استراتيجية التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية تتعرض للنقد

يشير موظفون سابقون في المحكمة الجنائية الدولية وكذلك ناشطون إلى أن مشاكل إجراءات التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية تؤدي إلى التغاضي عن العديد من الجرائم الجنسية.

استراتيجية التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية تتعرض للنقد

يشير موظفون سابقون في المحكمة الجنائية الدولية وكذلك ناشطون إلى أن مشاكل إجراءات التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية تؤدي إلى التغاضي عن العديد من الجرائم الجنسية.

Thursday, 20 November, 2008
.



وقد أخبر محققون سابقون في المحكمة الجنائية الدولية معهد صحافة الحرب و السلم، بأنه لم يتم إجراء ما يكفي من التحليلات والتخطيط الفعال قبل إرسال البعثات للتحقيق والكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان.



وتصرح جماعات الدفاع عن العدالة بين الجنسين بأن هذا النهج يعني أن أكثر التهم مناسبة لا تُوجه دائماً إلى المشتبه بارتكابهم جرائم حرب، كما تشير إلى أنه تم توجيه عدد قليل جداً من تهم العنف الجنسي – وأنها غالباً ما كانت تهماً معقدة وصعبة الإثبات.



إلا أن المدعين العامين يشيرون إلى أن الموارد المحدودة تعني أنهم غير قادرين على متابعة جميع الجرائم التي ارتكبها فرد مشتبه به، وأن ذلك مجرد اختيار.

وهم يصرون على أنهم بذلوا جهوداً كبيرة للتحقيق في تهم العنف الجنسي وتأكدوا من أن جميع المحققين مدربين جيداً على كيفية إجراء مقابلات مع الضحايا قبل إرسالهم إلى الميدان.



وغالباً ما يقرر المدعون العامون ـ قبل أن يجري التحقيق أمام المحكمة الجنائية الدوليـة ـ نهج التحقيق الذي سيتخذونه بعد استعراض المواد الواردة عن المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة والهيئات الحكومية والهيئات القضائية الوطنية والشرطة العسكرية.



وبعد أن يتم جمع هذه المعلومات الأولية واستعراضها، يتم إخبار المحققين بما يتوجب عليهم التركيز عليه من جناة مزعومين وحوادث خاصة ـ مثل الهجمات الخاصة على القرى والقتل الجماعي أو النقل القسري للمدنيين.



ولكن ولأن هناك ضغوط كبيرة على المحكمة الجنائية الدولية لتتدخل في البلدان التي تخوض الصراعات أو الخارجة منها، يشير المحققون إلى أنهم يُرسَلون إلى هذه البلدان لإجراء التحقيقات فيها قبل أن يتم تحليل المعلومات بشكل كاف وكامل.



ولأنهم يصلون إلى البلاد وهم مهيؤون مسبقاً للتركيز على جمع الأدلة التي تتعلق بمجموعة معينة من الجرائم التي تم ارتكابها في مواقع وتواريخ محددة، فإن ذلك يؤدي ـ على حد قولهم ـ إلى التغاضي عن الفظائع الأخرى المرتكبة.



وحتى عندما يعثر المحققون على أدلة على جرائم أخرى ليست على قائمتهم الأولية، يقولون إنهم يفتقرون إلى الوقت اللازم للتحقيق فيها بالشكل السليم، مما يعني أن الجناة المزعومين أقل عرضة للاتهام.



عدم وجود التخطيط قبل التحقيقات



ومن المشاكل الرئيسية التي ذكرها محققو المحكمة الجنائية الدولية السابقون، أنه تم إرسالهم إلى البلدان لجمع الأدلة دون أن يُتاح لهم الوقت الكافي لمراجعة واستعراض المعلومات التي جمعتها مسبقاً مصادر أخرى تعمل في الميدان.



وكمؤسسة حديثة العهد ترسخ المحكمة الجنائية الدولية تحت ضغوط هائلة لإثبات نفسها وتحقيق العدالة للبلدان التي لا تستطيع أو لا تريد محاكمة جرائم الحرب الخطيرة على الصعيد الداخلي.



وكنتيجة لذلك، يقول المحققون السابقون إن المدعنن العامين قد يدفعونهم إلى العمل على القضايا قبل أن يتمكنوا من جمع وتحليل المعلومات المتوفرة عنها بدقة.



قال مارتن ويتفين الذي يعمل محققاً في أوغندة ـ البلد الأول الذي تحقق فيه المحكمة الوليدة ـ "لم يكن لدينا ما يكفي من الوقت للقيام بجمع المعلومات الأولية".



"يريد المدعي العام أن تصدر لوائح الاتهام في غضون عام واحد، إلا أن نجاح التحقيقات يعتمد على المراحل الأولى من جمع المعلومات وتحليلها".



ويقول موظفون سابقون في المحكمة الجنائية الدولية إنه تم استعجال المحققين الذين أُرسلوا إلى السودان للتحقيق في الفظائع المرتكبة في دارفور، لكي يبدؤوا بالتحقيقات قبل أن يكون لديهم الوقت لدراسة الوثائق الموجودة.



وقبل أن يحيل مجلس الأمن الدولي قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في آذار 2005 ، تم إرسال لجنة من الأمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان هناك، فوجدت أن الحكومة وحلفاءها من ميليشيا "الجنجويد" قد ارتكبوا جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي على نطاق واسع في جميع أنحاء دارفور، وأنه تم استعباد النساء والأطفال وتعرضت فتيات لم يتجاوزن العشر سنوات لاغتصاب جماعي.



وجاء في تقرير اللجنة :"تم ارتكاب عمليات الاغتصاب على يد الجنجويد وجنود الحكومة في مواقع المشردين داخلياً بأعداد كافية لغرس الخوف من مثل هذه الحوادث بين النساء والفتيات، وأدى ذلك إلى الإقامة الجبرية الفعلية داخل هذه الأماكن".



وفي حين أُحيلت هذه النتائج إلى المحكمة الجنائية الدولية، يشير موظفو المحكمة السابقون إلى أن المدعين العامين عانوا من الضغط بسبب ما اعتُبِر انتقادات خارجية جراء عدم التحرك بسرعة كافية فباشروا بالتحقيق قبل أن يقوموا بالتخطيط الكافي.



ويقول الموظفون السابقون إن المزيد من التحليل كان ينبغي أن يجري داخلياً قبل أن يتم إرسال المحققين، ووفقاً لما ذكروا كانت النتيجة أن أدى ذلك إلى عدم التخطيط بشكل خاص للمقابلات التي تم إجراؤها مع ضحايا العنف الجنسي بوصفها إحدى ركائز التحقيق.



ويقول المحققون السابقون إن الأدلة على هذه التجاوزات لم تظهر إلا عندما تحدثوا مع الناجين عما عانوه خلال حوادث الجرائم التي كانت تريد النيابة العامة التحقيق فيها.



ويشير أولئك الذين عملوا على مجموعة متنوعة من القضايا المختلفة إلى أنهم تلقوا تعليمات لتغيير الاتجاه في منتصف التحقيقات للتركيز على مجموعة مختلفة من الحوادث والجرائم. وهذا يعكس نقصاً شاملاً في وجود توجه استراتيجي ويعني أن الوقت المحدود الذي كان مُتاحاً لهم لم يُستخدم بشكل فعال.



قال موظف سابق في المحكمة الجنائية الدولية: "يمكنك أن تبدأ البحث عن شيء ثم تنتهي إلى إيجاد شيء آخر وهذا قد يشكل أساساً أفضل للمحاكمة، ولكن أن تقوم بتغيير ما تبحث عنه فذلك مضيعة للوقت إذ أنك لا تبني حكمك على أساس ما تجمعه من معلومات".



وقد عبر هؤلاء الذين كانوا يجرون التحقيقات في جرائم الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية عن الإحباط الذي شعروا به لأن المدعين العامين طلبوا يوماً من فريق التحقيق مع الزعيم السابق لاتحاد الوطنيين الكونغوليين توماس لوبانغا، إيقاف أعمال التحقيق التي استمرت لعام ونصف دون تقديم أي تبرير لذلك، طالبين منهم التركيز على تجنيد الأطفال فقط".



وقد أشاروا إلى أنهم وفي سياق التحقيق في حوادث من مثل القتل الجماعي في قرية، عثروا أيضاً على أدلة على التعذيب والنهب والاغتصاب والاسترقاق.



قال محقق سابق: "لقد كان الأمر غريباً ومدهشاً" مضيفاً "لقد كنا نحقق في عمليات القتل والهجمات على القرى وتدفق الأسلحة غير المشروعة، عندما تم يوماً اتخاذ قرار بالتركيز على الأطفال الجنود فقط".



ويشير الموظف السابق نفسه إلى أن أنه يعتقد أن ذلك حدث لأن التحقيق كان قد استغرق وقتاً طويلاً بالفعل، والمدعون العامون كانوا يريدون تقديم شيء إلى هيئة المحكمة في أقرب وقت ممكن.



قائلاً: " لم نحقق خلال عام ونصف في تجنيد الأطفال ـ وكان العنف الجنسي جزءاً من التحقيق الشامل ـ إلا أن القرار بالتركيز أدى إلى ذهاب كل العمل الذي قمنا به خلال عام ونصف سُدى".



"لا يمكنني أن أتذكر كيف ومتى تم إعطاء تفسير ولكن كان من المهم بالنسبة لمكتب [المدعي العام] عرض القضية أمام المحكمة".



واعترفت كريستين تشونغ ـ وهي محاميه عامة رئيسية سابقة في المحكمة الجنائية الدولية قادت التحقيقات في المحاكمة في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ـ بأنه كان هناك ضغط على المدعين العامين للمباشرة بالقضايا.



إلا أنها أخبرت معهد صحافة الحرب والسلم بأن هذا الضغط لم يؤثر سلباً على التحقيقات.



قائلة : "كان هناك ضغط للمباشرة بالقضايا ولكن هذا العامل لم يسبب إعاقة التخطيط للتحقيق في جرائم العنف الجنسي" مصرة على أن أي عقبات ترجع إلى انعدام الأمن على أرض الواقع.



"أولى مكتب المدعي العام قدراً كبيراً من الاهتمام للتخطيط قبل التحقيق - ويعتقد الكثيرون أن ذلك لفترة أطول من اللازم ـ [و] في مرحلة ما يجب الذهاب إلى الميدان".



وأشارت بياتريس لو فرابر دو هيلين من مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن التحقيقات الأولية كان لها معنى واحد وهو بناء المؤسسة، الشيء الأهم كان المباشرة بالقضايا.



وقالت "كان لابد من إجراء الكثير من التحليلات لحل قضايا أشد الجرائم خطورة... والمباشرة بها في أسرع وقت ممكن، وكانت الفكرة أنه إذا أردنا أن تبدأ المحكمة فليس هناك أي مجال لاستمرار التحقيق لسنوات وسنوات دون أن يصبح لدينا قضايا. لابد من التحرك إلى الأمام فور وجود أدلة كافية".



ويؤكد النقاد والمطلعون على أن الأمور قد تحسنت في التحقيقات التي أجريت مؤخراً كما في التحقيقات في جمهورية إفريقيا الوسطى مثلاً، حيث كان التخطيط أوسع كثيراً مما كان عليه في التحقيقات السابقة وذلك قبل إرسال المحققين إلى الميدان.



قالت لو فرابر: "لدينا مكتب في الميدان في جمهورية إفريقيا الوسطى وكان كل شيء جاهزاً قبل أن نعلن عن بدء التحقيق، لقد حددنا الأماكن التي نريد التحقيق فيها مسبقاً ولذلك كان التخطيط جيداً".



تضييق التركيز على التحقيقات



ووفقاً لما جاء عن المحققين السابقين كان المدعون العامون في المحكمة الجنائية الدولية يستخدمون استراتيجية مشتركة، تتضمن توجيه المحققين للتركيز على مجموعة محددة من الحوادث التي أبلغت عنها المنظمات المتواجدة في الميدان، كنهب قرية مثلاً.



إلا أنهم لاحظوا أن التركيز على عينة محدودة من الحوادث يعني أن الجرائم الأخرى لن يتم التحقيق فيها ومقاضاتها أبداً.



كما أن جماعات حقوق الإنسان تتهم في الوقت نفسه المدعين العامين بالسعي لضمان الإدانة السريعة بدلاً من السعي إلى إلقاء القبض على عينة تمثل مجموعة الجرائم التي تم ارتكابها خلال نزاع معين.



وفي قضية التمرد في شمال أوغندا - التي أحالتها الحكومة في البلاد إلى المحكمة الجنائية الدولية في بداية عام 2004- اتخذ المدعون العامون قراراً في وقت مبكر بأن تركز التحقيقات على ما تم اعتباره أكثر ست هجمات وحشية شنها قادة جيش الرب للمقاومة في شمال البلاد منذ عام 2002.



وقبل بداية التحقيقات تلقى محللو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية وثائق من المنظمات غير الحكومية المحلية ومراكز إعادة التأهيل التي تم فيها تجميع الأطفال ـ الذين كان قد تم خطفهم وأسرهم واستخدامهم كأطفال جنود وخدم وعبيد جنس ـ عندما خرجوا من الأدغال.



كما أنهم جمعوا كذلك أدلة من السلطات الأوغندية التي كانت قد وثقت أعمال جيش الرب للمقاومة على مدى السنوات العشرين الماضية وثبتوها من خلال كتابتها في المقالات الصحفية التي وصفت الهجمات.



وبعد تجميع الأدلة والنظر فيها قررت النيابة العامة قصر تحقيقاتها على ستة حوادث ـ ولم يحدث أي تغيير على هذا القرار منذ تم اتخاذه في نهاية أيلول 2004 ـ عندما كانوا في البلاد لمدة أربعة أسابيع فقط.



قال مارتن ويتيفين الذي كان يعمل محققاً في المحكمة الجنائية الدولية في أوغندا: "لم يجر أبداً التحقيق في أي شيء آخر غير تلك الحوادث الست".



وبعد عام واحد فقط ـ في تموز من عام 2005 ـ صدر أمر اعتقال بحق خمسة من أعضاء جيش الرب للمقاومة عن ثلاث وثلاثين تهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من إثبات ارتكاب جرائم العنف الجنسي على نطاق واسع خلال الصراع المستمر منذ عشرين عاماً لم يتم توجيه الاتهام عن مثل هذه الجرائم إلا إلى اثنين من كبار القادة.



اتُهم زعيم جيش الرب للمقاومة جوزيف كوني بارتكاب الاسترقاق الجنسي والاغتصاب ويإصدار أوامر بالاغتصاب، في حين أن نائبه فنسنت أوتي - الذي يقول جيش الرب للمقاومة إنه ميت الآن ـ اتهم بارتكاب الاستعباد الجنسي والأمر بالاغتصاب.



"ويقول المحققون إنه لم يتم إعارة الجرائم الجنسية اهتماماً خاصاً لأن التركيز في التحقيق كان محدوداً في نطاق ضيق جداً".



وقال ويتيفين: "وفي نظرة فاحصة لما حصل ندرك أنه كان علينا أن نفعل أفضل من ذلك في عملية توجيه التهم [في الجرائم المنهجية التي كان يرتكبها جيش الرب للمقاومة طوال فترة الصراع] مثل الجرائم الجنسية وتجنيد الأطفال".



وأضاف أنه في حين أن التحقيق لم يكن في جرائم الاغتصاب والاستعباد الجنسي على وجه خاص، فقد تم اكتشاف الدليل على هذه الجرائم أثناء المقابلات التي كان يجريها المحققون مع الفتيات من أجل استخلاص المعلومات عن الحوادث التي كان يجري التحقيق فيها.



وأشار أيضاً إلى أن الفتيات أخبرن المحققين خلال المقابلات عن العنف الجنسي الذي عانين منه، حيث ظهر نظام معقد للاسترقاق الجنسي.



قال ويتيفين: "كان يتم توزيع الفتيات على القادة بشكل عشوائي، [كنّ] خادمات في المنازل وبعد ذلك نشأن في الصفوف ثم قُدِّمن للقادة للمتعة الجنسية"



"ما الذي كان يُسمح لهن القيام به وما الذي كن مضطرات للقيام به وفي أي سن، كل ذلك كان مطوراً بشكل كامل ومكتوباً ـ لقد كان كل ذلك مدبراً ومدروساً ومنصوصاً عليه في قواعد".



والسبب الوحيد الذي أدى بالمحققين إلى توجيه الاتهام إلى كوني وأوتي بارتكاب الجرائم الجنسية، هو أن المحققين اكتشفوا هذه الأدلة عندما كانوا يتتبعون الأدلة الأخرى.



ولكن لو فرابر دافعت عن سياسة المدعي العام، قائلة لمعهد صحافة الحرب والسلم إن من المستحيل التحقيق لسنوات وتجميع كل شيء.



بقولها: "خلال مرحلة التحليل نجمع [معلومات من] المصادر المفتوحة والاتصالات والتقارير التي تنقلها المنظمات غير الحكومية، وإلى جانب ذلك نحاول أن نرى في أي فترة كان العنف أشد وأي منطقة [عانت أكثر]. ثم نختار عدداً من الحوادث وهنا يبدأ الشعور بالإحباط لدى المحققين وأنا أتفهم ذلك تماماً".



وأضافت "ينبغي علينا وضع المعايير وتحديد اتجاه التحقيقات، لا نستطيع أن نختار إلا عدداً قليلاً من الحوادث ولذلك نحن بحاجة إلى حسن الاختيار فليس بإمكاننا التحقيق في مئات الحوادث المتشابهة".



"قد لا تكون [الإجراءات] كاملة ومن الممكن انتقادها ولكن في الوقت ذاته نحن بحاجة إلى تحديد الحوادث التي [تعكس] أدلتنا".



وقالت إن التحقيقات التي تم التركيز عليها هي أساس طريقة عمل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية.



وقالت لو فرابر إن المحكمة الجنائية الدولية تعلمت دروساً من القضايا التي تمت محاكمتها في محاكم جرائم الحرب الدولية التي سبقتها، مثل محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.



لقد استغرقت المحكمة ست سنوات لإعداد ثلاث لوائح اتهام منفصلة ضد ميلوسيفيتش، لتغطي الجرائم التي ارتكبت في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو خلال عقد من الزمن تقريباً، وقد توفي المتهم بعد أربع سنوات من بدء المحاكمة قبل أن يتم إصدار حكم بحقه.



ومن جهة أخرى، تقول لو فرابر دو هيلين إن سياسة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية تنطوي على إجراء التحقيقات في غضون أشهر قليلة كما تنطوي على إدراج أقل عدد ممكن من الشهود والحوادث.



وأضافت "في أوغندا انصب الاهتمام على إيجاد التوازن بين تغطية أوسع نطاق ممكن من الإيقاع ضحية ـ وهي واحدة من أهم المبادئ التوجيهية الرئيسية لاستراتيجية الادعاء ـ وبين إجراء تحقيقات مركزة في وقت قصير ليكون هناك اتهامات جاهزة ضد أولئك الذين اعتبروا أصحاب المسؤولية الأكبر عنها".



وتوافق تشونغ على أن من غير الممكن التحقيق في كل سبيل للحصول على المعلومات.



قائلة: "إذا كانت هذه طريقة [مكتب المدعي العام] في عمله فلن تتحقق العدالة لأي ضحية من ضحايا العنف الجنسي في الوقت المناسب".



الفرص الضائعة



يشير المحققون السابقون إلى أنه كان من الممكن أن يؤدي اتباع نهج مختلف في التحقيقات إلى توجيه المزيد من اتهامات العنف الجنسي فيما يتعلق بالصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا.



وقال ويتيفين إنه كان من الممكن جمع المزيد من الأدلة على الجرائم الجنسية في أوغندا، لو تم توسيع إطار نطاق التحقيق.



قال: "لقد أجرينا مقابلات مع عدد من الزوجات وهن (فتيات أجبرن على العيش مع كبار رجال جيش الرب للمقاومة) ولكن الأسئلة ركزت على علاقتهن بالقادة، وليس على الاغتصاب والاستعباد الجنسي" وأضاف "كان علينا ألا نحد أنفسنا بهذا النوع من الشهود – كان ينبغي لنا أن نتوسع ونتكلم مع غيرهن من ضحايا العنف الجنسي".



وأضاف أن موظفي المحكمة الجنائية الدولية أضاعوا فرصة عكس طبيعة الجرائم الجنسية المنظمة المزعومة التي يرتكبها جيش الرب للمقاومة.



وفي حين أن الجرائم الجنسية ميزت اثنتين من لوائح الاتهام الصادرة ضد جيش الرب للمقاومة، يقول كثير من المراقبين أن هذه الطريقة لا تُظهر بأي شكل من الأشكال المنهجية والاتساع في العنف الجنسي الذي كان سمة من سمات الصراع.



ومذكرة الاعتقال التي صدرت ضد كوني على سبيل المثال - والتي ججبت تماماً هوية الضحايا المفروض حمايتهم ـ تشير إلى أن تهمة الاسترقاق الجنسي الموجهة إليه تتعلق بحادثة واحدة محددة وقعت في عام 2003.



وقد أكدت بريجيد أندير مديرة ـ مبادرات المرأة من أجل العدالة بين الجنسين ـ WIGJ ـ على أن الفرصة قد ضاعت، و كان من الممكن على حد قولها اتهام كل متهم من قادة جيش الرب للمقاومة بتهمة الاغتصاب باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، لأنهم كلهم نشطوا في الإشراف على هذا الفعل وفي تطبيقه.



ويقول المراقبون إن عدم مقاضاة الجرائم الجنسية عندما توجد أدلة على ارتكابها يرسل إشارات خطيرة.



قالت بينايفر نوروجي مديرة مبادرة المجتمع المفتوح لشرق إفريقيا : "هذا أمر خطير، لأنه يهمل الضحايا الذين يشعرون بعدم الاعتراف بمعاناتهم من الجرائم التي ارتُكبت في حقهم، ويعطي رسالة مفادها أن جرائم العنف الجنسي ليست جرائم ".



واتهمت المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية باتخاذ نهج ضيق في إدارة قضية العدالة الدولية، من خلال التركيز على الجرائم الفردية من أجل ضمان الإدانة بدلاً من مقاضاة مجموعة أوسع من الجرائم ، والتهييء لسرد أوسع لكل ما حدث.



إلا أن لو فرابر دو هيلين تصر على أنه جرى تناول الطبيعة المنهجية للجرائم الجنسية في التهم الموجهة ضد كوني، قائلة إنه متهم بإصداره أوامر باختطاف الفتيات لتوزيعهن كمكافآت على القادة.



وفي الوقت نفسه تشير تشونج إلى أن تحقيق أوغندا ركز على منهجية التحقيق في الجرائم الجنسية أكثر من أي تحقيق جرى مسبقاً في أي محكمة جنائية دولية أخرى.



إلا أنها شددت مع ذلك على أنه من أجل اتهام كل ضابط من ضباط جيش الرب للمقاومة بجريمة الاسترقاق الجنسي والمشاركة النشطة في إنفاذها، لابد من إثبات انتهاجهم سياسة جنائية للاسترقاق الجنسي ورغم ظهور أدلة على تورط القادة الآخرين في وقت لاحق، فإن ذلك لم يجر تطويره على نحو كاف حتى قدم المدعون العامون والقضاة ما لديهم من أدلة وطالبوا بإصدار أوامر الاعتقال.



كما دعت جماعات حقوق الإنسان إلى توجيه المزيد من الااتهامات ضد لوبانغا، وأدانت قرار توجيه الاتهام إلى زعيم الميليشيا بتهمة تجنيد الأطفال فقط، وحثت المدعين العامين على التحقيق في جرائم القتل والاغتصاب والتعذيب التي أشارت إلى أن جميع الجماعات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية قامت بارتكابها.



وضمن مجموعة التحقيقات نفسها في مقاطعة إيتوري في جمهورية الكونغو الديمقراطية تم اتهام نائب لوبانغا بوسكو نتاغاندا بجرائم مماثلة لجرائم رئيسه – من تجنيد للأطفال واستخدامهم للقتال في اتحاد الوطنيين الكونغوليين، وتماماً مثل لوبانغا لم تُوجّه إليه تهمة ارتكاب جرائم العنف الجنسي.



وقد أخبرت إندير معهد صحافة الحرب والسلم بأن أول سلسلة من التحقيقات في إيتوري فشلت في توجيه اتهامات بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي التي ارتكبتها الميليشيات، وذلك لأنها أُجريت على نحو سيء وافتقرت إلى الدقة.



قالت "لم تتابع التحقيقات الأولية العنف الجنسي والاغتصاب والاستعباد الجنسي وفشلت في تطوير العلاقات مع مجتمع المنظمات غير الحكومية النسائية المحلية التي تستطيع أن تسهل عملية الوصول إلى الضحايا والشهود".



وأشارت إلى أنه معروف دولياً أن لدى جمهورية الكونغو الديمقراطية أعلى معدلات جرائم العنف الجنسي في العالم.



قالت : "لقد وثقنا أكثر من 112 قضية من الجرائم القائمة على أساس نوع الجنس في إيتوري، وأجرينا إحدى وثلاثين مقابلة على علاقة بالعنف الجنسي الذي ارتكبه اتحاد الوطنيين الكونغوليين".



وقد أخبرت أندير معهد صحافة الحرب والسلم بأن فريقها تبادل هذه الأدلة مع المدعين العامين في آب 2006، وأعطاهم أرقام هواتف نساء على استعداد لإجراء مقابلات معهم ـ كن قد تمكن من تحديد هوية القادة الضالعين في الهجمات ـ وللشهادة على مدى العنف الجنسي المرتكب.



قالت إندير: "إلا أن [المدعين العامين] تجاهلوا هذه المعلومات ولم يجروا أي تحقيق حول الجرائم القائمة على أساس نوع الجنس التي ارتكبها اتحاد الوطنيين الكونغوليين".



وأشار المحققون السابقون في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى أن فرقهم كانت حريصة على التحقيق في العنف الجنسي وإيجاد سبل جديدة للحصول على المعلومات ضمن نطاق الحوادث التي كُلّفوا بالتحقيق فيها.



قال محقق سابق: "كنا نعرف أنه أثناء ارتكاب القتل كان يتم الاغتصاب [ولكن] الفكرة كانت أن أول محاكمة في المحكمة الجنائية الدولية لا يمكن أن تفشل. ولتنظيم محاكمة جيدة اختار المدعي العام تهمة تجنيد الأطفال كتهمة وحيدة تُوجه ضد لوبانجا وتخلى عن التهم الأخرى .... معارضاً بذلك إرادة العديد من المحققين ".



ولكن برنار لافين الذي عمل كمحقق في قضية لوبانغا ـ ذات المستقبل المجهول تماماً عقب حكم القضاة بإدانة المدعين العامين لممارساتهم الخاطئة في التعامل مع الأدلة – أشار إلى أنه كان على المدعين العامين المضي قدماً في التهم التي كانوا يملكون فيها أقوى الأدلة.



قائلاً : "وبهدف تنظيم محاكمة جيدة ومتينة في أدلتها وشهودها، اختار المدعي العام تجنيد واستخدام الجنود الأطفال كتهمة وحيدة ضد لوبانغا، وقرر تأجيل التهم الأخرى".



كما أضاف بأن الأدلة التي تم جمعها والتي تتعلق بالقتل والعنف الجنسي لا تلبي الحد القانوني الأدنى اللازم لتوجيه الاتهام إليه.



وبينما أخبر المحققون السابقون معهد صحافة الحرب والسلم بأنهم يتفهمون ما يشغل جماعات الضغط ، قالوا إن هناك أدلة ظهرت تشير إلى أن داخل اتحاد الوطنيين الكونغوليين التابع للوبانغا تم انتهاز الفرص للقيام بأعمال الاغتصاب وأنه لم يأت كنتيجة لأوامر أصدرها القادة، وأنه تمت معاقبة مرتكبي الاغتصاب.



قال أحد المحققين السابقين: "لم يتم إيجاد شيء في تحقيقاتنا يؤكد أنه تم إصدار أوامر للإذلال عن طريق الاغتصاب، لوعثرنا على خطوط تقود إلى ذلك لكنا قمنا بالمزيد من التحقيقات على الفور".



وقد أشارت تشونغ إلى الصعوبات الخاصة التي تعترض التحقيق وملاحقة جرائم العنف الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بقولها "إن العثور على الضحايا الذين بإمكانهم المساعدة في إيجاد علاقة بين أعلى القادة وبين عمليات الاغتصاب و الاسترقاق الجنسي التي وقعت في الأوقات والأماكن التي هي محور التحقيق أمر صعب جداً".



ويؤكد المحققون السابقون على أن من الصعب جداً إثبات جرائم العنف الجنسي نظراً لأن الضحايا غالباً ما يترددون في الإدلاء بشهاداتهم.



إذ كثيراً ما يعاني ضحايا الاغتصاب ـ الموصومون بالعار من قبل مجتمعاتهم المحلية بعد الهجوم عليهم ـ أكثر عند الإدلاء بشهاداتهم، كما أنهم قد يصبحون عرضة لخطر أعمال عنف انتقامية على يد الميليشيات أو القوات الحكومية التي أدلوا بالشهادة ضدها.



قالت تشونغ: "إن حماية ضحايا العنف الجنسي... تنطوي على تعقيدات خاصة جداً لأنه من السهل التعرف عليهم، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية لا يزال الجناة وأصدقاؤهم ناشطين".



وأضافت تشونج أن التحقيقات الأخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية ـ في جبهة القوميين ودعاة الاندماج الميليشيا التي يرأسها جيرمان كاتانغا وماتيو نغودجولو شوي ـ كانت قد أدت إلى توجيه اتهامات عن جرائم العنف الجنسي.



وبعد أن صدرت أوامر الاعتقال في تموز، أكد القضاة في أيلول أن هناك أدلة كافية لدعم تهم الاستعباد الجنسي والاغتصاب الموجهة ضد كل من الرجلين عن الجرائم التي ارتكبت خلال هجوم على بوغورو في شباط 2003.



وقالت تشونغ ـ التي كانت واحدة من المدعين العامين الذين قادوا هذا التحقيق ـ إنه من البداية كان الهدف هو محاولة تضمين جرائم العنف الجنسي في طلبات أوامر الاعتقال.



"أرسلنا بعثات خاصة مكرسة لإجراء المقابلات مع ضحايا العنف الجنسي وتلقينا مساعدة كبيرة من الكثير من المنظمات غير الحكومية التي كانت على استعداد لمشاركتنا بالمعلومات".



وقالت لو فرابر دو هيلين إنها مع زملائها كانوا إجمالاً راضين، لأنهم تمكنوا من التأكيد على التحقيقات في جرائم العنف الجنسي ونجحوا في توجيه تهم تمثل هذه الجرائم.



وتوافق تشونغ على ذلك قائلة : "إجمالاً، أعتقد أن [مكتب المدعي العام] أحسن صنعاً في إعطاء العنف الجنسي الأولوية وتوجيه الاتهامات التي تمثل مجال العنف الجنسي".



وأضافت "جرائم العنف الجنسي ممثلة على نحو كاف، وقضايا المحكمة الجنائية الدولية هي أكثر تمثيلاً وعكساً [للجرائم المرتكبة] مما تحقق في أي محكمة من المحاكم الأخرى، وبالطبع سوف يواصلون البناء على أساس الدروس المستقاة".



تهم العنف الجنسي محدودة للغاية



لايزال الكثير من المعلقين يصر على أنه لا ينبغي على المحكمة الجنائية الدولية أن توجه أعداداً أكبر من تهم العنف الجنسي إلى المشتبه فيهم، بل أن توجه إليهم المزيد من التهم بجرائم محددة، قائلين إن ذلك ممكن في إطار نظام روما الأساسي الذي أسست المحكمة على أساسه، حيث تم للمرة الأولى تقديم الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري والتعقيم القسري على أنها جرائم يعاقب عليها بموجب القانون الدولي.



أخبرت نوروجي معهد صحافة الحرب والسلم أن مصطلح "اغتصاب" لا يعبر بدرجة كافية عن مجموعة الانتهاكات الموجهة للمرأة، وقالت إن على المدعين العامين اتخاذ نهج أوسع نطاقاً لملاحقة مختلف أنواع العنف الجنسي وليس الاغتصاب بالمعنى الحرفي والضيق للكلمة فقط أي اختراق مهبل المرأة.





قائلة : "لابد أن يكون لدى المدعين العامين معرفة أوضح بالحدود التي تفصل بين الاغتصاب الجنسي للإناث من جهة والاستعباد الجنسي والزواج القسري والاسترقاق من جهة أخرى".



إلا أن تشونغ تقول إنه بدلاً من الحث على توجيه تهم عن جرائم جنسية أكثر تنوعاً في هذه المرحلة، ينبغي على الناشطين الدعوة إلى إلقاء القبض على الهاربين من مرتكبي جرائم الحرب المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، إذ هناك حالياً أربعة فقط من - من أصل اثني عشر متهماً من قبل المحكمة الجنائية الدولية ـ قيد الاحتجاز في لاهاي.



قالت :"إن المشكلة التي تحتاج إلى اهتمام يائس هي حقيقة أن من المرجح ألا يحضر أحد ضحايا العنف الجنسي الذي مارسه جيش الرب للمقاومة يوماً إلى المحكمة، ينبغي دعوة الضحايا من أجل الاعتقال والمحاكمة بدلاً من السعي إلى إضافة الادعاءات إلى قطعة من الورق الذي ـ كما ينبغي لأي مدع عام كفء أن يقول لكم ـ لا يدل على شيء في حد ذاته ".



"في قضبة جيش الرب للمقاومة يمكننا إضافة المزيد من التهم بما في ذلك تهم العنف الجنسي إذا ما تم اعتقال شخص ما".



قالت لو فرابر دو هيلين إن الفريق لن يتردد في توجيه مزيد من التهم إلى قادة جيش الرب للمقاومة بمجرد مثول المشتبه فيهم أمام المحكمة، إذا كان هناك دليل يدعم ذلك.



وأضافت أن المدعين العامين كانوا يتابعون باهتمام العمل الرائد الذي قام به نظرائهم في المحكمة الخاصة لسيراليون؛ الذين كانوا أول من وجه تهمة الزواج القسري إلى المشتبه فيهم قائلة إن هذه الجريمة تصف بدقة تجربة نساء سيراليون اللواتي اختطفن على يد الجنود والجماعات المتمردة.



ويقول المراقبون إن هذه التهمة قد تعكس بشكل كاف خبرة الفتيات اللواتي انخرطن في الميليشيات خلال الصراعات الأخرى، بما في ذلك تمرد جيش الرب للمقاومة.



قالت لو فرابر دو هيلين في الوقت الذي تم فيه تقديم طلب إصدار مذكرة اعتقال في قضية جيش الرب للمقاومة كان المدعون العامون يعرفون أن جيش الرب للمقاومة كان يدعو الفتيات بـ"زوجات"، إلا أن ذلك ليس دليلاً على وقوع الزواج القسري وأضافت بأن لدى المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية الآن المزيد من الأدلة في ملفاتهم تاركين الباب مفتوحاً أمام إمكانية توجيه اتهامات أخرى بما في ذلك تهمة الزواج القسري التي من الممكن توجيهها عقب إلقاء القبض على المشتبه بهم.



التقدم الذي أُحرز في التصدي لجرائم العنف الجنسي



يشير المدعون العامون في المحكمة إلى أنهم يعملون جاهدين لدعم المحققين في سعيهم لإيجاد الأدلة على جرائم العنف الجنسي.



وقد أسسوا في آب 2004 وحدة مختصة بنوع الجنس والأطفال لتقديم المشورة للمحققين والمحامين حول كيفية التحقيق في جرائم العنف الجنسي ومحاكمتها.



هذا وقد أشارت رئيسة الوحدة ـ غلوريا آتيبا ـ ديفيس إلى أن فريقها يشارك منذ مرحلة التحليل عندما تتلقى المحكمة المعلومات من الدول أو المنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي عن الجرائم الخطيرة للعنف الجنسي. وتقدم هذه الوحدة التدريب للمحققين قبل أن يتم نشرهم كما تنظم دورات للتوعية الثقافية خاصة بكل بلد بعينه.



ويقول االمدعون العامون إنهم حققوا تقدماً كبيراً في ملاحقة الجرائم الجنسية منذ تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، ويشيرون إلى أن استراتيجية توجيه التهم أصبحت أقوى وأكثر وصفية.



كما تم إنجاز خطوة رئيسية إلى الأمام في يوليو، عندما طلب المدعي العام من القضاة في المحكمة الجنائية الدولية توجيه الاتهام إلى الرئيس السوداني عمر البشير لارتكابه الإبادة الجماعية في دارفور والتي تمت في جزء منها من خلال حملة الاغتصاب ـ وهي المرة الأولى التي حاولت فيها المحكمة محاكمة الجريمة بهذه الطريقة.



اتهم المدعون العامون البشيربتنظيم تدمير قبائل الفور والزغاوة والمساليت في دارفور من خلال الاغتصاب والتخويف والتجويع. وكان قضاة المحكمة الجنائية الدولية قد أصدروا قبل ثلاثة أشهر من ذلك أوامر اعتقال ضد الوزير السوداني أحمد هارون وزعيم ميليشيا الجنجويد علي قشيب عن إحدى وخمسين تهمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك تهمة الاغتصاب.



ولمحاكمة جريمة الاغتصاب كما تحاكم جريمة الإبادة الجماعية، يحتاج المدعون العامون إلى إثبات نية تدمير جماعة كلياً أو جزئياً، وقد صرحت لو فرابر دو هيلين بأن الاغتصاب كان جزءاً لا يتجزأ من الهجمات على قرى الفور والمساليت والزغاوة.



وقد سعى المدعون العامون إلى إظهار أن الاغتصاب كان منهجيأ في الطلب الذي تقدموا به إلى القضاة لإصدار أمر اعتقال ضد البشير.



قالت لو فرابر دو هيلين: " لم تحتج [الحكومة التي تدعم الجنجويد] إلى قتل الناس في المخيمات بل قامت بتطويق المخيمات وانتظار أن تخرج النساء، لاغتصابهن ثم السماح لهن بالعودة لكي يروين القصص، وبالقيام بذلك على مدى خمس سنوات بإمكانهم تدمير الجماعة".



"هذا استهداف منظم لمجموعة محددة، ويظهر نية التدمير".



وتبرز كذلك بشكل كبير تهم العنف الجنسي في لائحة الاتهام التي صدرت بحق النائب السابق لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جان بيير بيمبا، الذي تم اتهامه بارتكاب ست جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بما في ذلك الاغتصاب فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في جمهورية إفريقية الوسطى.



وقد اتهم بيمبا ـ وهو آخر مشتبه به أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام بحقه ـ بتدبير الاغتصاب باعتباره جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب؛ والتعذيب والاعتداء على الكرامة الشخصية ولا سيما المعاملة المهينة التي تحط بالكرامة ومرة أخرى على علاقة بالعنف الجنسي.



قالت إندير: إنها تهم قوية وعند النظر إليها جنباً إلى جنب مع الاتهامات الصريحة بالاغتصاب باعتباره جريمة في حد ذاتها، فإنها تعبر عن تأثير العنف الجنسي والغرض من استخدامه في الصراعات المسلحة في آن معاً.



وأشارت لو فرابر دو هيلين إلى أن المدعين العامين أثناء التحقيق في جمهورية إفريقيا الوسطى، تغلبوا على تردد أولي اعتراهم بشأن المباشرة بالقضية التي تميزت بتهم العنف الجنسي أكثر من جرائم القتل.



ورغم أن الأدلة الأولية التي تم جمعها من المنظمات غير الحكومية المحلية والمنظمات الدولية أظهرت حملة واسعة من الاغتصاب، لم يكن المحللون والمحققون في البداية متأكدين مما إذا كان العنف الجنسي والاغتصاب والجرائم التي ارتكبت كانت عديدة وخطيرة بما يكفي لتشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.



ووفقاً لما جاء عن لو فرابر دو هيلين، لم يكن لدى المدعين العامين على ما يبدو أي تردد استناداً إلى الأدلة بأن الحد القانوني اللازم اجتمع في حملة الاغتصاب.



وكانوا يعملون مع الجماعات المحلية في البلاد لإظهار أن مقاضاة الاغتصاب كانت على رأس جدول أعمال المحكمة الجنائية الدولية.



قائلة: "عندما زار [المدعي العام لويس مورينو أوكامبو] جمهورية إفريقية الوسطى أرادت بعض الجمعيات النسائية أن تريه المقابر الجماعية، لكن مهمته كانت تقتصر على كيفية التعامل مع الاغتصاب ومعرفة إذا ما كانت سجلات الهجمات قد حُفظت".



ويقول المدعون العامون إنهم فخورون بقرارهم محاكمة الاغتصاب على نطاق واسع في ما يتعلق بجمهورية إفريقية الوسطى، معترفين بأن هذه الجريمة في ظروف معينة تكون أيضاً عملاً من أعمال التعذيب والاعتداء على الكرامة الشخصية.



قالت لو فرابر دو هيلين: "إن اغتصاب فتاة صغيرة في قرية لمدة ساعة كاملة هو اغتصاب وتعذيب في آن، وقال زعيم محلي إن الاغتصاب لوقت طويل جداً وعلناً هو حالة من حالات الاغتصاب التي تتطلب تهماً إضافية بالتعذيب والاعتداء على الكرامة الشخصية".



زيادة التعاون مع المحاكم المحلية

وبينما يستعد المحققون للمباشرة في التحقيق الذي طال انتظاره في كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، يخططون للمبادرة في العمل مع المحاكم المحلية لدعم الملاحقة القضائية لمشتبه فيهم على مستوى أقل من الأهمية على ارتكابهم العنف الجنسي.



ويقول المراقبون إن هدا القرار بالتعاون مع الجهاز القضائي المحلي كان قد طال انتظاره.



وأكدت دراسة أجراها مؤخراً المركز الدولي للعدالة الانتقالية مركز حقوق الإنسان في جامعة بيركلي ومركز بايسون للتنمية الدولية، على انتشار العنف الجنسي كأداة من أدوات الصراع في كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية.



وقال مورينو أوكامبو إن تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في هذه الجرائم ستهدف إلى دعم النظام القضائي الوطني عن طريق تبادل الأدلة مع القضاة المحليين.



وبما أن المحققين في المحكمة جمعوا الأدلة ضد من يعتقدون بأنهم يتحملون المسؤولية الأكبر عن أخطر الجرائم ، فسيحددون أيضاً المشتبه بهم ذوي المستوى الأقل من الأهمية لبناء ملفات للأدلة ضدهم لاستخدامها في المحاكمات المحلية.



هذا وبإعلانهم عن هذه الاستراتيجية الجديدة في مؤتمر العدالة بين الجنسين في لاهاي في يوليو، اعترف المدعون العامون بأنه لن يكون هناك مشاكل ترتبط بها، بما في ذلك كيفية حماية الشهود.



وبالرغم من ذلك يقول الباحثون إنه كان من الواجب تنفيذها من قبل.



وأشار لافين إلى إنه كان من الخطأ عدم تسليم السلطة القضائية المحلية الأدلة على جرائم العنف الجنسي التي جُمعت في التحقيق في قضية لوبانجا، بعد أن قرر المدعون العامون في المحكمة الجنائية الدولية التركيز على التهم المتعلقة بتجنيد الأطفال بشكل حصري.



قائلاً : "ومن المؤسف أننا لم نسلم الأدلة إلى [المحاكم المحلية لكي تتمكن من تنظيم محاكمات لمحاكمة العنف الجنسي]" مضيفاً "بفضل مصادرنا جمعنا أدلة الطب الشرعي التي من الممكن أن تكون مفيدة للمحاكم المحلية، إلا أن المدعين العامين لم يكونوا مهتمين بتسليمها".



ولكن المدعين العامين أشاروا إلى أن السلامة والأمن كانا موضوعين عالقين، وشددوا على أن تسليم الأدلة يتطلب تعزيز الحماية للشهود والسلطة القضائية.



قالت تشونغ "لابد من إجراء تقييم ليتم تقرير ما إذا كان سيتم تحويل المعلومات إلى السلطات الوطنية وكيفية إجراء ذلك، فهناك عادة مخاوف بشأن حماية الشهود على سبيل المثال".



إن نظام العدالة الكونغولي في حاجة ماسة للمساعدة بفرعيه العسكري والمدني؛ الذين يعانيان من نقص في الموارد والفساد والاستقلال غير الكافي عن الحكومة.



ويشيرلافين إلى أن العلاقة مع المحكمة الجنائية الدولية قد ترفع مستوى المحاكمات المحلية، وتقنع الميليشيات المارقة والمسؤولين الحكوميين الفاسدين ببدء احترام سيادة القانون.



إلا أن محققين سابقين آخرون يقولون إن أي ترتيب يجب أن يكون مخططاً له بعناية، لتجنب تزايد الضغوط الموجودة فعلاً على فرق التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية حتى لا تضطر للانتشار بشكل يفوق طاقتها.



كاتي غلاسبورو، مراسلة صحفية عن موضوع العدالة الدولية ـ معهد صحافة الحرب والسلم ـ لاهاي.
Frontline Updates
Support local journalists