مشاهد وحشية في بابل
مهد الحضارة القديمة يتصدرعناوين وسائل الاعلام عندما بات هدفاً للمتمردين
مشاهد وحشية في بابل
مهد الحضارة القديمة يتصدرعناوين وسائل الاعلام عندما بات هدفاً للمتمردين
ان بابل القديمة هي واحدة من عجائب الدنيا السبعة، ولكنها في هذه الأيام تجذب المزيد من المتمردين بدلاً من السواح، وقد حققت الشهرة بالاشتراك مع مدينة الحلة الحديثة كمشهد للتقجير الذي أوقع (127) ضحية من المواطنين.
وكان أفراد عوائل وأقارب الضحايا، في الشهر الماضي، ينوحون ويلطمون الصدور وهم يقرأون أسماء الضحايا والجرحى في القوائم التي علقت على جدران المشفى. وقد وضع الأقارب الجثث في الشاحنات لنقلها من أجل ان تدفن، وكانت برك الدماء قد تجمدت على أرضية السوق حيث انفجرت سيارة مفخخة يوم 28/ شباط.
وقال فياض وليد وعمره (22) سنة من أهالي قرية "جمجمة" القريبة من موقع بابل الأثري "أتعجب كيف يمكن ان تصبح بابل قاعدة للارهابيين في الوقت الذي كانت فيه قبلة للزائرين العلماء والمثقفين من جميع أرجاء المعمورة."
الحلة هي الوريث لبابل، حيث بنيت الكثير من يناياتها من الطابوق المأخوذ من القلعة الكبيرة للملك البابلي نبوخذنصر.
وتشتهر المدينة القديمة بجدرانها الهائلة الحصينة وروعة بناياتها، وهي تقع في وسط بلاد الرافدين، الأرض التي تعد مهد الحضارات في الشرق الأوسط وأوربا. ولكن وبما انها ظلت مطمورة لأكثر من ألفي عام، فقد اعتقد الكثيرون بانها ليست أكثر من اسطورة انجيلية، ورمزاً للثراء والقوة الى أن تم اكتشاف آثارها الكبيرة في القرن التاسع عشر.
ان غياب القانون الذي تشهده محافظة بابل في الأيام الأخيرة يتناقض مع عهد الملك حمورابي الذي عاش في القرن الثامن عشر قبل الميلاد والذي قدم أول نظام قانوني في العالم.
وفي الوقت الذي حكم فيه الملك نبوخذ نصر الثاني في عام (600) ق.م تقريباً، فقد أصبحت بابل "مجد الممالك". وكان هو الذي فكر في بناء "الجنائن المعلقة" الشهيرة، احدى عجائب الدنيا السبعة، كهدية قدمها الى زوجته "أميتيس".
ولكن بابل، وحلال نصف قرن، فقدت الكثير من قوتها السياسية بعد ان قام الفرس بفرض الحصار عليها لمدة سنتين، ثم قاموا بغزوها. وفي القرون اللاحقة، تعرضت للنهب والسلب وفي النهاية باتت مهملة.
وتغطي الآثار ما يقارب (30) كلم مربع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، على مسافة (90) كلم الى الجنوب من بغداد.
ان هجمات المتمردين التي ألحقت الخسائر الجسيمة بارواح العراقيين في هذه الأيام، قد أعاقت أيضاً الأعمال الأثارية في الموقع.
وقال وليد عمران الجنابي، محافظ بابل، "ان بابل قريبة من اللطيفية ذات الغالبية السنية، لذلك شهدت العديد من عمليات التخريب." مشيراً بذلك الى المنطقة ذات الأغلبية السنية الى الشمال من المحافظة التي ثبت انها قاعدة لهجمات المتمردين. وأضاف "ان الوضع الأمني المتدهور قد أوقف أعمال اعادة اعمار المدينة. لقد اختطف وقتل الكثير من المقاولين، ومات الكثير من العمال رمياً بالرصاص."
ويعتقد المحافظ ان من واجب كل شخص ان يقف ضد المتمردين لايقاف الهجمات التي تؤذي منطقة بمثل هذه القيمة الكبيرة. وقال "ان من واجبنا حماية مدينة بابل ضد المؤامرة التي تستهدف الهوية التاريخية لكل من هذه المدينة والعراق ككل. انها جريمة منظمة يجب ان نقف ضدها بضراوة."
ان وجود القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة، التي أقامت في المنطقة قاعدة عسكرية أطلقت عليها اسم "معسكر بابل"، قد القيت عليه المسؤولية في تعريض الموقع الآثاري الى الخطر.
وقال وزير الثقافة العراقي مفيد الجزائري "ان تحويل بابل الى موقع عسكري خطأ قاتل. لقد تعرضت المدينة الى الكثير من الدمار والعديد من الهجمات الارهابية منذ ان احتلتها قوات التحالف. لا نستطيع ان نقدر حجم الدمار الآن. وكخطوة أولى، قمنا باغلاق المواقع تماماً، قبل دعوة الخبراء الدوليين لتقويم الضرر الذي لحق بالمدينة القديمة وحجم التعويضات التي يجب ان تطالب بها الوزارة من قوات التحالف لدفعها. سنقوم بحملة لانقاذ المدينة."
ان بابل التي كانت في الماضي مركزاً قوياً للثقافة والعلوم والحياة المدنية الحضارية، باتت الآن في حالة مزرية، تتعرض للهجمات التي تعكس الحالة المضطربة لدولة العراق الحديثة.
*ياسين مظلوم الربيعي ـ صحفي تحت التدريب في معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد