نجاحات الافلام تخفي واقعا مزرياً لصناعة السينما في العراق
المخرجون العراقيون يلقون الحفاوة والترحيب في المهرجات الدولية بينما يكافح قطاع صناعة الفيلم المحلي في البقاء حياً
نجاحات الافلام تخفي واقعا مزرياً لصناعة السينما في العراق
المخرجون العراقيون يلقون الحفاوة والترحيب في المهرجات الدولية بينما يكافح قطاع صناعة الفيلم المحلي في البقاء حياً
حسام السراي- العراق (تقرير الازمة العراقية رقم. 338، 28 -ايار-2010)
تقدم الفيلم السينمائي الجديد "ابن بابل" موجة افلام اخرجها مخرجون عراقيون بتمويل اجنبي والتي تم اختيارها لمهرجانات افلام عالمية مرموقة. لكن هذه النجاحات تخفي واقعا مزرياً لصناعة السينما في العراق، والجهود الجبارة المطلوبة من الحكومة والمستثمرين لاحياء سينما كانت موضع فخر في الماضي.
وجعل الحضور الكثيف للعرض الخاص لفيلم (ابن بابل) في بغداد بداية هذا الشهر، ان ينال اعجاب الاعلام العالمي، وان يحتفى بمخرجه محمد الدراجي البالغ من العمر 31 عاما، كنجم سينمائي واعد. وفي شهر كانون الثاني أصبح اول فيلم يعرض في مهرجان صن دانس السينمائي الامريكي الذي يرعاه الممثل الامريكي روبرت ريدفورد.
كما ونالت على الاقل ثلاثة أفلام أخرى أخرجها مخرجون عراقيون، على جوائز أو تم ترشيحها للجوائز. فقد حصل فيلم (كرنتينه) لمخرجه عدي رشيد على 385 الف يورو كمنحة مابعد الانتاج، وعرض الفيلم في مهرجان روتردام السينمائي الدولي في المانيا هذا الشهر، بينما حاز فيلم درما كرة قدم كركوك (ضربة بداية ) لمخرجه شوكت أمين على جائزة نقاد السينما الدولية عام 2009. كما عرض فيلم (السقوط) للمخرج هونر سليم في مهرجان دبي السينمائي الدولي.
وقد أبدى الجيل الجديد من صانعي الافلام اعجابه بهذه الانجازات.
ويقول علي السومري وهو طالب سينما في جامعة بغداد "انني منذهل بقدرات هؤلاء المخرجين على صنع الافلام وحصد الجوائز بالرغم من الاوضاع الماساوية في بلادنا".
واضاف السامرائي " انني مندهش بشكل خاص بمحمد الدراجي وعدي رشيد لانهما استخدما كاميرا 35 ملم لتصوير افلامهما. وسأقوم انا وأصدقائي بدراسة هذه الافلام".
ولكن بالنسبة لداعمي الصناعة المحلية، فان الثناء الذي يتلقاه الافلام العراقية الممولة اجنبياً والتي هي غالبا من عراقيين ذوي ثقافة غربية، لن يؤثر كثيرا في تحسين اوضاع الممثلين والمخرجين الطموحين العاملين في العراق، حيث لا يتوفر اي تمويل لصناعة السينما في البلاد.
ويقول الممثل الرئيسي في فيلم (ابن بابل) والمخرج المعروف في العراق، بشير الماجد " دعنا نواجه الواقع: هناك عدد محدود من مخرجين يشتغلون خارج البلاد بسبب الدعم الاجنبي، وهذا الشيء سوف لن يغير من واقع السينما في العراق، وعلينا عدم تسميته بعودة الفيلم العراقي او اي نوع من السينما العراقية الجديدة". كما وقال بان كلا من حكومة اقليم كردستان وحكومة بغداد رفضتا تمويل (ابن بابل). ولكن تم انتاج الفيلم في النهاية ب 1.5 مليون دولار من تمويل خاص.
واضاف الماجد " في بلد يوجد فيه عدد قليل من دور السينما، فالامر لا يعتبر مغرياً جدا للمستثمرين العراقيين ان يدخلوا في هذه التجارة. فالافلام ليست للمهرجانات فقط، اذ لابد ان يكون هناك سوق لبيعها وتسويقها. وهنا تكون الحاجة ماسة الى الدعم الحكومي، حيث كان له تأثير كبير في بلدان اخرى في بناء تجارة رائجة".
وتابع "تختلف صناعة الافلام في العراق عن صناعتها في بقية دول العالم لسببين، أولاً ان صناعة الفيلم في اي بلد آخر تكلفك مالاً ووقتاً ولكن في العراق قد تكلفك حياتك أيضاً. وثانياً، في بقية بلدان العالم تكون صناعة الافلام مدعومة من قبل شركات الانتاج او الناس الاغنياء او الحكومة، ولكن في العراق انت تعمل لوحدك فيما يتعلق بمسألة التمويل وغيرها من المسائل".
وتكاد تكون قصة كيفية اختطاف الماجد وبقية الكادر العراقي على يد المتمردين مرتين في نفس اليوم خلال تصوير فيلمه (أحلام) عام 2004 اسطورة تتداولها الاوساط السينمائية في بغداد. وعلى الرغم من روايته لهذه القصة على سبيل التندر هذه الايام، فانها تعتبر انموذجا للمخاطر التي تواجه العاملين في صناعة السينما في بلد لازال محتلاً من قبل قوة اجنبية، ويئن تحت وطاة تقسيمات طائفية عميقة.
ويقول مخرج الفيلمين الوثائقيين "أبوغريب" و "الكيلومتر160" الذي يحكي قصة اختطاف وقتل اعضاء فريق التايكوندوالـ13 عام 2006، جميل النفس " طالما ان الدين هو القوة المهيمنة على المجتمع والسياسة، ستسمر السينما في التدهور. واذا ما وصف فيلم او ممثل بانه ضد الدين فسيرفضهما المجتمع ويكونان عرضة للخطر. ومن الصعب جداً ان يتعايش التوجه الديني المتشدد الراهن مع الفن وبضمنه السينما".
ويضيف النفس " ان السبيل الوحيد لعودة السينما الى الحياة هو بتغيير رؤية الناس لها. وسيحدث هذا فقط في حالة استقرار الاوضاع وحكومة جديدة، مع توجه رسمي لتشجيع الافلام المحلية والمهرجانت العالمية".
ولم يتبق من مئات دور السينما التي كانت تعرض افلام محلية وعربية وعالمية في بغداد سوى ثلاثة: سمير أميس وأطلس والنجوم. أما في بقية محافظات العراق، باستثناء اقليم كردستان، هناك دار سينما في البصرة واخرى في الموصل.
وهناك قسم واحد فقط لدراسة السينما في كل الجامعات العراقية ، ويعترف القسم هذا بان كل المعدات هناك قديمة. كما وفقد دخول السينما سحره عند الكثير من العراقيين.
لكن لم تكن الامور على هذه الشاكلة باستمرار. ويتذكر الناقد السينمائي علي حمود الحسن العصر الذهبي للفيلم العراقي الذي بدأ في اربعينيات القرن الماضي. فبالنسبة لحسن كان عصراً يمتاز بتلونه ودور عروضه السينمائية مثل العباخانة والرويال، والانتاج المشترك مع الممثلة المصرية مديحة حمدي والمخرج الفرنسي اندريه شاتان.
ويقول كاتب السيناريو المعروف والناقد السينمائي عبدالحسين السعدي " كان الارستقراطيون، ولسنوات عديدة، يرتادون دور السينما مع عائلاتهم كطريقة للتعبير عن حياتهم الفاخرة ومنزلتها المرموقة.".
واضاف السعدي " لكن منذ الحرب العراقية الايرانية وحتى نهاية نظام صدام حسين، شهدت السينما العراقية تراجعاً واضحاً وذلك بسبب ضعف الدعم الحكومي. وقد بدأ التراجع مع الافلام الدعائية الحكومية والتي انتجت افلام رخيصة فنياً وفكرياً".
وتمثل الحالة المزرية لدور السينما القليلة المتبقية في العاصمة بغداد شهادة حزينة على مصير قطاع صناعة الافلام في البلاد.
ويقول سليم القيسي البالغ من العمر 76 عاماً، معددا دور السينما في ايام شبابه " لقد اختفىت لوحة (المغلق) على سينما بابل. فيما أصبحت سينما البيضاء مخزنا الآن. وسينما النجوم مازالت مفتوحة لكنها تبدو كبناية مهجورة. ولقد سمعت بان سينما سمير اميس قيد التجديد لكن الملصقات السينمائية القديمة واسعار التذاكر مازلت معلقة على جدرنها في الخارج".
ويقول وكيل وزارة الثقافة ومدير قسم السينما والمسرح، فوزي الاتروشي، بان الوزارة لا تملك الاموال الكافية لاحياء صناعة السينما المحلية.
" اية مشاريع طموحة لتمويل اعادة اعمار صناعة الافلام في العراق، ستشكل ضغطا مالياً على الوزارة. واي مشروع من هذا النوع يتطلب بيئة مستقرة ومستوى من البنية الاساسية، وهذا شيء لا نستطيع ضمانه في الوقت الحاضر". قال الاتروشي.
وهذا يمثل اخباراً سيئة لجيل الشباب من سينمائيي المستقبل، حيث يقول الطالب علي السومري "هناك احتمالات هائلة للافلام في العراق، لكن المشكلة هي وجود فرص قليلة لصناعتها".
حسام السراي صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلم في بغداد. كما وساهم محرر العراق جارلز مكديرمد في كتابة هذا التقرير.