مدارس الطين في ارض منسية

رجال العشائر النشامى، ضاقوا ذرعا بتقاعس المسؤلين بالاستجابة لطلباتهم بحصوص التعليم، فقاموا ببناء مدارسهم البديلة.

مدارس الطين في ارض منسية

رجال العشائر النشامى، ضاقوا ذرعا بتقاعس المسؤلين بالاستجابة لطلباتهم بحصوص التعليم، فقاموا ببناء مدارسهم البديلة.

. قال الشيخ داغر الهاشم من عشيرة الزيات التي تعتبر اكبر العشائر في هذا الجزء المنسي من جنوب غرب العراق "كنا نأمل انه و بعد سقوط نظام صدام ان تنصت لنا اي حكومة جديدة وتستجيب لرغبتنا في ان يكون لنا مدرسة".



مر شهر، سنة، وقد مرت من هنا قوات امريكية ومتحالفة، وتقادم الكثير من المحافظين على السماوة مركز المحافظة ذات الاغلبية الشيعية. لكن لم يحدث اي شيء في الغضاري.



قام الشيخ داغر الهاشم وبقية رجال عشيرته بشيء غير معتاد في العراق الذي اعتاد الناس فيه على انتظار ان تقوم الحكومة بحل اي مشكلة يمكن ان تحدث. قام السكان المحليون الذين يعتاشون على تربية الاغنام والجمال، والبعض منهم يعمل في الزراعة وعمل الطابوق واحيانا يقومون بالتهريب، بأخذ زمام الامر بأيديهم وقاموا ببناء مدرسة من الطين والخشب اسموها مدرسة الحديبية الابتدائية.



لا تتعدى الفصول الدراسية فيها اصابع اليد الواحدة، لا يوجد زجاج على شبابيكها وتفتقر الى الاثاث، لكنها تمثل تقدما في منطقة الغضاري الفقيرة حيث معظم اهلها اميين لا يعرفون القراءة والكتابة. قال الهاشم بتفاخر" بنيت المدرسة من مالي الخاص وقام الاهالي بمساعدتي من خلال المشاركة باعمال البناء".



ساهم جميع اهل القرية بامور هذه المدرسة، وفر الاهالي الطعام واحيانا الاقامة للمعلمين ، بينما قام الشيخ بدفع اجور نقلهم من السماوة التي تبعد 35 كم عن القرية.



هذا الاعتماد على الذات يبدو انه نتج عن سنين من اهمال السلطات المركزية للقرية. انها ارض منسية، حيث لا يوجد فيها احتياطي من النفط ، لا مراقد مقدسة، ولا يوجد فيها طريق مهم ممكن ان يغري المسؤلين بتفقدها.



تم في زمن صدام اعتقال الكثير من الاكراد والشيعة الذين كانوا يعانون من الدكتاتورية السنية في معسكرات وسجون في هذه المنطقة.



ومثل اسلافه، لم يكن للطاغية السابق وقت كثير للمثنى. من بين احد الامور القليلة التي تذكر لصدام من قبل المجموعة الدولية هو انه رفع مستوى التعليم في العراق، لكنه خصص القليل من المبالغ لانشاء المدارس هنا.



مالم يكن باستطاعة اهل الغضاري توفيره بانفسهم، بحثوا عنه من مصادر اخرى ويأملون بمساعدة المسؤلين في السماوة لهم في ذلك.



تم استعارة اثاث المدرسة مثل الرحلات والسبورات من مدارس اخرى. ويقول مدير المدرسة محمد جفات انه طلب من مسؤلي التربية في السماوة اصلاح السقوف التي سقطت جراء الامطار والريح العاصفة، لكنه لم يستلم اي رد منهم.



يقول هليل جبار،طالب في المرحلة الرابعة، رغم وجود الكثير من المتاعب، لكن الطلبة يواظبون على الحضور الى المدرسة.



واضاف هليل " بسبب عدم وجود رحلات كافية، يضطر بعض الطلبة الى الوقوف. وفي حال سوء الاحوال الجوية، نضطر لعدم الذهاب الى المدرسة بسبب سقوط السقف ولان المعلمين لا يحضرون ايضا. الصفوف متجاورة مع بعضها، لهذا فان معلم الصف الاول يقوم بازعاج معلم الصف الرابع. ولكن رغم كل تلك المصاعب، فان الطلبة متحمسون للدراسة".



الظروف في بقية المدارس الاخرى المبنية من الطين في المنطقة والتي قامت ببنائها السكان المحليون ليست بافضل منها هنا؛ حيث ان تلك المناطق مثلهم مثل اهل الغضاري قد فقدوا صبرهم من جراء عدم استجابة المسؤلين لمطالبهم فيما يخص التعليم.



قال عبد الحسين جواد مدير التخطيط في دائرة تربية المثنى"بعض المدارس هي عبارة عن خيام مصنوعة من شعر الجمال!! وهناك 120 مدرسة بحاجة الى اعادة تعمير- 16 مدرسة الى عمليات هدم".



وعدت الحكومة التي اعقبت سقوط صدام باصلاح نظام المدارس في البلاد من خلال توفير التعليم المجاني للجميع ومن خلا بناء مدارس ومؤسسات تعليمية جديدة.



لكنهم لم يساهموا الا في القليل من التطور، مع الاخذ بالاعتبار ان الكثير من التطوير في مجال التعليم قد قامت به المنظمات الدولية.



الاوضاع في المناطق الريفية بشكل خاص سيئة. وعدت وزارة التربية بدفع مخصصات نقل للمعلمين، ولكن بحسب جواد "فان تلك المخصصات لا تكفي لتغطية نصف ما ينفقه المعلمون للنقل والامور الاخرى".



قال فرقان فيصل، الاستاذ في كلية التربية في جامعة المثنى، ان هناك حاجة ملحة لبرنامج بناء الابنية المدرسية في البلاد لان توزيع المدارس على الرقعة الجغرافية لم يكن عادلا منذ ايام العثمانيين. ويضرب مثلا على ذلك بوجود 63 مدرسة ابتدائية في الموصل مقابل 4 في محافظة الديوانية.



حالة المدارس سيئة في كل مكان، الكثير منها يفتقر الى مياه الشرب ودورات المياه، وبحسب مديرية الاحصاء التربوي، فان مدارس الديوانية هي الاسوا من بين المدارس في المحافظات العراقية الثمانية عشر.



بعيدا عن سوء توزيع المدارس وحالاتها المزرية، هناك مشكلة كبيرة تتمثل في عدم رغبة اولياء الامور- خصوصا في المناطق الريفية- بارسال بناتهم الى المدارس – مما ساعد على رفع نسبة الامية بين النساء.



يقول محمد حسون،45، معلم مدرسة دار السلام في السماوة ان ضعف الوعي والقيم الرجعية البالية تجد لها ارضية في الكثير من المناطق، وهي تؤكد على ان الفتاة "حين تتزوج فلا حاجة بها الى التعليم لان عليها رعاية زوجها وبيتها".



وعلى كل حال، هناك ومضات امل في هذه الزاوية المنسية من جنوب غرب العراق.



يقول حسن فضل الله معله، مدير عام الابنية المدرسية في وزارة التربية ببغداد ان الوزارة قد وضعت خطة لاستبدال المدارس الطينية بمدارس حديثة على الرغم من وجود بعض المعوقات المالية والامنية التي لم يتم القضاء عليها بعد. ويقدر الكلفة بمليار دولار امريكي وان الفترة المطلوبة هي سنة واحدة لاستبدال كل المدارس المحلية هناك.



ينتظر اهالي السماوة التطوير- على اقل تقدير في حل واحدة من مشاكلهم المتمثلة في قلة الكادر التدريسي. في السابق، كان على الاطفال في المناطق الريفية الذهاب الى مدارس المدينة. لكن الان وبسبب تردي الوضع الامني في المناطق الحضرية، فان المعلمين يرغبون في العمل في القرى لانها الاكثر امانا.



حسين الياسري: متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists