فلسطينيون ناجون في الأرض الحرام

بعد أن نفوا من العراق ومنعوا من جيرانه، يرزح الفلسطينيون تحت وطأة معناة شديدة على الحدود السورية.

فلسطينيون ناجون في الأرض الحرام

بعد أن نفوا من العراق ومنعوا من جيرانه، يرزح الفلسطينيون تحت وطأة معناة شديدة على الحدود السورية.

Thursday, 3 September, 2009
.



علينا ان نتمتع بالحس الابداعي والخيال لدحر الملل والا اصبحت كل دقيقة عبئا ثقيلا. يذهب الأطفال الى المدرسة التي أقيمت مؤقتا، بينما يبقى الأزواج لمساعدة زوجاتهم في مهام تنظيف وترميم الخيام التي لا تنتهي.



حينما يحل المساء، عادة ما نبدأ بلعب الشطرنج او الطاولة. ولدينا كذلك دوري للعب كرة القدم، حيث تتنافس عشرة فرق للحصول على جائزة مقدارها 500 ليرة سورية – أي ما يقارب عشرة دولارات اميركية.



يضم مخيم الطنف ما يقارب 850 شخصا، كلهم من الفلسطينيين الذين سكنوا العراق. كنا مستقرين بعض الوقت ابان حكم صدام حسين، وقد عوملنا حينئذ بشرف، حيث تمتعنا بتعليم مجاني، وخدمات صحية مجانية، بالإضافة الى البطاقة التموينية.



اتهمتنا الميشيات الشيعية بالتعاون مع النظام السابق بعد غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الاميركية. مع تصاعد الهجمات والتهديدات، فر الآلاف من الفلسطينيين خارج العراق.



وعلى عكس اللاجئين من الدول الاخرى، لم نكن موضع ترحيب في الدول المجاورة للعراق. حيث تضم كل من الاردن وسوريا ولبنان اعدادا كبيرة من الفلسطينيين، وتلك البلدان تعد هؤلاء اللاجئين مصدر تهديد للإستقرار في بلدانهم.



وانتهى بنا المطاف هنا، في الارض الحرام وعلى الحدود ما بين العراق وسوريا. الظروف هنا مروعة... الاطباء المحليون كلهم من الفلسطينيين، وهم يفتقرون الى المهارة والأدوات لمعالجة الامراض الصعبة. ونحن نحصل على الإعانات وحصص الطعام من منظمة الهلال الاحمر السورية و المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).



نعيش على المساعدات وعلى الحوالات التي يرسلها لنا اقاربنا في الخارج. لكن السكائر، والطعام والبضائع الاخرى يتم تهريبها الى المخيم من قبل مهربين. فكل فرد هنا في المخيم مدمن على التدخين الذي يعد احدى وسائل التسلية القليلة هنا.



تعد النار هنا احدى اكبر الاخطار. حيث حصلت بضع حرائق كبيرة مؤخرا. لقيت امرأة حامل حتفها في احدى تلك الحرائق، فهنالك الكثير من الاسباب المحتملة لحدوثها، ابتداء من كابلات الطاقة الكهربائية، ومرورا بالمولدات، وانتهاء بمستلزمات الطبخ. فخيامنا مصنوعة من مادة قابلة للإحتراق، حيث يمكن ان تحترق باكملها بغضون 20 ثانية.



و النيران التي تخيفنا أكثر من غيرها هي تلك التي تندلع اثناء الليل، خصوصا خلال الساعات مابين 3-6 حيث يكون الكل نائما. وكاجراء وقائي، ينام رب كل اسرة وبرفقته سكين تحت وسادته. ففي حال اندلاع حريق، سيعمل على تمزيق الخيمة لإخلاء عائلته.



يبني الفرد الفلسطيني حياته على مجموعة من التناقضات. ففي مخيم الطنف هنا، توجد مغازلات وهواتف نقالة وسط زحمة النيران والسكاكين.



فهنا يعتمد الحبيبان من الشباب على الهواتف النقالة للتواصل فيما بينهم، حيث لا تتوفر لديهم الفرصة المناسبة للإنفراد ببعضهم. فكبار السن ينهوهم عن الاختلاط ببعضهم قبل الزواج. ومنذ عام 2006 كانت هنالك 35 حالة زواج و57 ولادة داخل المخيم.



لا تتمتع العائلات هنا بالثراء حيث يبلغ المهر النموذجي 1500 دولار. لكن منظمة حماس الفلسيطينة تمنح المتزوجين الجدد هدية مقدارها 1000 دولار و التي تساعدهم بعض الشيء، خصوصا وسط تفشي البطالة.



الوظائف القليلة المتوفرة هنا تقتصر على توزيع الطعام والماء وجمع النفايات. لسنا بلاجئين فقط، بل نحن ناجون. نستفيد من المياه التي نستخدمها للغسل لري مزروعاتنا. كل عائلة تمتللك حديقة قريبة من المكان الذي تنظف وتغسل فيه الملابس والاطباق في نفس الوقت.



لقد درست علوم الحاسبات في التسعينات وانا الآن مسوؤل عن الحاسبات في المخيم. اعمل على اصلاح أجهزة اللابتوب وتنصيب البرمجيات في الهواتف النقالة لمساعدة الشبان استخدام الدردشة فيما بينهم بصورة ارخص.



انتقلت عائلتي من الضفة الغربية الى العراق في بداية التسعينات. وكنا نمتلك محل خياطة في منطقة بغداد الجديدة. في تشرين الثاني من عام 2006، وجدنا قصاصة على الباب تبلغنا بان كل من عمل في المحل سيقتل خلال 24 ساعة.



طوال الأسابيع الثلاثة التي تلت، لازمنا الدار. ثم قررنا بعد ذلك ترك البلاد لحظة استلامنا مكالمة هاتفية من احد الأصدقاء في الساعة الثالثة صباحا يخبرنا بوجود رجال بزي الشرطة يبحثون في محلنا عن فلسطينيين.



لانملك جوازات سفر ووثائقنا غير معترفة بها من قبل السطات السورية. فكانت الطريقة الوحيدة لدخول سوريا من خلال التقديم لتأشيرة دخول الى الهند، الامر الذي سمح لنا بالهبوط المؤقت في دمشق.



وقد قررنا الإختباء حال عبورنا الحدود. في ذلك الوقت توفي والدي، وقد تم دفنه تحت اسم مستعار لحماية هوية عائلتنا. الا ان السلطات السورية علمت بشأننا في اوائل عام 2008 وتم ترحيلنا الى مخيم الطنف.



انا الآن ابلغ من العمر 32 عاما وأرغب بالإستقرار في مكان ما يمنحنا حق المواطنة. لقد ولدت في بلد، ونشأت في بلد آخر، وأنا أعيش الآن ما بين بلدين. فأنا لا أحد، ومساوي للصفر في رصيد الأمة العربية.



ابو محمد اسم مستعار لمتدرب معهد صحافة الحرب والسلام يعيش داخل مخيم الطنف.
Iraq
Frontline Updates
Support local journalists