سود البصرة يدعون تعرضهم للتميز العنصري
أحفاد العبيد يطالبون بالمزيد من الحقوق السياسية
سود البصرة يدعون تعرضهم للتميز العنصري
أحفاد العبيد يطالبون بالمزيد من الحقوق السياسية
علي النجدي (تقرير الازمة العراقية رقم 301)
8 أيلول/ سبتمبر 2009
يبدوان حمل الاجداد لم يزل يطارد السكان السود العراقيين الذين يعيشون في محافظة البصرة الجنوبية.
فلم يزل يطلق على السود تسمية العبيد في المدارس والشوارع والمكاتب، التسمية ذاتها التي كانت تدعو بها اسلافهم. وهي كلمة تحمل تاريخا طويلا من الاهانة لجماعة عاشت في البصرة لقرون عدة، لكن جذورها تعود الى افريقيا.
وقد عاني السود العراقيون من التمييز لفترة طويلة بسبب لون بشرتهم، ويحتلون اليوم المرتبة الدنيا داخل المجتمع البصري.
وفي حين أصبح قسم منهم فنانين وممثلين، ظل الجزء الاكبر منهم عمالا مع امكانيات محدودة في شق طريقهم الى الامام. ولا يشغل اي اسود عراقي منصبا في مجالس المحافظات او في المجلس النيابي. كما يتعرض أطفالهم للاساءة في المدارس ويظل الزواج من العرب ذوي البشرة الخفيفة من المحرمات.
وتكافح منظمة محلية خاصة بتنظيم حملات لحقوق السود، من اجل انهاء ما تصفه بتمييز واسع النطاق ضدهم.
وتطالب حركة العراقيين الاحرار ومركزها البصرة الاعتراف رسمياً بالسود كأقلية عرقية، الشيء الذي يضمن لهم التمثيل السياسي. كما تدفع باتجاه سن قوانين ضد التمييز بهدف حمايتهم.
ويقدر زعماء السود عدد المواطنين من الجذور السود بحوالي مليونين من مجموع الشعب العراقي البالغ تعداده 27 مليوناً. وبحسب رأي رئيس الحركة، جلال ذياب، فان البصرة تعتبر موطنا للاغلبية العظمى من السود في البلاد، لكنهم لا يحظون بتمثيل سياسي.
واعتبرت انتخابات مجالس المحافظات في كانون الأول محاولتهم الاولى للحصول على مقعد في مجلس المحافظة.
"لم نفز باي مقعد لكننا كسبنا الكثير" قال ذياب. " لقد كسرنا حاجز الخوف الذي كان يهيمن على الناس من ذوي البشرة السوداء".
ويعتقد بان العبيد الافارقة جاؤا الى العراق من شرق افريقيا قرابة القرن الرابع الميلادي. وعرفوا فيما بعد بالزنج، وهي لفظة دونية ما تزال متداولة الى يومنا هذا.
وقد قام أحفاد العبيد بثورة عرفت بثورة الزنج ضد حكم العباسيين، و استمرت مابين سنة 869-883 م. وتعتبر هذه الثورة واحدة من أشهر ثورات العبيد في التاريخ.
ويتم استخدام مفردة العبد بشكل شائع في البصرة، الشيء الذي حفز بعض اعضاء مجتمع السود على اتخاذ فعل سياسي.
ويتذكر ذياب البالغ من العمر 44 عاما، كيف كان يتم الاستخفاف به وبزملائه من الطلبة السود في المدرسة المتوسطة، حين كان الطلاب يقرأون بصوت عال قصيدة حول العبيد في الصف. حيث يقول أحد أبيات القصيدة "لا تشتر العبد وإلا العصا معه".
وبعد عدة عقود يسجل ذياب نفس الشكاوي من أفراد في مجتمع السود.
"ان اغلبية الشكاوي المسجلة لدى حركتنا تتعلق بالتمييز المستمر ضد تلاميذ السود في المدارس الابتدائية، حيث يطلق المعلمون أسماء مخجلة على التلاميذ السود".
ويقول ناشطون في مجال حقوق الانسان، ان الاهانات منتشرة بشكل واسع في المجتمع البصري. فحين أصبح صحفي عراقي أسود نقيب الصحفيين في البصرة، اعترض عدد من الاعضاء متذرعين بعرقه قائلين ليس بامكان "عبد" قيادتهم.
وينفي مهدي التميمي، مدير مكتب حقوق الانسان في جنوب البلاد التابع للحكومة العراقية، وجود تمييز مؤسساتي ضد السود في المدينة ، ولم يسبق لمكتبه ان تسلم شكوى حول التمييز ضدهم في البصرة.
"جميع الاعراق والطوائف متساوية في الحقوق والواجبات، وكلهم يحظون بنفس الاحترام". يقول التميمي.
لكن حركة العراقيين الاحرار تدعي العكس، اذ تقول ان التمييز الممنهج قد أثر عميقاً على مجتمعهم. كما ويعتقد ذياب ان الكثير من السود ينتمون الى الطبقة الفقيرة، الشيء الذي يعتبر "حاجزا هائلاً" امام توليهم أي سلطة سياسية.
ويقول عبدالحسين عبدالرزاق، مؤسس حركة العراقيين الاحرار، ان حركته لن تكون قادرة على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بسبب المشاكل المالية.
ويتلخص مطلبهم الرئيسي، يقول عبدالرزاق، في ان " تُعاملنا الحكومة العراقية مثل المسيحيين والاقليات الاخرى، " التي يضمن لها نظام الحصة (الكوتا) التمثيل السياسي. ويطالبون الحكومة ايضاً بمنع التمييز ضد السود، على ان يشمل المنع التفوه بالفاظ عنصرية مهينة ضد مجتمعهم.
واستطاع العراقيون السود ان يتركوا بصمتهم الثقافية داخل المجتمع. حيث تعود جذور رقصة وايقاعات (الخشابة) الشهيرة الى مجمتع السود في البصرة. كما ان الكثير من المغنيين والموسييقين هم من أصول افريقية.
ويقيم سود البصرة طقوس لعلاج الامراض. وتتضمن الطقوس، التي يعتقد بان جذورها تعود الى افريقيا، الاغاني السويحلية حيث تكتنفها السرية والغموض، بالرغم من شفاء بعض الناس فيها.
ولقد تقبلت العرب هذه التقاليد الثقافية واحتضنوها، لكن أهالي البصرة يقولون ان التمييز الاجتماعي وازدراء الزواج المختلط يعتبران من العقبات الاساسية امام اندماجهم في المجتمع.
ويقول حيدر ناصر بهذا الصدد، ان عائلته تبرأت منه بعد اعلانه بانه سيتزوج من امراة سوداء. وبدلا من ان يعيش مع والديه كما تقتضي الاعراف، أضطر الى الهجرة بعيدا عن منطقته في البصرة، ليبدأ حياة جديدة.
" لدي ثلاثة أطفال من زوجتي" قال ناصر. " ونحن سعداء".
عبدالعظيم كاظم مراسل معهد صحافة الحرب والسلم في البصرة. علي النجدي صحفي متدرب في المعهد من البصرة. وساهم كل من الصحفيان المتدربان في المعهد، علي ابو عراق وهديل كامل في كتابة هذا التقرير من البصرة وبغداد.