رشاوي بسيطة تسير عجلة الصحافة العراقية
تتنوع هذه العطايا من النقود ، كارتات الموبايل، وصولا الى الدعوة على وجبات طعام فخمة في المطاعم
رشاوي بسيطة تسير عجلة الصحافة العراقية
تتنوع هذه العطايا من النقود ، كارتات الموبايل، وصولا الى الدعوة على وجبات طعام فخمة في المطاعم
كان مقر نقابة الصحفيين في محافظة بابل مسرحا لنقاشات حامية مؤخرا حيث كان احد الاعضاء يدافع عن نفسه امام اتهامات من قبل زملائه بانه تقبل رشوة مقابل تغطية زيارة احد المسؤولين لدى زيارته احد الاماكن النائية في القطر.
تعد مثل هذه الاتهامات ضد الصحفيين شيئا عاديا ، كما هو الحال لدى اعطائهم الرشاوي –المشار اليها بتعبير- عطايا - تلطيفا للكلمة.
انكر الصحفي المتهم التهمة الموجه اليه ، قائلا بانه تم تقاسم النقود مابينه وبين زملائه وان المبلغ كان لتغطية نفقات تنقلهم وطعامهم اثناء التغطية الصحفية.
يقول الصحفي موجها الكلام الى لجنة مكونة من اقرانه " رافقنا المسؤول الى منطقة نائية خطرة حيث توجد بعض خلايا القاعدة النائمة هناك" . يقسم الصحفي بانه تفاجا لدى قيام المسؤول باخراج ظرف يحوي 25$ لكل منهم.
شككت اللجنة بهذا التصرف وهددت باخبار رئيسه بالعمل ، الا ان تهديهم لم يبدو بانه سيثير قلقه كثيرا . فلربما كانوا معتادين على ذلك.
فالرشوة امر منتشر بين اوساط الصحفيين في العراق – والحلة ، مركز محافظة بابل ، غير مستثناه من هذا الامر.
يصل معدل الراتب الشهري للصحفي الذي يعمل في احد المحاطات الاذاعية او الجرائد في مدينة ما الى 170$ . العديد من الصحفيين يعملون بشكل حر ، بوجود ضمانات غير كافية تتيح لهم الانخراط في عمل منظم. نتيجة لذلك، هناك نزعة عامة لاعتبار هكذا نوع من العطايا كرونق لتزيين العمل- او شكل من اشكال التعويض لمهنتهم المتقلقة.
تتنوع الرشاوي التي يتلقاها الصحفيون بين المبالغ النقدية ، كارتات الموبايل الى وجبات الطعام الفاخرة في احد المطاعم.
يقول علي السباك الذي يعمل صحفيا ومحاميا في مجال الصحافة منذ عام 1990 بان هذه الهدايا هي تقليد متعارف عليه ومتجذر في الصحافة العراقية.
شظف العيش تحت ظل الحصار والعقوبات الدولية التي فرضت على نظام صدام حسين كانت الدافع لانطلاق هذا التقليد على حد قول السباك، بعد ذلك ، اصبح الامر مقبولا كمساعدة للصحفيين الذين يناضلون لاجل كسب لقمة العيش.
لم يتطرق حد لاثارة المسائل الاخلاقية طالما كان الصحفيون يكتبون مايرضي السلطات، بغض النظر عما اذا كانوا قد تلقوا رشوة ام لا.
يقول السباك في هذا الاطار" الا ان الامور اخذت منحى اخر بعد سقوط صدام حيث انطلقت اعداد كبيرة من الفضائيات بالاضافة الى مئات من الجرائد ومحطات الاذاعة ، مما جعل( الرشوة) اكثر انتشارا".
كما اتهم بعض المسؤولين العراقيين بتشجيع هذه الممارسة.
ويواصل السباك القول " يفضل المسؤولن هذه الايام الصحفي الذي يتقبل عطاياهم وهداياهم مقابل غض النظر عن جوانبهم السلبية، فهم بالتاكيد لايحبون الذي ينشر فضائحهم".
اما بالنسبة للشيخ جعفر عباس ، وهو احد رجالات الدين الشيعة في مدينة الحلة والذي اصدر امرا بمنع الرشوة ، فيؤكد بان مثل هذه المبالغ هي امر غير قانوني.
حيث يعلق حول الموضوع قائلا " هذه الاموال ليست ملكا للمسؤول ، بل انها اموال الشعب . وبذلك فانه من غير القانوني صرفها على الهدايا والغايات الغير شريفة".
على الاخلاقيات ان تقف حاجزا ضد هذه العطايا ، حسبما تقول احدى الصحفيات التي تعترف بانها تتقبل اخذ النقود احيانا. كما تقول بانها تكسب اقل من 100$ شهريا كصحفية الا ان ذلك لايؤثر على نوعية التقارير التي تكتبها.
وتواصل القول بان جميع زملائها يتقبلون الرشاوي لدى تغطيتهم للفعاليات الرسمية كالمؤتمرات مثلا.
من جانب اخر قال احد الصحفيين بانه ومجموعة من زملائه حضروا مؤخرا حفل استقبال حيث سلمهم احد المسؤولين 200$ كهدية لكل واحد منهم.كما اضاف بانه في مناسبة سابقة قام نفس المسؤول باعطاء الصحفيين 300$ ، " يبدو ان الازمة المالية قد طالت المسؤول ،فقرر خفض ميزانيته".
في بعض الاحايين ، يقول الصحفيون ، بانهم يعاملون بنوع من الشك لرفضهم تقبل الرشاوي من المسؤولين ، حيث يستشف المسؤول من ذلك بان تقاريرهم ستكون موجهة ضدهم.
اما احد الصحفيين فقد قال بانه من المحرج تقبل العطايا الا ان رفضها قد يعتبر على انه اهانة متعمدة للمسؤول الذي يعرض الرشوة.
هذا وقد عبر رئيس اتحاد الصحفيين-فرع بابل عن قلقه ازاء الزملاء الذين ياخذون عطايا الاموال من المسؤولين ، واصفا ذلك بانه " اهانة للصحفي، ونوع من اللامسؤولية وهدر للمال العام".
وقد حضت النقابة السلطات المحلية اتخاذ اجراءات صارمة حول هذه الممارسة.
هذا وقد علق ديفيد مولد ، وهو احد التدريسيين في جامعة اوهايو للصحافة والاعلام عن الموضوع بعد ان اتهام القوات الاميركية بدفع الرشاوي للصحفيين العراقيين في عام 2005، لغرض حضهم على نشر قصص ايجابية حول الوجود العسكري الاميركي في الجرائد ذات السمعة الطيبة.
" ان التحدي الذي يواجه العراق هو تغيير الثقافة الصحفية. على حكومتنا التركيز على بناء صحافة مستقلة، تدريب الصحفيين والترويج للممارسات الاخلاقية. ففي المدي القصير ، قد تزيد الرشاوي المقنعة كمية "الاخبار الجيدة" في الصحافة العراقية، الا انها ستعمل على بناء ثقافة صحفية فاسدى".
كريم القاسمي ، هو احد المتدربين من صحفيي معهد صحافة الحرب والسلام في الحلة
ترجمة : فرح علي