أزمة كوني

بقلم بيتر ايشستيدت

أزمة كوني

بقلم بيتر ايشستيدت

.



وكان أدلى كوني بهذا التصريح بعد تخلفه عن حضور الاجتماع الذي تم عقده في العاشر من أيار مع القادة الثقافيين والدينييين من شمال أوغندا؛ الذين تحملوا عناء السفر إلى مكان على الحدود بين جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.



وقُصِد بهذا الاجتماع أن يكون بمثابة جهدً أخير لإقناع كوني الزئبقي بالتوقيع على اتفاق السلام الذي كان يتم تحضيره منذ ما يقارب سنتين.



وهذه هي المرة الثانية في غضون شهرين التي يمتنع فيها كوني عن التوقيع على اتفاق السلام بعد أن تغيب عن الحضور في شهر نيسان أيضاً، في حين قام نحو مائتي شخص بالسير عبر الغابة ليشهدوا توقيع اتفاق السلام هذا.



وكمعظم الأشياء التي تتعلق بكوني وبجيش الرب للمقاومة وصلت الرسالة الأخيرة بطريقة غامضة إلى حد ما.



حيث نشرت الأحد الماضي صحيفة يومية في كمبالا نسخة عن بيان خطي عن كوني بلغته الأم اللو، يُزعَم أن وسيطاً قد أوصله إلى مارتين اليكر ومستشار الرئيس الأوغندى يوري موسيفينى ورئيس مؤسسة وسائل الإعلام الوطنية ـ وهي شركة كبيرة مقرها كينيا و تملك الصحف اليومية والتلفزيون الوطني ـ



ووفقاً لما جاء عن اليكر إن " كوني صرح بأنه لن يوقع على اتفاق السلام لأنه واثق بأنه إذا فعل سيساق إلى أوروبة وسيشنق هناك كما أنه لن يعود إلى أوغندا للمحاكمة لأنه سيشنق أيضاً بسبب القانون المحلي الذي لم يتم تجريبه بعد، معلناً أن من الأفضل له أن يموت في ساحة القتال على أن يستسلم ويتم قتله. "



وقد أجاب بيان كوني هذا على بعض الأسئلة إلا أنه أثار بعض التساؤلات والمسائل الصعبة.



إلا أن معظم المشاركين في عملية التفاوض ترددوا في القول بإن محادثات السلام قد باءت بالفشل، حتى بعد تخلف كوني الثاني عن حضور المحادثات فلا أحد كان يرغب في أن يكون المسؤول عن إعلان فشل المحادثات هذا الفشل الذريع خوفاً من أن يتهم بالتشاؤم المفرط أو الأسوأ من ذلك أن يتهم بالواقعية.



وبدلاً عن ذلك أدى كوني هذه المهمة.



كما نقل معهد صحافة الحرب والسلم في نيسان أن كوني قائد المتمردين قد أمضى معظم هذا العام في إعادة بناء قواته حتى مع استمرار محادثات السلام من بداية شباط واستمرارها خلال آذار ونيسان وأنه اختطف ما يقدر بثلاثمائة شخص وبدأ في تدريبهم ليكونوا جنوداً.



وقد جاء هؤلاء المختطفون من جمهورية إفريقيا الوسطى ومن جنوب السودان ومن جميع أنحاء المنطقة المحيطة بحديقة غارامبا الوطنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.



ويبدو أن كوني قد قرر إعادة بناء جيشه من المتمردين من مختلف الميليشيات التي تسيطر على هذه الموارد الغنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.



ومن الواضح أن كوني ليس مهتماً بالتعاون مع المجتمع الدولي بشكل عام وإذا كانت رسالته الأخيرة تعكس بشكل دقيق حالته، نرى أنه يعاني خوفاً شديداً من قاعة المحكمة والعدالة لا يفوقه إلا خوفه من الموت.



ولابد أن كوني يدرك رغم عدم اعترافه مسبقاً بأنه كقائد لجيش الرب للمقاومة يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن بعض أبشع الجرائم التي ارتكبت في جميع أنحاء إفريقيا في العقود القليلة الماضية. وأنه مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة الاتهامات عن ثلاث وثلاثين جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية.



كوني يفضل "الموت في ساحة القتال" يعني أيضاً أنه لا يزال على صلة على ما يبدو بالقضية التي قادته إلى الفرار أصلاً في أواسط الثمانينات للانتقام من جيش موسيفيني الذي اقترف أخطاء بحق شعب الأشولي في شمال أوغندا.



وسنوافق على الرغم من ذلك، على أن كوني كان يقاتل من أجل مجرد البقاء على قيد الحياة على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية أو أكثر وأن الأشوليين كانوا الهدف الرئيسي للهجوم وليس الجيش الأوغندي.



هذا ولا يزال البقاء على قيد الحياة يشغل بال كوني هذه الأيام إذ تمركز استراتيجياً في واحدة من المناطق النائية التي يتعذر الوصول إليها في إفريقيا في منطقة خالية من الطرق ووسائل التنقل فيما عدا السير على الأقدام أو ربما طائرات هليكوبتر.



وبذلك لا يكون بعيداً عن سيطرة القوات العسكرية من جمهورية الكونغو الديمقراطية فقط بل ومن تلك التي في جنوب السودان وأوغندا كذلك.



ومن المحتمل أن يكون لدى كوني ما يكفي من المعلومات مسبقاً عما إذا كانت أي فرقة تملك ما يكفي من القوة لمهاجمة جيش الرب للمقاومة ـ الذي تشير التقديرات إلى أنه يتألف من ستمائة جندي أو أكثر ـ أو الاقتراب من قاعدته.



وبالطبع سيتطلب شن أي هجوم أسطولاً من طائرات الهليكوبتر لنقل مئات الجنود إلى عمق الأدغال، ومن المؤكد أن أياً من البلدان المعنية لا يملك مثل هذه الطائرات في الوقت الراهن.



إذاً إلى متى سيتمكن كوني من البقاء هناك؟ ربما لفترة أطول مما يمكن للمرء أن يتخيل.



وهناك مخاوف من أن كوني قام بتخزين الكميات الهائلة من الإمدادات الغذائية التي مد بها المجتمع الدولي قواته في العامين الماضيين، وذلك نظرياً لإبقائه على طاولة المفاوضات من أجل السلام ولكن على فرض أنه حصل على ضعف احتياجات قواته من المواد الغذائية ـ والتي يذهب البعض إلى حد القول أنها تبلغ ثلاثة وأربعة أضعاف هذه الكمية ـ يستطيع أن يستمر عامين دون أن يفعل إلا القليل جداً فيما عدا الإغارة على القرى المحلية وسرقة الماشية أوقتل الحيوانات البرية في حديقة غارامبا .



وهناك تكهنات بأن كوني قد يكون على وشك أن يقحم نفسه في الوضع في جنوب السودان، إذ كان قد نشب في الشهر الماضي قتال عنيف في المنطقة الغنية بالنفط حول أبيي حيث هناك تصعيد للصراع من أجل السيطرة على الثروة المستقبلية بين الجنوب وحكومة الخرطوم.



وكانت الخرطوم تدعم كوني من قبل ومع بعض الدعم الجديد سيتمكن من إضافة فصل دموي آخر على عقود من حرب دامية دائرة بين شمال وجنوب السودان.



ومن الممكن لكوني استراتيجياً أن يحرك قواته شمالاً إلى جمهورية إفريقيا الوسطى دون مشقة، وأن يتمتع بالحرية والإفلات من العقاب خاصة وأن قسماً كبيراً من هذه المنطقة خارج عن القانون ولا حكومة فيه.



والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ـ هل سيتم القيام بأي شيء للتعامل مع كوني؟ إن هذا هو موضع شك إذ بالتمركز حيث هو حالياً يضمن البقاء على قيد الحياة لأن لا أحد في وضع يسمح له القيام بأي شيء ضده.



ورغم أن أوغندا كانت قد نشرت قوة عسكرية ضخمة في الشمال منذ أواخر التسعينات وحتى عام 2003 فإنها لا تفعل ذلك الآن ومن غير المرجح أن تقوم بذلك على المدى القريب، إلا أن لديها بعض الميليشيات هناك.



وفي الحقيقة بما أن كوني غادر منذ مدة طويلة شمال أوغندا، فلماذا تقحم كمبالا نفسها؟ على أي حال سيكون من المتوقع أن يتم نقل قوات من أوغندا على نطاق واسع وسيقوم كوني دون شك باستخدام الجنود المدربين حديثاً من المختطفين كخط دفاع أول.



إن لدى جنوب السودان قدرة محدودة على التحرك ضد كوني وستنخفض هذه القدرة أكثر فأكثر لأنه يحتاج المزيد من الموارد للقتال في أبيي.



إن الدولة في جمهورية إفريقيا الوسطى افتراضية لا كيان لها ولا سيما في أقصى المناطق الحدودية النائية القريبة من السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية حيث تمارس الحكومة المركزية السيطرة على الإطلاق.



إن الأمم المتحدة تشكل خياراً إلا أن شن هجوم على قاعدة كوني لن يكون بأي شكل من الأشكال جزءاً من مهمتها في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ لا يمكن أن ننسى أن ثمانية أفراد من القوات الخاصة في غواتيمالا لقوا حتفهم في محاولة مماثلة للقضاء على زعيم جيش الرب للمقاومة قبل عامين، ولذلك من المرجح أن تقدم الأمم المتحدة الدعم التكتيكي فقط.



وبالتالي يبقى كوني متمركزاً في حديقة غارامبا، حيث يمضي وقته في التمتع بأشرطة الفيديو التي تعمل بالطاقة الشمسية عندما لايقوم باختطاف المدنيين وأعمال النهب كما يفعل دائماً.

لقد توعد بأنه لن يذهب إلى المحكمة وأنه يفضل الموت في ساحة المعركة على ذلك.



ويبقى السؤال مطروحاً، هل هناك من هو على استعداد لتحقيق رغبته هذه؟ أو أن الأفضل من ذلك تقديمه إلى المحاكمة؟



بيتر ايشستيدت، محرر في معهد صحافة الحرب والسلم، لاهاي.
Africa
Frontline Updates
Support local journalists