


وتعهد العميد مارك كيميت نائب مدير العمليات الأمريكي بالعودة الى الفلوجة "في الوقت والمكان اللذين نختارهما" لمعاقبة المسؤولين عما وقع.


وقد دان وجهاء الفلوجة الذين التقاهم معهد صحافة الحرب والسلام عملية التمثيل بالجثث وكذلك فعل المتمردين انفسهم في بيان أصدروه بهذا المعنى.


ومع ذلك, فان العديد من المدنيين صرحوا بدعمهم للمتطرفين الذين قالوا أنهم يقاتلون من أجل إبعاد الأميركان عن مدينتهم.


ان الفلوجة مدينة محافظة ذات غالبية سنية تقع غربي بغداد, وكانت في السابق الأرضية التي تغذي بالرجال حرس صدام الجمهوري وبقية الدوائر العسكرية السياسية والاستخباراتية.


وظلت المدينة قاعدة للهجمات المناهضة للتحالف منذ المظاهرة التي حدثت في نيسان وقتل فيها (15) مدنياً في الأقل من أبنائها على أيدي القوات الأمريكية. وذكر التحالف في حينها ان رجاله كانوا يردون على النيران التي أطلقها المتظاهرون.


ومن أكثر الأحداث إثارة في المدينة, هي عملية اقتحام المتمردين لمركز الشرطة الرئيس في المدينة في شباط مما أدى الى مقتل (22) رجلاً من الشرطة.


ويقول التحالف أيضاً ان المدينة تحولت الى منطقة انطلاق للإسلاميين من غير العراقيين الذين يأتون من سوريا عبر وادي الفرات.


وقد تسلمت قوات مشاة البحرية مؤخراً مسؤولية المدينة من اللواء (82) المحمول جواً.


وقال مشاة البحرية انهم سيعززون وجودهم داخل المدينة لينفذوا عمليات مضادة للمتمردين ولاعادة الإعمار بهدف انهاء الفوضى وبناء علاقات انسجام مع السكان المحليين.


ويبدو ان الجولة الحالية من العنف قد تزامنت بالضبط مع وصول جنود البحرية وهم يحاولون تطبيق وممارسة هذه المبادئ.


وقبل يوم من مقتل المقاولين الأربعة, اكتسح جنود البحرية حي العسكري قبل الفجر مما ادى الى اشتباكهم مع المتمردين طول ليلتين في معارك بدأت من الساعات الأولى لصباح يومي 25 و26 من آذار.


وعلى وفق ما ذكره مسؤولو الدفاع المدني, فقد قتل (9) مدنيين من بينهم صبي في الحادية عشرة من عمره, وسائق سيارة اسعاف ومصور محطة تلفاز عراقية مستقلة, بينما جرح (25) شخصاً في مداهمات ليلية متفرقة قامت بها القوات الأمريكية.


وأعلن التحالف عن مقتل جندي من البحرية في القتال.


وفي منتصف ليلة يوم 25 آذار, دخلت القوات الأمريكية الى الحي مترامي الأطراف بأرضه المنخفضة وبيوته المسورة.


وقال قيصر علوان أحد سكنة حي العسكري "ان القوات التي دخلت المدينة لم تكن اعتيادية, انه جيش كامل, حيث قامت الدبابات الأمريكية بقطع الطرق الرئيسة وكذلك الطريق السريع ووجهت أسلحتها نحو المدينة".


وأضاف " ان المجاهدين ـ المتمردين ـ راقبوا القوات الأمريكية وانتشروا عند تقاطعات الطرق الداخلية".


وقال جاسم محمد صاحب, وهو كذلك من سكنة الحي "أطلق المجاهدون قذائف صاروخية واستخدموا المدافع الرشاشة, فيما ردت القوات الأمريكية بإطلاق النار عشوائياً".


وشعر سكان الحي بالغضب من التحالف الذي جعل من حيهم ميدان معركة, اضافة الى اعتقال الأهالي المشتبه بانهم مسلحون".


وقال العجوز خالد العيساوي من سكنة المنطقة "ان الأهالي غاضبون لأن الأمريكان استخدموا الطائرات وقصفوا المدنيين بشكل عشوائي واعتقلوا الناس دون تمييز, ويعود الفضل في هذا الى مخبريهم الذين يزودونهم بالمعلومات الخاطئة".


وقتل يوم 31 آذار خمسة من جنود البحرية عندما ضربت سيارتهم الهامر عبوة ناسفة على جانب الطريق خارج المدينة.


وفي اليوم نفسه هاجم مسلحون داخل المدينة سيارتين تحملان مقاولين من الأمن العسكري على الطريق الرئيس للفلوجة, وتمكنوا من قتل أربعة منهم في الأقل.


ويقول عامل المسطر سلام هاشم انه كان أحد ركاب السيارة التي كانت تقف خلف سيارات المقاولين عندما تعرضت للهجوم. كان المقاولون ينتظرون اشارة المرور عند تقاطع الطريق عندما تقدم نحوهما رجلان من مقاتلي المقاومة من ناحية اليسار, واستخدما أسلحة خفيفة بعد ان اقتربا من السيارات كثيراً حتى لا يصيبوا الآخرين. وحاولت احدى السيارات اجتياز الحاجز للهرب, ولكنها اصطدمت بسيارة أخرى كانت متوقفة, فلاحقها أحد المهاجمين وأطلق النار على السائق.


ثم تقدم المقاتل الى جانب السيارة وأطلق النار على الشخص الثاني, وكانت امرأة, وحاولت فتح النافذة لتستخدم المسدس, لكنها لم تستطع ذلك قبل ان يطلق المتمرد النار عليها.


وعلى وفق ما ذكره مصدر من الدفاع المدني, الذي فضل عدم ذكر اسمه, ان المتمردين انسحبا بعد الهجوم. والقى هذا المصدر مسؤولية عملية التمثيل على مجموعة من عمال المسطر الذين كانوا يقفون على جانب الطريق ينتظرون من يستخدمهم للعمل.


وذكر التقرير ان العمال بعد الهجوم تجمعوا حول الجثث وأخذوا يقطعونها بمساحيهم وفؤوسهم, ووضعوا أشلاء ألأجساد مع الحجارة لتصبح ثقيلة ورموها عبر خط الكهرباء.


وردد العمال أغنية تمجد انتقامهم "أين يفر من هو مطلوب لنا".


ان تلك الحادثة جرت على بعد (100) كلم من مركز شرطة المدينة. وقال أحد ضباط الشرطة المحليين "عندما هرع رجال الشرطة للمساعدة, صاح الناس "انهم عملاء" ورموهم بالحجارة والأحذية. ثم حملت الجثث الى الجسر الرئيس في المدينة حيث جرى تعليقها".


والقى أحد ضباط الدفاع المدني الذي فضل عدم الكشف عن اسمه, مسؤولية العنف على اصرار الأميركان على دخول المدينة ... ان المقاومة لا تهدف إلا الى منع الأمريكان من الدخول, وقلنا لهم اذا كنتم في أي وقت ترغبون بزيارة مقر الدفاع المدني, فاننا سنغادر المكان حال وصولكم, وسوف نستقيل حتى لا نصبح عرضة للهجوم".


وفي هذه الأثناء قال أحد الزملاء ان الشخصيات البارزة في الفلوجة قد دانت عملية التمثيل بجثث المقاولين, كما أصدرت المساجد المحلية فتوى من السلطة الدينية المحافظة: هيئة علماء المسلمين تدين ذلك "العمل الإجرامي".


وصدر كذلك منشور باسم "المجاهدين" يدين انتهاك الحرمات ويلقي المسؤولية على "الناس" في المدينة الذين لديهم الرغبة في الانتقام من الجيش الأمريكي.


مع ذلك, القى البعض المسؤولية على الغضب الذي تثيره الممارسات الأمريكية المزعومة بما فيها المداهمات على المشتبه بانهم متمردون وعلى المنازل ومصادرة وثائق الناس وهوياتهم وأموالهم.


وقال الزعيم العشائري الشيخ ظهران الصادق بأنه "يرفض ويدين" عملية التمثيل بالجثث, إلا أنه يضيف قائلاً "هنالك سبب لذلك, لقد دخل الجيش الأمريكي الىالمدينة وسرق أموال الناس وهوياتهم, ولم يعدها اليهم أبداً. وقد قتل الناس دون اهتمام".


وقال أحد سواق الأجرة الذي زعم انه أحد أعضاء المقاومة, ان هدف الحركة الوحيد هو طرد الأمريكان خارج الفلوجة".


وقال أيضاً "قبل اعتقال الرئيس المخلوع صدام حسين, ظن التاس اننا نريد عودة صدام عندما هجم علينا الجيش الأمريكي, لقد أصبح الأمر واضحاً الآن باننا لانقاتل من أجل صدام. نحن نقاتل من أجل إخراج القوات الأمريكية".


*وسام الجاف ـ صحفي متدرب من معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد


Iraq
Frontline Updates
Support local journalists