البحث عن الموتى
يبحث الأقارب بكل وسيلة حتى عن أية معلومة صغيرة تكشف لهم مصير أحبائهم الذين فقدوهم في الحرب
البحث عن الموتى
يبحث الأقارب بكل وسيلة حتى عن أية معلومة صغيرة تكشف لهم مصير أحبائهم الذين فقدوهم في الحرب
لقد دفن الرائد عماد جاسم محمد لوحده في قطعة أرض مليئة بالزبالة قرب تقاطع طرق في بغداد, وثبتت على قبره ثلاث سعفات نخيل كشواهد لتمييزه.
وقال الجيران انه سقط هناك بعد ان أصابته شظية قبل أكثر من سنة عند دخول القوات الأمريكية الى بغداد من المطار في أطراف المدينة.
وقد قام أصدقاء عماد بدفنه مع اثنين من الجنود اللذين قام أقاربهما بعد ذلك باسترجاع جثتيهما.
وعماد هو واحد فقط من مئات الجنود والمدنيين العراقيين الذين قتلوا في معركة بغداد وما تزال الحاجة قائمة امام عوائلهم للعثور على جثثهم.
في أعقاب الحرب, قام السكان ومتطوعو الصليب الأحمر والجنود بالحفر لدفن الذين سقطوا في المعركة في مدافن مؤقتة مع تسجيلهم للوقائع بأفضل طريقة ممكنة تسهل للأقارب العثور عليهم فيما بعد.
وقام آخرون بدفن القتلى في المقابر العباسية الأثرية بسبب اغلاق الطرق المؤدية الى المقابر الجديدة.
ومع ذلك فان الأمريكان قد قاموا بسرعة بدفن المزيد من الموتى.
وفي احدى الحالات فقد جرى استدعاء حسين جاسم المتطوع في الهلال الأحمر الى منطقة سياحية حيث كان الأمريكان, وهم يهيئون ساحة يلعبون فيها كرة القدم, قد عثروا على جمجمة بشرية. وعند وصول حسين وجد الكلاب تنبش في المكان لتحاول التقاط عظام الجنود الملفوفة في أكياس أمريكية. وقد جمع حسين البقايا وأعاد دفنها طالباً من الأمريكان اللعب في مكان آخر.
في هذه الأثناء فان الناس وأملاً في الحصول على أية معلومات عن الرجال المفقودين من أفراد عوائلهم قد علقوا اسماء وصور أحبائهم في المساجد والأسواق ومحطات الحافلات والمشافي وفي المناطق التي وقعت فيها المعارك.
ولكن, ومع مرور الوقت, ومع ايقاف الصليب الأحمر لعملياته في العراق لأسباب أمنية, فقد بات البحث أصعب وأصعب أمام العديد من الناس.
ولكن القليل منهم, مثل ندى عبد اللطيف عبد الجبار وهي موظفة في وزارة الكهرباء, قد استطاع ان يعرف ما حدث لأفراد عوائلهم. وكان والد ندى وعمره (60) سنة, سائق أجرة, ترك الدار صباح السابع من نيسان ليعمل, على الرغم من الأخبار بقيام القوات الأمريكية بتطويق بغداد.
وقالت ندى "حذرناه بان لا يخرج, لكنه أصر". وفي ذلك الوقت كان ثمة قتال عنيف يدور في أنحاء المدينة, ومنذ ذلك اليوم لم تشاهده العائلة مرة أخرى, لكنها افترضت انه ربما يكون قد جرح وادخل الى المشفى أو أنه لجأ الى مكان ما.
وعندما سقط النظام وانتهى القتال, ذهبت العائلة لتسجل اسم والدها في قائمة الصليب الأحمر للمفقودين, وفتشوا أيضاً جميع مشافي بغداد دون جدوى.
وذهبت العائلة كذلك الى الأماكن التي وقعت فيها أسوأ المعارك حتى وصلت أخيراً الى منطقة السيدية حيث يمر الطريق السريع الى الجنوب من بغداد.
وتتذكر ندى قائلة "لقد وجدنا العشرات من الناس يجولون بحثاً عن أفراد عائلاتهم.
وهناك, تمكن إمام أحد المساجد المحلية من مطابقة اسم والدهم مع لوحة سيارة مدمرة أخرجت منها جثة السائق وهي محترقة تماماً.
وحصلت العائلة على شهادة وفاة, ودفنت والدها في مقبرة مدينة النجف المقدسة يوم 29 نيسان بعد ثلاثة أسابيع من وفاته.
لكن العديد من الناس مايزال يبحث عن أحبابه, حتى لو كانت كلمة واحدة عنهم.
وخرج صباح مهدي جواد ليبحث عن زوج ابنته رضا خضير مهدي, وكان متطوعاً في الحرس الجمهوري يبلغ من العمر (30) سنة وهو والد لطفلين, وقد نسب لحماية خزانات المياه جنوب بغداد, لكنه نقل الى المطار يوم 3 نيسان تماماً في الوقت الذي وقع فيه الهجوم الأمريكي على المطار.
وقام صباح وعائلته بالبحث في مشافي بغداد أولاً, ثم في معسكرات أسرى الحرب في أنحاء البلاد. وأخيراً وبعد ان سمعوا ان رضا قد شوهد لآخر مرة من قبل قسم الحريق في المطار, فقد ذهب صباح الى مكان المعركة, وقال "لقد شاهدت العديد من الناس يبحثون عن مفقوديهم, وكانت هناك العديد من الجثث على جانب الطريق, فتشت ولكني لم أستطع العثور عليه".
وقام وسام المشهداني, أحد زملاء رضا الذي أطلق الأمريكان سراحه مؤخراً, بالاتصال بصباح وأخبره ان رضا قد جرح في كتفه, وانه قام باسناد الجندي الجريح الى شجرة, ثم حاول ان يهرب من الأمريكان المتقدمين.
هذا كل ما حصل عليه صباح وهو يتعقب آثار زوج ابنته قائلاً "لقد فعلت كل شيء أستطيعه, لكني لم أحصل على أية معلومات, وان ابنتي تبكي دائماً على زوجها ويبكي أطفالها على والدهم".
*عوض الطائي ـ صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام ـ بغداد