صراع القوميات المختلفة على المدينة الشمالية
يعارض العرب والتركمان الخطط الكردية التي تهدف الى وضع مدينة كركوك الغنية بالنفط تحت سيطرة اقليم عراقي يتمتع بالحكم الذاتي.
صراع القوميات المختلفة على المدينة الشمالية
يعارض العرب والتركمان الخطط الكردية التي تهدف الى وضع مدينة كركوك الغنية بالنفط تحت سيطرة اقليم عراقي يتمتع بالحكم الذاتي.
ما يزال سكان مدينة كركوك الشمالية منقسمين بشدة ازاء المستقبل وهم يتجادلون بخصوص جعل مدينتهم الغنية بالنفط جزءا من الاقليم الفدرالي الكردي.
تقول الاحزاب السياسية الكردية ان كركوك جزء من كردستان العراق من الناحية التاريخية وهي تدعي ان غالبية سكانها من الاكراد لكن عددهم نقص نتيجة للتطهير العرقي الذي قامت به الحكومة خلال العقود القليلة الماضية. كما ان هذه الاحزاب تصر على حق اللاجئين الاكراد بالعودة الى المدينة.
بعد حرب الخليج عام 1991 والانتفاضة المناوئة لصدام التي تلتها حصل الاكراد فعلا على حكم ذاتي منفصلين بذلك عن حكم صدام حسين في ثلاث محافظات هي اربيل والسليمانية ودهوك. لكن قادتهم يدعون حقوقا تاريخية في مناطق واقعة خارج تلك المحافظات الثلاث وكركوك هي احدى تلك المناطق.
لا يتفق العديد من التركمان في المدينة مع هذا الرأي قائلين ان قوميتهم تسود المدينة او ان المدينة كانت خليطا من عدة قوميات.
كما ان التركمان والعرب يشكون من معاملة القوات العسكرية الكردية السابقة لهم- البيشمركة- والتي دُمجت مع قوات الشرطة.
بوجود هذه الخلافات ليس مفاجئا حدوث نزاعات بعد ان اصدرت الاحزاب الكردية مؤخرا قرارا بممارسة ضغوطات للحصول على اقليم فدرالي يتمتع بالحكم الذاتي ويتضمن مدينة كركوك.
في الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول تظاهر حشد من التركمان والعرب يُقدر عددهم ببضعة الاف في ساحة كركوك الرئيسية. وزحفت مجموعة منهم الى مكتب المحافظ، وهو كردي بعض حراسه الشخصيين من العناصر السابقة في البيشمركة. قال احد الشهود ان المتظاهرين كانوا غاضبين جدا وانهم "ارادوا ان يعبروا عن غضبهم ازاء المقترحات التي تقضي بضم كركوك الى كردستان".
وافاد شهود عيان بان حراس مكتب المحافظ امروا المتظاهرين بالمغادرة لكنهم رفضوا "فأُطلقت العيارات النارية". يُذكر ان ثلاثة اشخاص على الاقل قُتلوا.
اخبر المحافظ عبد الرحمن مصطفى فتاح معهد صحافة الحرب والسلام بان مكتبه كان قد بُلغ بامر التظاهرة مسبقا لكنه استلم وعودا بانها سوف تقتصر على الساحة الرئيسية.
يدعي بعض المسؤولين الاكراد ان المحتجين قد شُجِعوا من قبل بعض عملاء الشرطة على القيام بذلك. يقول نائب رئيس مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك خضر حسن ان "بعض هؤلاء المتظاهرين كانوا مسؤولين في النظام السابق". وقارن هذه المظاهرة بأخرى كردية جرت قبل تسعة ايام والتي قال انها مرت بسلام بالرغم من حضور 50000 شخص فيها تقريبا.
وقد تُوفي ثلاثة اشخاص على الاقل في كركوك منذ المظاهرة حيث ان كرديا كان قد أُردي قتيلا عندما كان مارا بحي يقطنه العرب كما قُتل مسلحان عربيان بعد ان فتحوا النار على دورية للشرطة.
يعتقد العديد من الاكراد ان لهم الحق في ضم كركوك الى اقليم كردستان بعد قرابة 80 عاما من النضال ضد الانظمة المتعاقبة في بغداد. وهم يشبهون هذه الحالة بتوق الفلسطينيين للسيطرة على القدس.
قال عزت محمد، وهو صاحب محل، مؤكدا على ان "الاكراد لن يتراجعوا عن هذه القضية حتى لو ماتوا في سبيلها".
يشير الاكراد الى ان قوات البيشمركة التابعة لهم ساعدت في الاطاحة بصدام حسين وتحرير كركوك. اذ يقول حسن من مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني "لقد ساهم الاكراد في تحرير العراق لذا فادنى حقوقهم هو تحقيق الفدرالية. والتاريخ يثبت ان كركوك جزء من كردستان".
لكن عزيز قادر من الجبهة التركمانية القومية قال ان قومه لن يقبلوا بان يصبحوا جزءا من كردستان على الرغم من بقائهم جزءا من العراق.
وقد اعرب قادر عن تذمره ازاء توافد الموظفين الاكراد من السليمانية واتهم الاتحاد الوطني الكردستاني بتنظيم هذا التدفق للسيطرة على السلطة.
وقد اجاب الاكراد على ذلك قائلين ان الدوائر الحكومية كانت تعج بالعرب والتركمان في الوقت الذي كان فيه النظام السابق يستبعد الاكراد. وهم يقولون ان المدنيين العائدين ما هم الا لاجئين رُحلوا ابان برنامج "التعريب" الذي نهجه صدام حسين طوال عشرين سنة.
في غضون ذلك وجد عرب كركوك انفسهم في موقف حساس اذ أغرى النظام السابق الكثير منهم بالمال كما هو الحال مع فقراء الشيعة من الجنوب للنزوح الى الشمال. والغرض من ذلك هو تخفيف النسبة المهمة ستراتيجيا للسكان الاكراد والتركمان وهما يشكلان قوميتين كان صدام حسين يعتبرهما تهددان الامن.
تتحدر طالبة الطب ايناس عبد الحسين من احدى هذه العائلات وهي تدعي ان قومها يعانون من التركمان والاكراد على حد سواء. فالتركمان كما تقول استعادوا عنوة مدرسة عربية أُخذت منهم ابان برنامج التعريب.
تقول ايناس ان عناصر الشرطة الذين كانوا جنودا في البيشمركة يتحرشون بها وصديقاتها. وهي تدعي ان "اية امراة ترتدي الملابس العربية التقليدية قد يمزقون ملابسها. ولا يجرؤ احد على التعبير عن رفضه للاكراد".
يقول شيخ العشيرة واسط العبيدي، وهو عربي سني ذو جذور عريقة في المنطقة، ان قومه عالقون بين المطرقة والسندان. "فالاكراد يعاملوننا كما لو كنا نحن صدام وانا لا اريد ان ادفع ثمن اخطاء صدام".
واسط مستعد للقبول بعودة الاكراد الذين أُجبروا على مغادرة المنطقة في ظل حكم النظام السابق طالما ان الامر سيتم بطريقة منظمة وتحت سيطرة سلطة رسمية.
كما انه مستعد لقبول اية تحولات فدرالية لكن فقط اذا كانت محافظة كركوك، لا اقليم كردستان ككل، هي الوحدة الاقليمية المعنية. وكانت الاحزاب الكردية قد رفضت اصلا اية مقترحات لمثل هذا النوع من الفدرالية.
في غضون ذلك عبر وزير الخارجية الاميركي كولن باول عن اعتقاد واشنطن بان على العراقيين ان يقرروا مستقبل الاقليم الشمالي لكنه ليس بوسعه الانفصال.
وقال باول "ان الاكراد يتمنون الحفاظ بطريقة ما على هويتهم التاريخية وربطها بطريقة ما بالجغرافية. لكنني اعتقد ان من الواضح جدا بان ذلك الجزء من العراق يجب ان يبقى جزءا من العرق".
واضاف باول قائلا، "سنتشاور لا مع تركيا فحسب بل مع الدول المجاورة الاخرى في المنطقة والتي تهتم بهذا الشأن ايضا"، مشيرا بذلك الى دول اخرى ذات يوجد ضمن سكانها عدد كبير من الاكراد مثل سوريا وايران.
لم تلق تصريحات باول ترحيبا لدى المسؤولين الاكراد في بغداد. اذ قال نائب احد الاعضاء الاكراد في مجلس الحكم "نحن جزء من الائتلاف وخسرنا ارواحا اكثر مما خسر البريطانيون".
واضاف قائلا ان "الاميركيين مكيافليون مع اصدقائهم وساذجون مع اعدائهم".
وسام الجاف صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد.