مرثية الى أمرأة شجاعة

في السابع من حزيران، اغتال مسلحون سحر الحيدري، التي استعملت قلمها في مواجهة العنف والتعصب في مدينتها، الموصل.

مرثية الى أمرأة شجاعة

في السابع من حزيران، اغتال مسلحون سحر الحيدري، التي استعملت قلمها في مواجهة العنف والتعصب في مدينتها، الموصل.

- صحفية عراقية تجرأت على اثارة الاسئلة واسماع صوت العراقيين الذين لا يرغبون ان يجزأ بلدهم بواسطة العنف الطائفي او ان يحكم بالارهاب المفروض من قبل منظمات القاعدة .



كانت الحيدري،45، تكتب من مدينتها المضطربة، الموصل التي تعتبرر ثاني اخطر مكان بالنسبة للصحفيين بعد بغداد.



كانت المجاميع المسلحة تسارع في اقامة الامارة الاسلامية في المحافظات الشمالية الغربية في الانبار ونينوى، وقد تم اختيار الموصل لتكون العاصمة لها.



كانت الحيدري من ضمن الصحفيين العراقيين الاوائل الذين كشفوا تنامي سلطة المتطرفين في الموصل.



كانت اول مقالة تكتبها لمعهد صحافة الحرب والسلام – خلال الدورة التي اقامها المعهد حول قضايا النساء والتي عقدت في ايار 2005 – هي حول محاولة المسلحين فرض قيود على النساء في الموصل مشابهة لتلك التي فرضتها طالبان. ووصفت كيف ان المعلمات من النساء والموظفات قد تم استهدافهن وقتلهن.



حيث كتبت "الرعب والهجمات اجبر بقية النساء في الموصل على عدم الذهاب الى العمل".



اما خيارها هي فلم يكن البقاء في البيت. فقد ذهبت الى الاماكن التي لم يستطع اي صحفي اجنبي الذهاب اليها- فقذ خرجت الى الشوارع، المحلات، والمطاعم في مدينتها المضطربة.



في مقالاتها السبعة عشر وتحقيقاتها الاذاعية الثمانية التي عملتها الى معهد صحافة الحرب والسلام ، كانت هناك فكرة واحدة مشتركة- النضال من اجل السيطرة على الموصل وكيفية تأثير ذلك على ناسها وبالخصوص على نسائها.



كانت الحيدري مراسلة عنيدة، لكنها كانت زوجة طيبة واما لاربعة ابناء في وقت واحد. لم تغادرها اللمسة الانسانية في عملها. كانت مقالاتها دائما تعكس مخاوفها على حياة الناس- كاصحاب المحلات والمعلمين، الاباء والاطفال، الطلبة والحلاقين والبوابين.



ولم تكن تخجل او تتقاعس من عرض المباديء الاسلامية الكاذبة والمزيفة وسوء استخدام الدين لخدمة السلطة.



في مقالاتها، تجرأ الناس على الحديث ضد الحياة على حافة الجنون.



كتبت في كانون الاول من عام 2006 ان "المتطرفين بدأو يتدخلون في كل مناحي الحياة اليومية في الموصل واصفة كيف ان احد المنشورات طلب من بائع الملابس ان يضع غطاءا على رأس الدمية التي يستعملها كنموذج عرض للازياء في واجهة المحل لتكون اكثر حشمة.



قال صاحب المحل الذي التقته " لا ادري من اين جاء هؤلاء. انهم يريدون العودة بنا 1400 سنة الى الوراء. ولكن ان اردت ان تبقى على قيد الحياة، عليك اطاعة اوامرهم".



لم تكن الحيدري لترغب ان يملى عليها ماذا تكتب وما لا تكتب. كان تعاملها مع الحقائق التي تزداد رعبا هي كتابة المزيد من المقالات. كانت تكتب وكأن لها القدرة على مواجهة اجهاض الامل او ايقاف التاكل في النسيج الاجتماعي من خلال قلمها.



لكن منطق اولئك الذين يريدون اسقاط العراق يشير الى ضرورة تحطيم كل ما يبعث على الامل. ولهذا تم استهداف الاطباء والاساتذة، ولهذا ايضا مات الكثير من الصحفيين، وسيتواصل موتهم.



كتب مؤخرا مراسل النيويوركر جورج باكر في مجلة المهمات الخطرة، " ان حملة القتل –التي ينفذها المسلحون والميليشيات- كانت منظمة. هدفها ان تجعل من الصحافة شيئا مستحيلا".



وتم تأكيد هذا الهدف من قبل انصار السنة في اعلانهم مسؤوليتهم عن اغتيال الحيدري في الموصل في السابع من حزيران.



اتهم المسلحون الحيدري بالتعاون مع المرتدين من الشرطة والحكومة العراقية. وجاء في نص بيان صدر عنهم " وجدنا بعد المراقبة ان الحيدري كانت تكتب مقالات كاذبة عن المجاهدين الغرض منها تشويه الحقيقة".



ولا يزال لم بتم التحقق من حقيقة هذا البيان.



قال نائب مدير شرطة الموصل ان اسم الحيدري كان مدرجا تحت التسلسل الرابع في قائمة المستهدفين التي اصدرتها ما تسمى امارة الدولة الاسلامية في الموصل.



ولكن مهما يكن انتماء المجموعة التي كانت تنتظر الحيدري وهي تهم بمغادرة بيتها في السابع من حزيران، تبقى الرسالة التي خلفها موتها تحمل نفس الفكرة وهي ان الصحافييين يجب ان يموتوا لانهم من المتحالفين مع الحكومة، القوات الامنية، والكفرة.



قال البيان المنسوب الى الدولة الاسلامية ان القتلة اخذوا تلفون سحر المحمول الذي كان يحتوي على ارقام ضباط الشرطة. وطبيعي ان تحتفظ الحيدري بارقام الشرطة في تلفونها، وكذلك ارقام المسؤلين والسياسيين. فلذلك علاقة بعملها وليس دليلا على انحيازها.



ان كان هناك حاجة لمعرفة انفتاح عقلية الحيدري، فان مقالتها التي كتبتها على خلفية التفجير الانتحاري في مدينة تلعفرالحدودية هو خير دليل على ذلك. لقد ذهبت هناك مع الشرطة العراقية، ومع ذلك جاء عنوان مقالتها"تورط الشرطة في العمليات الانتقامية في تلعفر".



كانت الحيدري مدركة لمخاطر عملها. فكل صحفي او صحفية في العراق يعرف انه ممكن ان يقتل في اي لحظة وان استلام التهديدات صار امرا مألوفا. الكثير منهم ترك البلاد، والبعض الاخر ترك البلد مؤقتا على امل العودة بعد ان تتحسن الظروف.



كانت الحيدري في السنوات الاخيرة تكتب تحت اسماء مستعارة، وكانت تستغل اي فرصة لترك المدينة- من خلال حضورها الدورات التدريبية التي تقام في السليمانية وعمان، او في سفراتها القصيرة الى سوريا. وقامت مؤخرا باخلاء عائلتها من الموصل.



لكنها كانت دائمة التردد على الموصل.



كانت الحيدري قلقة على وضعها- وكانت تكثر من اتخاذ الاحتياطات على سلامتها وتبحث عن وسيلة لترك البلد، لكنها مع ذلك استمرت في الكتابة اكثر من اي وقت مضى.



في اذار من عام 2007، كتبت سحر للصحيفة البريطانية،الوقائع البريطانية " حالتنا النفسيةغير متوازنة لاننا نعيش ونفكر في قلق وخوف، ودائما مهمومين بمصيرنا ومصير عوائلنا. لكنني لم افكر بترك الصحافة لانها كل حياتي، وانا احبها حقا".



يبدو ان اعدائها كانوا يعرفون ان الوسيلة الوحيدة لجعلها تترك عملها هو ان يقتلوها.



ونحن اذ نحزن على موتها، فان خير ثناء نغدقه عليها هو ان نتذكر انها لم تكن الوحيدة على لائحة القتل. هناك الكثير من الصحفيين في العراق بحاجة الى مساعدتنا ان اردنا ان يقفوا بوجه اولئك الذين يحاولون اسكاتهم.



قالت الحيدري في ملاحظة لها بثت عبر برنامج الراديو الذي يبثه معهد صحافة الحرب والسلام تحت اسم "النصف الاخر" " ادعو الله ان يحفظ الصحفيات اللاتي يتعرضن من خلال عملهن الى القتل لا لجريمة يرتكبنها سوى نقل الحقيقة".



يحتاج الصحفيون العراقيون الى الاسناد العالمي ايضا.



سوزان فيشر: مديرة برنامج العراق لمعهد صحافة الحرب والسلام. قابلت سحر للمرة الاولى اثناء االدورة التي اقيمت في السليمانية في ايار عام 2005 .
Iraq
Frontline Updates
Support local journalists