صحفيون عراقيون ومراوغتهم بين أكثر من مؤسسة اعلامية واحدة

مع تضاؤل اهتمام الاعلام الدولي بالشأن العراقي، يتعامل المراسلون المحليون مع عدة مؤسسات اعلامية في آن واحد لسد متطلبات العيش

صحفيون عراقيون ومراوغتهم بين أكثر من مؤسسة اعلامية واحدة

مع تضاؤل اهتمام الاعلام الدولي بالشأن العراقي، يتعامل المراسلون المحليون مع عدة مؤسسات اعلامية في آن واحد لسد متطلبات العيش

عثمان المختار (تقرير الازمة العراقية رقم 356، 21 تشرين الاول- اكتوبر 2010)

يقول فيصل علي، وهو صحفي حر غير موظف عند مؤسسة اعلامية بعينها، بان الطريقة الوحيدة للبقاء هذه الايام في سوق الصحافة العراقية ذات المنافسة الشديدة، هي الحفاظ على شؤونك الخاصة بانتظام، وابقاء المحررين الذين تعمل معهم بعيدين عن بعضهم البعض.

وينتقل علي  ما بين مواقع الانفجارات في بغداد، وأروقة السلطة حاملاً ثلاثة هواتف نقالة  في جيبه: واحد مخصص لصحيفة اوربية معروفة ، وواحد لصحيفة اميركية، وآخر لوكالة أنباء سعودية. واذا ما تقاطعت هذه الخطوط، فقد يصبح علي بلا عمل.

وعلي كغيره من صحفيين عراقيين، يشعرون بتأثير تناقص التغطية الاعلامية الدولية لاحداث العراق عقب انسحاب القوات القتالية الاميركية في آب الماضي.

وقد قام الكثير من مكاتب المؤسسات الاعلامية الاجنبية في بغداد اما بتسريح مراسلين ومنسقين ومترجمين ومحررين عاملين لديها، أو بتخفيض رواتبهم بنسبة 30 بالمئة.

وقد جاء التغيير هذا كتناقض صارخ مع فورة توفر الاعمال للصحفيين، وذلك مباشرة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003.

ويقول زياد العجيلي، مدير مرصد الحريات الصحفية في العراق، ان سقوط نظام صدام حسين ادى بين ليلة وضحاها الى انفجار في الانفتاح الاعلامي. وحسب تقديراته، فان آلاف العراقيين وجدوا أعمالاً مع وكالات اخبارية وصلت الى البلاد حديثاً.  لكن الآن، يلاحظ العجيلي تضاؤلاً في فرص العمل، بعد تحول الاهتمام الدولي صوب أفغانستان وأماكن اخرى في العالم.

ويعمل مناف علي محمد مع وكالة أنباء عالمية لمدة ست سنوات . وبالرغم من وجود شرط حصري في عقده يمنعه من التقدم بطلب عمل مع أية مؤسسة اعلامية اخرى، فقد قبل محمد الآن وظيفة اخرى كمراسل تقارير في مؤسسة اخرى دون ابلاغ مستخدمه الاول بذلك.

"أقتنيت هاتفاً جديداً لاستخدامه في عملي الثاني، لكني لازلت أواجه مشكلة في ارسال نفس القصة الىكلتا الوكالتين. وقد استخدم مصطلحات وعبارات مختلفة لوصف نفس الحدث. استخدم اسمي الحقيقي مع الوكالة الاولى وأسم أبني مع الوكالة الثانية". يقول محمد، الذي يصف وبكل بساطة، مرواغته هذه مع عمليه ، بالحفاظ على الذات.

"بعد ست سنوات من العمل مع وكالة عالمية في بغداد، هناك حديث يدور بانها قد تغلق مكتبها. ومن المحتمل ان أجد نفسي على الطريق ناظراً الى سنوات العمل التي ذهبت هدراً بدون اي تعويض او فوائد. لهذا السبب كان يجب ان يكون لي نوع من خطة بديلة".

ويقول بانه لا يشعر بالكثير من الذنب بخصوص انتهاكه لعقد عمله، وذلك لان الصحفيين العراقيين هم الذين يتحملون كل المخاطر " فمعظم الصحفيين الاجانب يجلسون في مكاتبهم في فنادق  بغداد، ويتركوننا نحن نواجه كل التهديدات الامنية مقابل رواتب لاتصل حتى مبلغ 800 دولار اميركي بالشهر". قال محمد.

ويعمل منصور فاضل، الصحفي التلفزيوني، مع قناتين اخباريتين اجنبيتين. وكل قناة منهما لا تعرف بان فاضل يعمل في القناة الاخرى.

 "عادة ما احمل معي شريطين فارغين، وأقوم بتصوير الحدث نفسه من زوايا مختلفة. لكن عندي مشكلة مع المؤتمرات الصحفية، لذلك استأجر مصوراً لتغطية المؤتمر من زاوية مختلفة. وبعدها ارسل الشريطين الى القناتين" يقول فاضل ، الذي ليست لديه اي مشكلة في تبرير ازدواجيته بين القناتين ومراوغته بينهما.  

"لابد ان استغلهم قدر ما استطيع، لانهم سيغادرون حتى بدون ان يقولوا وداعا او شكراً. وسيرحلون سعداء بانتهاء مهمتهم في العراق بدون ان يهتموا بنا او بالمخاطر التي واجهناها نتيجة العمل معهم".

ووفقاً لاسماعيل جاسم، مدير نقابة الصحفيين العراقيين في محافظة الانبار، فان مثل هذه القصص تعتبر شائعة في أوساط الصحفيين.

"ان غالبية الصحفيين العراقيين، اذا لم يكن جميعهم، يعملون في نفس الوقت مع مؤسسات اعلامية مختلفة. وبعضهم يعمل مع أكثر من ثلاث مؤسسات" يقول جاسم. " والسبب ذلك هو الحصول على دخل مادي أكبر، وبسبب تنامي الخوف من تسريح مؤسساتهم لهم".

ويقول سرمد الطائي، رئيس تحرر جريدة العالم اليومية في بغداد، بانه على دراية تامة بان مراسليه يعملون أيضاً مع مؤسسات ومكاتب اخبارية اخرى.

"انا أعمل مع مجموعة ممتازة من الصحفيين المحترفين، لكنني لا أستطيع اعطائهم رواتب جيدة بحيث تجعلهم لا يفكرون في وظيفة ثانية. وفي الواقع انا لا ألوم الصحفيين العراقيين، لان عملهم خطير وبالكاد يحصلون على رواتب كافية لدفع فواتيرهم." يقول الطائي.

ويقول العجيلي من مرصد الحريات الصحفية بان عدم الالتزام بمؤسسة واحدة، والمراوغة بين مؤسستين اعلاميتين او أكثر في نفس الوقت، ليس دافعها المال فقط.

يسعى عدد من المراسلين، وخصوصاً الذين يعملون في وكالات اعلام عراقية، في البحث عن مؤسسات اخبارية اخرى لكي ينشروا تقارير مثيرة للجدل، يقول العجيلي، مضيفاً ان ذلك بمثابة "رد فعل تجاه التقييدات المتشددة حول ما يستطيعون نشره".

"يعمل الكثير من الصحفيين في صحف ووكالات محلية مرتبطة ومتعاطفة مع احزاب دينية وشخصيات سياسية لا تسمح بنشر اي شيء لا يوافقون عليه، حتى لو كان الامر صحيحاً ومعززاً بالادلة والبراهين". يقول العجيلي.

"ولهذا السبب ترى ان الكثير من الصحفيين يرفضون تشويه مواضيعهم بنشر نسخة معدلة ومحذوف منها. وهم يفضلون رميها في سلة المهملات على نشرها بهذه الطريقة. ولهذا يلجأون الى صحف ووكالات اخبار عالمية بديلة من أجل نشر مواضيعهم".

وبلهجة أخف، فان التعامل مع عدة مستخدمين في آن واحد قد أدى الى وقوع عدد من الحودث الطريفة. لؤي العاني يعمل كمنسق مع صحيفتين اميركيتين تملك كلتاهما مكاتب في طوابق مختلفة في أحد فناق بغداد المشهورة.

"ذهبت مرة لتسليم موضوع مع الصور الى كلتا الصحيفتين. فذهبت اولاً الى احداها ثم ذهبت الى الاخرى. ولكن عند مغادرتي الصحيفة الاخيرة، انفتح باب المصعد فاذا بمحرر الصحيفة الاولى امامي. أحمرّ وجهه واستشاط غضباً" يقول العاني.

"ولم يستغرق الامر وقتاً طويلاً، فقام بطردي من العمل، لكنني حافظت على عملي الثاني ومازلت أبحث عن عمل آخر".

عثمان المختار، صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام من مدينة الفلوجة.

تم تغيير اسماء الصحفيين الوارد ذكرهم في هذا المقال بناءاً على طلبهم.

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists