صديقي الشهيد تسمّرت أصابعي وأنا أكتبها
الكاتب: هبة الطعمة
صديقي الشهيد تسمّرت أصابعي وأنا أكتبها
الكاتب: هبة الطعمة
عام كامل أو أكثر فصل بين السطر الأول، وهذه السطور. ما إن كتبت صديقي الشهيد حتى تسمّرت أصابعي، وشرد ذهني بأربع سنوات عجاف تقاسمنا فيها ابتسامتنا الفراتية، ودموع الصحراء القاسية.
رحلتنا بدأت أثناء تدريبنا الإعلامي الأول مع مجموعة من الأصدقاء . لتبدأ الثورة ويتوقف عمل مكتب “الشرقية الإعلامي”، وهو العمل الذي لطالما حلمنا به. أبحرنا بعدها بأمواج ثورتنا، نستخدم كاميرا الجوال البسيطة كسائر الشباب السوريين، سنة وهنيهات من زمن تخفّيت في ظلك حتى لا يعلم أحد بعملي معكم في تنسيقية ديرالزور.
تابعنا طريقنا في رحلة النزوح للقامشلي. وأنشأنا تجمعنا المدني “منظمة سما لحقوق الإنسان” حيث أقمنا أول نشاط بالتعاون مع المنظمة الآشورية، ولكن غيرتنا على”ديرنا” (دير الزور) كانت أشد من رغبتنا بهدر طاقتنا خارجها .
لنعود مع ما بنيناه من أحلام وأمل لديرالزور الحبيبة. بدأنا العمل والمشقة والمنافسة مع باقي التجمعات بالداخل، والاصطدامات مع الفصائل المسيطرة، ولكن كل ذلك كان يترافق مع ابتسامة أمل خفيفة، ورنة جرس صباحية لباب منزلنا من قبلك. لتتبادل أطراف الحديث مع عائلتي والتي لطالما اعتبرتها عائلتك أنت وباقي شباب الفريق.
في 20 تموز/يوليو 2013 تلقيت دعوة تدريب من منظمة الطوارئ السورية، ولكون الظروف لم تسمح بسفري من غير محرم اضطررت لمرافقتي أثناء التدريب. وفي هذا الوقت قمنا بالتواصل مع المنظمات الداعمة لتأمين التمويل لورشة دعم نفسي للأطفال.
بعد عودتنا لديرالزور، أرسلت الجهة الداعمة رداً على طلبنا تخبرنا به موافقتها على التمويل، وضرورة سفر أحدنا، وتواجده في تركيا لتوقيع العقد معها. تطوعت أنت كعادتك لهذه المهمة حرصاً منك ألّا يرهقني السفر، وبرد الشتاء. لكنّي لم أكن أعلم أن سفرك هذا سيكون بلا عودة. مضت الايام مخبّئة لكل منا ما تحمله من أسرار سعادة وشقاء.
بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2013 تواصلت معي لتبلغني، وبفرحة حصولك على فرصة عمل، وتأمينك لتمويل مشروع آخر للمنظمة هو مشروع “الانتخابات”. هذا المشروع الذي كان سبب إختفائك. لم أعلم إن كنت قد عدت أو لا، انقطعت أخبارك، تم اتهامي من قبل أهلك، ومجموعة من أصدقائنا بالتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية، والتبليغ عنك ….
لم يعلموا أن ما أودى بروحك الطاهرة ماهي إلا خربشات فيس بوكية رسمتها عفوية تفكيرك على كيبورد اللابتوب، ” ليأتي زمان على أمتي” وبعدها “ضاعت الطاسة”. اختفيت أنت ومن معك كغموض ظاهرة كونية. وبدأت أنا بعدها بجلدي لذاتي متوجهة للعالم بلغة الصمت لما حملته من ذكريات معك.
أسأل نفسي دائماً صديقي الشهيد هل سجنوك؟ ماذا يعني السجن؟ إنه مجرد غرفة عزلوك بها مع نفسك… كم أعاني ياصديقي لعدم قدرتي على العزلة، والإختلاء مع نفسي في هذا العالم المزدحم بالاتهامات العشوائية .
شتموك؟ ماذا يعني الشتم أصلا؟ هو لا يتعدي أن يكون كلمة أو أكثر اتفق البشر على أن تكون فيها إهانة للطرف الآخر حتى لو كانت كلمة بلا معنى أو كانت من لغات أخرى لايفهمها الطرف الأخر.
هاجموك؟ وماذا عساه قد يعني الهجوم؟ جسدك نحيل أكثر مما ينبغي.
جلدوك؟ ماذا يعني أنهم جلدوك؟ ضربوك بالسوط على ظهرك؟ المساكين بجهلهم لم يعلموا أنهم يجلدون عدة ملايين من الخلايا في جسدك، وأنت هناك تتلو أذكارك وآيات من القرآن وأن الألم أصبح لامعنى له بالنسبة لنا كسوريين.