كوردستان تلملم أشلاءها
لقد أوجد الهجوم على مقري الحزبين الكورديين الرئيسيين الحافز لحل الخلافات بينهما
كوردستان تلملم أشلاءها
لقد أوجد الهجوم على مقري الحزبين الكورديين الرئيسيين الحافز لحل الخلافات بينهما
لم يكن الأمر عادياً بعد ظهر يوم الأربعاء, كان جامع الصواف الكهفي يعج بالناس
لقد وقف قادة أقوى حزبين كورديين سياسيين: الإتحاد الوطني الكوردستاني, والحزب الديمقراطي الكوردستاني, جنباً الى جنب يوم 14 / شباط لإستقبال صفوف لا نهاية لها من الناس الذين جاءوا يعبرون عن مواساتهم لمقتل 109 شخصاً في الإنفجارين في مقر قيادة الحزبين قبل ( 3 ) أيام. وتردد في جنبات القاعة الصوت الحزين للملا وهو يتلو آيات من القرآن الكريم, بينما كان الناس يدخلون ويجلسون القرفصاء على السجاد الأحمر الدافئ ويتلون سورة الفاتحة على أرواح الموتى.
وفجأة وبشكل غير متوقع اصطفت مجموعة من اليزيديين ـ أتباع دين ظهر ما قبل الاسلام ـ وهم يرتدون أرديتهم البيضاء وعماماتهم المميزة. وانتظروا بفارغ الصبر حتى انتهى الملا من تلاوته, بعد ذلك, أخذ القس يرتل صلواتهم على الموتى قبل ان ينضموا الى المعزين الآخرين فوق السجاد الأحمر.
بعد ذلك بدقائق, دخل زعماء عشيرة الجبور, وهي عشيرة سنية عربية, واتخذوا مقاعدهم في الصف الأمامي, وتبعتهم مجموعة من الآشوريين المسيحيين يقودهم قس تلفع بالرداء الأحمر الطويل والقلنسوة الخفيفة على رأسه.
ووصل كذلك عدد من أعضاء مجلس الحكم العراقي من غير الكورد ليقرأوا الفاتحة, وكان من أبرزهم موفق الربيعي الذي اتجه نحو ركن هاديء من الجامع السني وأدى صلاة من أجل الموتى على الطريقة الشيعية.
ان التعايش بين هذه الأعراق بتقاليدها ومعتقداتها المتنوعة قد جعل وضع كوردستان يختلف عن بقية انحاء العراق خلال( 13 ) سنة منذ تحرير نفسها من حكم صدام حسين, حيث شهدت المنطقة تبلوراً أكثر لقيم التسامح والتحرر, لذلك يدرس أطفال التركمان بلغتهم الخاصة بهم, وتمارس النساء المتحررات الضغوط بنجاح لاحداث التغييرات في القانون, وتنتشر في المناطق المسيحية محلات بيع المشروبات الكحولية.
ويعتقد العديد في كوردستان ان سياسة العقل المنفتح هذه هي التي دفعت ( قوى الظلام ), كما يصفها الأهالي, لشن ما سموه ( 11 / أيلول الكوردي ). ويعتقد الكثير في المدينة ان قوى الظلام هذه ليست سوى المنظمة الاسلامية المتطرفة ( جماعة أنصار الاسلام ).
ان أعضاء الأنصار ولدوا وترعرعوا في كوردستان, لكنهم مع المقاتلين العرب الذين تدربوا في أفغانستان قد طردوا من مخابئهم الجبلية في المراحل المبكرة للحرب الي شنت في الربيع الماضي, ويعتقد ان العديد منهم هربوا الى ايران.
ومع ذلك, فان مجموعة غير معروفة سابقاً تدعى ( جيش أنصار السنة ) ادعت مسؤوليتها
.(ww.alerhap.com)عن هجوم أربيل, على موقع اسلامي في الانترنيت
وزعمت المجموعة انها وجهت ضربتها الى قلب الحزبين الكورديين لانهما " مهدا الطريق لجيش الصليبيين الأمريكان ".
وسواء اتحدت قوات السنة الكوردية مع أعضاء الأنصار العرب والمقاتلين الآخرين الأجانب في العراق لتكوين هذه المجموعة الجديدة, فان هذا سيبقى أمراً مشكوكاً فيه.
ولكن هذا بالنسبة لبعض الناس ليس أمراً هاماً, وقال أحد المعزين في مجلس الفاتحة " يجب من الآن فصاعداً ان نتبع سياسة اللاتسامح مع هؤلاء الاسلاميين ". ويشكل هذا القول صدى لمشاعر العديد من الآخرين.
وكما اوضح الزعيم الكوردي سعدي بيرة فان الانفجارين قد لنهيا جيلاً باكمله تقريباً من مناضلي أربيل الذين بدأ كفاحهم ضد نظام البعث في عقد الستينيات عندما كانوا طلاباً.
وسواء كانوا أعضاء في حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني او الحزب الديمقراطي الكوردستاني, فانهم قد نجوا من سجون صدام وحملة القتل ضد الكورد, إلا انهم سقطوا ضحايا للهجمات الانتحارية.
وعدنان مفتي هو احد هؤلاء المناضلين الكورد, يرقد الآن في المستشفى ليس بعيداً جداً عن الجامع.
ومفتي حالياً هو ممثل الانحاد الوطني الكوردستاني في المدينة ـ وهو احد سكنة مدينة اربيل القديمة المسورة حيث عاشت عائلته هناك لأجيال عديدة. لقد نجا عدنان من حروب تكاد لا تنتهي, ومن محاولة اغتيال دبرها له أزلام صدام عام 1980, حتى انهم دسوا في طعامه سم الثاليوم, وهو مركب كيماوي عالي السمية يستخدم في سم الفئران.
وقد نجا مفتي حتى من هذا الانفجار, وذلك فقط لان حارسه الشخصي هوار رحمان القى بنفسه بين رئيسه وحامل القنبلة. وقد مات رحمان عندما تلقى الانفجار كله مباشرة.
وعلى اثر اصابت مفتي بالشظية التي اخترقت حلقه وحنجرته فقد بات لا يتكلم, وانما يستطيع فقط التلويح بيديه للصفوف التي لاتنتهي من المهنئين بنجاته, ويقوم مساعده بتسجيل اسماء الزائرين في سجل يومي, وكان قد سجل 562 شخصاً حتى الساعة الواحدة من بعد ظهر ذلك اليوم.
وفي نهاية الممر جلس بعض الزائرين في غرفة الانتظار حيث تركز الحديث بطبيعة الحال على الانفجارين.
بينما شكك البعض في ان يكون مفجروا القنابل اسلاميين من طراز معين, فانهم ألقوا باللوم أيضاً على اللامبالاة التي وقع فيها الحزبان السياسيان الكورديان بعد الحرب. وقال احد الزائرين " لابد ان هذين الحزبين الكبيرين يشعران الآن بالاحراج لأن مجموعة صغيرة استطاعت ان ترتكب هذه المجزرة ".
ولاحظ آخر قائلاً " ان هناك مناطق لا يستطيع أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني ان يذهبوا اليها ليلاً بسبب وجود الاسلاميين ". ومع ذلك, قال آخر, ان التنافس بين الحزبين قد ابعد مسؤولي الأمن عن الخطر الحقيقي, " انهم أكثر انشغالاً بمعرفة من هو مع الاتحاد الوطني او مع الحزب الديمقراطي, من ان يراقبوا هؤلاء الارهابيين ".
لكن الجمبع اتفقوا على نقطة واحدة: ان الشعور القوي بالتوحد الذي اخذ يبرز منذ وقوع الانفجارين لابد ان يجبر الحزبين على توحيد حكومتيهما في نهاية المطاف, كما اشترط على ذلك في اتفاقية واشنطن لعام 1998 التي انهت حربهما الاهلية.
وقال زائر آخر " لقد حان الوقت امام قادتنا لوضع خلافاتهم جانباً, والخروج بحكومة موحدة, وقوة خاصة واحدة لمحاربة اولئك الارهابيين ".
وحتى الآن يبدو ان الشيء القليل قد تغير ما عدا الاجراءات الأمنية التي اصبحت أكثر تشدداً في اربيل. وقد خصص الحزب الديمقراطي الكوردستاني رجلين في كل نقطة تفتيش من النقاط المنتشرة في ارجاء المدينة لتفتيش السيارات المارة.
ولكن بعض الناس يعتقدون ان حماية الشمال الكوردي يجب ان تتسع الى أكثر من أمن الحزبين والدوائر الاستخباراتية.
وقال رؤوف محمد, مقاتل بيشمركة سابق " ان محاربة الارهابيين يجب ان تصبح معركة كل شخص ". واضاف " عندما كنا نقاتل ضد صدام حسين, كان كل واحد يساعدنا. لابد ان تتحول هذه الحرب الى مشروع وطني".
هيوا عثمان ـ مدرب ومحرر في معهد صحافة الحرب والسلام ـ بغداد