إسقاط تهم العنف الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية

جماعات حقوق الانسان تحذر من أن يؤدي الجدل الدائر إلى ثقافة الإفلات من العقاب.

إسقاط تهم العنف الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية

جماعات حقوق الانسان تحذر من أن يؤدي الجدل الدائر إلى ثقافة الإفلات من العقاب.

.



فقد حذف المدعون العامون تهم الاستعباد الجنسي من لوائح الاتهام الموجهة ضد قادة الميليشيات جيرمان كاتانغا وماثيو نغودوجولو بعد خلافات مع قلم المحكمة حول كيفية حماية اثنين من الشهود قد تدعم شهاداتهما الاتهامات.



وقد كان النائبون العامون يخططون لإضافة تهم الاغتصاب إلى لائحة الاتهام ولكن كان لابد من إسقاط تهمتين بسبب قضايا تتعلق بتأمين الحماية.



وقد كانت المحكمة الجنائية الدولية تحقق في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية فى مقاطعة ايتوري شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عام 2004 ، كما وقد وسعت مؤخراً تحقيقاتها لتشمل المقاطعات المجاورة شمال وجنوب كيفو حيث يتعرض المدنيون للاغتصاب من قبل الجنود ومقاتلي الميليشيات.



وبينما تم حتى الآن اتهام أربعة رجال للعبهم دوراً رائداً في الصراع الإثني العنيف بين القبائل في إيتوري عندما تم استخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب على نطاق واسع، اتُهم كاتانغا ونغودجولو فقط بارتكاب جرائم العنف الجنسي.



وأما توماس لوبانغا وبوسكو نتاغاندا فمتهمان بتجنيد الأطفال للقتال في الميليشيا التي تمثل القوى الوطنية لتحرير الكونغو، وقد شجعت المنظمات غير الحكومية وممثلو الأمم المتحدةعلى توسيع التهم لتشمل جرائم العنف الجنسي.



إن توجيه تهم الاستعباد الجنسي إلى كاتانغا ونغودجولو قد لقي ترحيباً لدى أنصار حقوق الإنسان الذين رحبوا كذلك بخطة المدعين العامين التي تنص على إضافة تهمة الاغتصاب إلى لائحة الاتهام، والجدير ذكره أن العديد من النشطاء في مجال حقوق الإنسان غاضبون الآن بسبب إسقاط التهم.



وقد ظهرت المشاكل في القضية عندما نقل المدعون العامون الشهود من أجل ضمان سلامتهم وضمان أن يكونوا قادرين على الإدلاء بشهاداتهم عن خبراتهم دون الحصول على موافقة من قلم المحكمة.



وقد صرح نائب المدعي العام فاتو بنسودة فى الثامن والعشرين من نيسان في رسالة خطية أن "نقل هؤلاء الشهود قد تم لحمايتهم من خطر حقيقي يواجههم بسبب تعاونهم مع الادعاء".



وقد أشارت مستشارة المحكمة الجنائية الدولية للمحاكمة بياتريس لي فرابر دو هيلن إلى أن الحالة الأمنية في إيتوري غير آمنة بالنسبة للشهود وتجعلهم عرضة للخطر.



بقولها: "نحن نعتبر أن الاتفاق الذي تم عقده مع الشهود الذين يعيشون في إيتوري والذي ينص على إدلائهم بالشهادة يعرضهم للخطر، ففي إقليم مثل إيتوري لايزال هناك أعضاء في الميليشيات لديهم نفوذ وهناك تواصل مستمر بين القادة السابقين والقادة الحاليين".



وقد أشارت لى فرابر دو هيلن إلى أن المدعين العامين يشعرون بأن عليهم حماية هؤلاء الشهود.



بقولها :" نحن نعتمد على قلم المحكمة إلا أنا نتفهم أن لا وقت لديهم في بعض الأحيان للاهتمام بالشهود،

ولذلك نتخذ أحياناً بأنفسنا التدابير اللازمة لتأمين حماية الشهود وهذا ما فعلناه في [قضايا] نغودولجو وكاتانغا ".



إلا أنها أضافت أن رد فعل قلم المحكمة كان أن طلب من المدعين العامين عدم التدخل.



بقولها : "قيل لنا إن ما كان علينا أن نفعل ذلك، وإنه ليس لنا الحق بحماية شهودنا وإن علينا إسقاط هذه الحماية".



وفي ما وصفوه بـ "الحل الملائم لعملية نقل الشهود غير الشرعية التي نفذها المدعون العامون" استبعد القضاة استخدام تصريحات ومذكرات المقابلات مع النساء في جلسة إقرار التهم الموجهة لكل من نغودولجو وكاتانغا عندما تم إلحاق قضيتيهما بالقضايا الأخرى في العاشر من آذار.



وهذا أدى بدوره إلى جعل المدعين العامين يهملون توجيه التهم لأنهم شعروا بأنهم لا يملكون أدلة كافية لإثباتها.



وقد أوضحت لي فرابر دو هيلن ذلك قائلة :"لقد قال المدعي العام بشكل واضح : إما لنا الحق في حماية هؤلاء الشهود أو أن على شخص آخر في المحكمة أن يقوم بذلك وإلا لن نأخذ بشهاداتهم في المحكمة."



"والنتيجة أن الشهود لن يتمتعوا بالحماية، وبالتالي أسقط المدعي العام التهم".



كما انتقد رئيس شعبة الخدمات في المحكمة مارك دوبيسون محاولة المدعين العامين التدخل لحماية الشهود مشيراً إلى أن ذلك قد يقوض مصداقية شهاداتهم.



بقوله:"عندما قرر المدعي العام تطوير نظامه الخاص لحماية الشهود، نظرنا إلى تلك الطريقة في العمل على أنها تنطوي على إعطاء شيء للشهود مقابل الحصول على شهاداتهم الأمر الذي يعني أن الشهادة قد فقدت مصداقيتها تماماً."



وقد أكد دوبيسون على أنه ينبغي ترك حماية الشهود لقلم المحكمة الجنائية الدولية لأنه على عكس الادعاء محايد تماماً ويحمي كذلك شهود الدفاع.



كما أضاف أن لدى قلم المحكمة إجراءات واضحة لمعالجة وحماية الشهود وإذا اعتقد الادعاء بأن أحد الشهود في خطر ينبغي أن يتصل بوحدة الضحايا والشهود التي ستقوم في ما بعد بإجراء تقييم يقرر على أساسه قلم المحكمة فيما إذا كان سيقبل أم لا الشخص في برنامج الحماية في المحكمة الجنائية الدولية.



وصرح دوبيسون بأن تدابير قلم المحكمة لحماية الشهود تشمل نظام استجابة أولي يؤمن إمكانية إرسال فريق لإحضار الشهود وأسرهم وحملهم إلى بر الأمان.





كما أوضح دوبيسون قائلاً:" عندما يرسل إلينا أحد الشهود نستقدم موظف حماية وموظف دعم لمقابلة الشاهد ومعرفة التهديد الذي يتعرض له بالضبط وإذا ما كان من الممكن أن ينضم إلى برنامج حماية خاص".



هذا وفي إطار أحكام المحكمة الجنائية الدولية من الممكن وضع شخص ما في مكان آمن لمدة أيام أو أشهر أو إعادة توطينه داخل بلده وإن كان ذلك غير كاف تستطيع المحكمة أيضاً إرسالهم إلى بلد آخر تكون قد وقعت معه على اتفاق بهذا المعنى.



وتنفق المحكمة الجنائية الدولية حالياً 2،4 مليون يورو في السنة لحماية الضحايا وقد طالبت بزيادة المبلغ إلى أربع ملايين دولار في العام القادم.



وفي تغيير واضح في التوجه أبلغ رئيس قلم المحكمة القضاة في التاسع عشر من أيار بأن اثنين من الشهود المعنيين قد تم الآن قبولهما في برنامج حماية الشهود ونُقلا إلى مكان آخر فعلاً.



وفي الثامن والعشرين من أيار صرحت القاضية سيلفيا شتاينر إحدى القضاة في هذه القضية بأن المخاوف الأمنية التي دفعتها إلى استبعاد أدلة الشاهدين بسبب قيام الادعاء بنقلهما لحمايتهما بصورة غير مشروعة، لم يعد لها وجود .



هذا وإن لدى النيابة العامة مهلة حتى الثاني عشر من حزيران لإدخال تعديلات إضافية على ملف التهم الموجهة إلى كل من كاتانغا ونغودولجو ليشمل الاستعباد الجنسي والاغتصاب.



وقد صرح بنسودا لمعهد صحافة الحرب والسلم بأنه"منذ تم قبول الشهود المعنيين في برنامج حماية المحكمة الجنائية الدولية تم حل المشاكل الأمنية فيما يتعلق بهم ويمكن للادعاء الآن الأخذ بالأدلة التي قدموها في جلسة إقرار التهم."



ومن المقرر أن يبدأ الاستماع لإقرار التهم يوم السابع والعشرين من حزيران.



إلا أن جماعات حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية غاضبة لأن أول محكمة دائمة لجرائم الحرب في العالم قد تسقط تهم العنف الجنسي بسبب عوامل سياسية داخلية.



وقد أعلن السيد ايفاريست مبروكي رئيس المنظمة غير الحكومية الخيرية ـ بوسما ـ والرئيس المؤقت للجنة المقاطعة لمكافحة العنف الجنسي في شمال كيفو بأنه ما كان على المحكمة الجنائية الدولية أن تتراجع أبداً عن توجيه تهم العنف الجنسي.



مصرحاً لمعهد صحافة الحرب والسلم بهذا الصدد "إننا لا نتفق مع المدعي العام وسوف لن نتفق معه أبداً".



وأما المنظمات غير الحكومية المتواجدة على أرض الواقع فقد أحبطها أنه بينما تواصل الاستماع إلى شهادات نساء يعانين من الوحشية والاغتصاب وجرائم العنف الجنسي في جميع أنحاء جمهورية الكونغو الديمقراطية لا يوجد أي مشتبه فيه من البلاد حتى الآن بتهمة ارتكاب جرائم العنف الجنسي.



وكانت اثنتين من ضحايا الاغتصاب اللتين تتلقيان الرعاية الآن من قبل منظمة كاريتاس الخيرية في غوما، قد أكدتا للمعهد بأنهما تعرفان هوية المهاجمين وأنهما ستكونان على استعداد للإدلاء بشهادتيهما في المحكمة.



وقد سجل مبروكي في نيسان خمسمائة وأربع عشرة حالة اغتصاب في منطقة روتشورو أفادت التقارير بأنها وقعت خلال المعارك بين جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية والمتمردين من الماي ماي، وقد أخبر الضحايا السيد مبروكي بأن الغالبية العظمى من حالات الاغتصاب قام بها مسلحون.



وقال السيد مبروكي بهذا الشأن: "هل تعتقد أن أياً من الضحايا سيدلي بشهادته أمام المحكمة؟ لابد أن تتحمل المحكمة الجنائية الدولية مسؤوليتها وتمكن هؤلاء الضحايا من الإدلاء بشهاداتهم."



"ونحن في انتظار كلمة من المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لتقديم النساء المستعدات للإدلاء بشهاداتهن، إذ ليس هناك أي نقص في النساء الشجاعات من إيتوري المستعدات للإدلاء بشهاداتهن، إلا ان على المحكمة الجنائية الدولية أن تتحمل مسؤولية حمايتهن."



كما صرح مبروكي للمعهد بأن "التراجع عن توجيه الاتهامات التي تتعلق بالعنف الجنسي ضد كاتانغا ونغودولجو هو طريقة من طرق تثبيط عزيمة [النشطاء] على أرض الواقع وتشجيع مرتكبي هذه الجرائم".



مضيفاً "كان يستخدم العنف الجنسي كسلاح في الحرب ليس لإذلال العدو ولكن النساء بشكل خاص، لم الهجوم على المرأه التي لا علاقة لها بالحرب؟ الحرب تنتمي إلى السياسيين ولذلك نسأل أنفسنا كيف يمكن للمدعي العام الآن تقويض الكفاح الذي بدأناه منذ بداية الحرب في المنطقة. "



وتشعر السيدة ماريانا بينا من جماعة حقوق الإنسان والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان بالقلق إزاء إسقاط التهم خوفاً من أن يسفر ذلك عن ثني المزيد من الشهود عن الإدلاء بالشهادة في المستقبل.



وأعربت عن قلقها قائلة :"لقد تم تعطيل عمل المدعي العام حالياً بسبب المشاكل الداخلية في المحكمة مما سيؤثرعلى سير القضايا والتحقيقات وهناك خطر بألا تشعر النساء الأخريات بالرغبة للقدوم والإدلاء بشهاداتهم."



كما يساور القلق جماعات الضغط أيضاً إزاء ما قد يترتب على هذه السابقة في إسقاط التهم.



لقد قامت المحكمة الجنائية الدولية في الرابع والعشرين من أيار باعتقال جان بيير بيمبا عن الجرائم التي ارتكبتها جماعات المتمردين في حركة تحرير الكونغو وجمهورية إفريقيا الوسطى، كما تم اتهامه بارتكاب جرائم العنف الجنسي.



وقد تساءل السيد مبروكي عن سبب اتهام بيمبا بجرائم مماثلة مادام المدعون العامون لم يتمكنوا من إدراج العنف الجنسي ضمن التهم الموجهة في قضية جمهورية الكونغو الديمقراطية.



هذا ويحث السيد غودفري بياروانغا الخبير في منظمة العفو الدولية في جمهورية إفريقيا الوسطى على إيجاد حل لحماية الضحايا في المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أنه إذا لم يتم ذلك سيستشري سرطان العنف الجنسي في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبلدان أخرى كثيرة ولن ينتهي أبداً.



كما صرح لمعهد صحافة الحرب والسلم أنه ينبغي على المحكمة الجنائية الدولية أن تجد الوسائل القانونية والمادية والدبلوماسية والسياسية لحماية الضحايا والشهود.



وسأل :"أن لم تملك المحكمة الجنائية الدولية القدرة على القيام بذلك فمن يقدر؟".



ويشعر السيد بياروانغا بالقلق من إمكانية أن يؤدي إخفاق المحكمة الجنائية الدولية في توجيه اتهامات عن جرائم العنف الجنسي إلى ثقافة الإفلات من العقاب.



"إذ نحن نقول بذلك بطريقة غير مباشرة إن جرائم أخرى يمكن أن تحاكم ولكن اذا ارتكب أحد ما جريمة الاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي فليس عليه أن تقلق لأن المجتمع الدولي لن يحاسب عليها، وهذا يوجه رسالة غاية في السلبية للضحايا وللمجرمين الحاليين والمستقبليين".



تايلورتويكا كاكالا مراسل صحفي في غوما، وكاتي غلاسبورو مراسلة صحفية في موضوع العدالة الدولية، معهد صحافة الحرب والسلم في لاهاي.
Frontline Updates
Support local journalists