دور المثقفون في تشكيل العراق الجديد.
من جمال حيدر في لندن (ICR No.15,17-April -03)
دور المثقفون في تشكيل العراق الجديد.
من جمال حيدر في لندن (ICR No.15,17-April -03)
تحت حكم صدام حسين تحوّل كلا من الإعلام والمؤسسات الثقافية إلى بوق لترويج دعاية الحكومة، فقد كانت منافقة من خلال مدحها النظام وإمداده بتبرير لمخططه الدموي لتدمير كل شئ لا يتماشى بشكل كامل معه.رأى النظام حقّه في ذلك من خلال المرآة التي عكست الأوهام والشعارات التي وضعها لنفسه.
لقد قام بخلق الفصل وإنقسامات دينية عميقة في المجتمع. "ثقافة الدولة" ينقصها أبسط مكونات الوطنية الحقيقية، وشجعّت على تصرفات لا أخلاقية و على بعض العادات التي لم يشاهدها العراق على مدى تاريخه الطويل. لقد كانت ثقافة التي خدمت النظام وحده. في عهد "العراق الجديد" الذي يدخله العراق الآن سيتم التخلي عن "ثقافة الدولة" و في الأثناء سيبحث آخرون عن إنتاج ثقافي جديد لتسويقه.
لا يوجد أي معنى لسرد الكوارث التي سببها نظام صدام حسين – الحروب السخيفة التي لم تخلف شيئاً غير القتل والدمار، التهديد القائم لسلامة وأمن المنطقة، هدر الثروات الطبيعية للعراق، تحقير وسحق الروح المعنوية العراقية داخل السجون التي تم بناء جدرانها الحصينة على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
التعليق الوثيق الصلة بالموضوع هو الضرر الغير متناهي الذي سببه النظام للثقافة وإرث هذا الضرر الذي يجب على المثقفون العراقيون أن يصارعوه.
بجانب "الثقافة المزيفة للدولة العراقية"، البديل هو "ثقافة المعارضة" التي ولدت في المنفى ولكن الإبداع الحقيقي "إبداع مع جذور أصيلة" يتطور حسب نغمته البطيئة، لا يوجد له علاقة بالثقافة التي تعلو من صدمة مارّة لنظام يبحث عن حلّ سريع. الثقافة هي إنتاج "الفكر"، وهي بحاجة إلى بيئة حرّه لتطور فيها الإبداع.
محاصراً بين هاتي الثقافتين "ثقافة الدولة" و"ثقافة المعارضة"، يعرف المثقف العراقي بشكل طبيعي للموقع الذي يجب عليه اتخاذه، فهو لا يفهم التاريخ كصراع حاد بين هذين التوجهين، ولكن عوضاً عن ذلك يوفر بديل للصراع بين التوجهين السياسيين المهمّين. هو يطلب من مجموعات المعارضة العراقية أن تكون واضحة حول أجندتها ومصارد تمويلها، وأن يعلنوا حول كيفية صرف هذه الأموال التي يتقبلوها.
ولكن بينما لا يتفق المثقفون ربما مع الأهداف، وجهات النظر والحلفاء السياسيين لمجموعات المعارضة هذه- بينما الحقيقة تتوسع الفجوة بينهم- فإن كلا الجانبين يحاولا إرساء أسس العدالة في العراق التي تضمن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، كلا الجانبين يصارعان من أجل إعطاء "العراق الجديد" كسرة خبز صغيرة مغموسة الكرامة.
اليوم توجد الفرصة "لمثقفي العراق" للتأثير على الطريق السياسي، إلى شمل برنامج سياسي وتأطيره لخدمة مشروع ديمقراطي جديد. السياسيون الجدد، بدورهم يجب عليهم التخلّي عن غرورهم وعن آفاقهم الثقافية المحدودة.
ولكن هل ستتقبل المعارضة العراقية-مهما كان ذلك يعني- الحقيقة أن المثقفون يتخلون عنهم، غير مقتنعون بمحاولاتهم المؤقتة الاعتيادية لجمعنا تحت مظلتهم وضمّنا إلى دائرة تأثيرهم؟
المهمة التي تقع أمامنا أكثر تعقيداً من الجهود التي تم عملها والتي تقترح: بأن فصائل وقوات المعارضة يجب أن توسّع وعيها الثقافي لتتغلب على الثقافة التي اُسيئ استخدامها عل يد النظام ومن أجل إعادة إحياء ثقافة حقيقية مبنية على وطنية حقيقية.
بعد كل ما أحلّ بالعراق وشعبه، أرضه وحضارته يجب أن نواجه حواجز "الإنحطاط الثقافي" وأن نسعى إلى قيم العدالة، الحرية والعقلانية.
هذه القيم من الممكن فقط إعادة خلقها، وإغراقها بأصلية جديدة بعيداً عن أيدلوجيات راكدة ومستبدة وأوامر سياسية جاهزة.
جمال حيدر كاتب عراقي ومحرر سابق لصحيفة بغداد.