إنتقاد المناهج الدراسية العراقية للتحيز الطائفي

تركيز غير عادل على الطائفة الشيعية ضمن المناهج الدراسية الدينية بناءً على مايقوله أبناء

إنتقاد المناهج الدراسية العراقية للتحيز الطائفي

تركيز غير عادل على الطائفة الشيعية ضمن المناهج الدراسية الدينية بناءً على مايقوله أبناء

Monday, 15 February, 2010
.



يداوم الولدان في نفس المدرسة ويتشاركان سيارة واحدة توصلهم الى الحي الذي يسكنان فيه معاً في بغداد، إلا ان أهلهم لايدينون بنفس الدين. فعائلة زهير تدين بالمسيحية وعائلة أحمد بالإسلام. وقد تركت دروس التربية الاسلامية الأخيرة أحمد ُمتسائلا عن المصير الذي ينتظر صداقتهما.



يقول أحمد عن ذلك " بعد تلقي الدرس أشعربأننا يجب ان نقاتل غير المؤمنين باسم الجهاد ، أفكر ، "هل ساقوم بقتل زهير يوما ما ؟!.." ... فمعلمتنا تخبرنا بان اقامة صداقات مع الكفرة هو من المحرمات ".



لايحضر زهير دروس التربية الاسلامية كونه مسيحي ، حيث تركز هذه الدروس وبشكل حصري على الاسلام. الا انه يشعر بان الدروس قد أثرت على صورته في المدرسة.



فبعد انتهاء الدرس ، قال زهير بأنه يشعر بانه مرفوض من قبل أقرانه. أما أثناء الدرس فيشعر بالوحدة.



يقول زهير ُمتحدثاً عن ذلك " حينما يحضر كل اصدقائي الدرس ، عليّ ان أقف خارجا ".



هذا وقد عاد الاطفال في العراق الى المدارس هذا الخريف وسط جدل محموم حول دراستهم لمادة الدين.



ُنقاد المنهج الجديد الذي ُوضع بصورة تدريجية منذ الغزو الاميركي عام 2003 ، يقولون بأن المنهج لم يفلح في تشخيص الأسباب التي أدت الى توليد الكراهية الدينية والطائفية والتي أوقدت نار العنف للسنوات الست الاخيرة. بالاضافة الى ذلك فانهم يتهمونه بوضع حجر الاساس لصراع مستقبلي.



من أهم المخاوف التي تتعلق بالمنهج الدراسي حقيقة انه يحبذ تفسيرالطائفة الشيعية للاسلام ولايعطي صورة واضحة عن المفاهيم الاسلامية التي قد تنطوي على دلالات عنيفة. بالاضافة الى ذلك ، هنالك مخاوف اخرى من ان المدرسين قد يركزون على مواضيع غير ُمضّمنة بصورة مباشرة في المنهج مثل التعامل مع غير المسلمين والجهاد ، والحرب.



من جانب آخر فان مؤيدي المنهج الجديد يقولون بانه لايتضمن شيئا عدا تصحيح فقط للانحياز الذي كان موجودا في الماضي فيما يتعلق بالتعليم الديني ، حيث يقوم بعكس صورة دقيقة تماماً عن هوية العراق الحقيقة.



النُقاد السُنة



الاغلبية الساحقة من العراقيين هم من المسلمين حيث تقوم المدارس بتدريس الدين الاسلامي منذ سن السادسة الى سن الثامنة عشر. اما بالنسبة للاطفال من الاقليات الاخرى فهم أحرار بترك درس مادة التربية الاسلامية ، الا انهم لايستطيعون دراسة ديانتهم في مدارس حكومية.



هذا وقد كان المنهج الى حد عام 2003 يعكس المعتقدات الخاصة بأبناء الطائفة السنية والتي كان الرئيس السابق ، صدام حسين ، ينتمي اليها . يُعّد العرب السُنة أقلية في العراق حيث تتراوح نسبتهم ما بين ربع وخمس التعداد العام للسكان.



اما بالنسبة للعرقية الكردية ، فانهم ايضا يشكلون نفس النسبة من السكان ، وهم في الاغلب من ابناء الطائفة السنية.وعلى العموم ، فانهم يتلقون تعليمهم المدرسي في اطار نظام مختلف تشرف عليه حكومة شبه ذاتية في الشمال.



ُيرّكز المنهج الحالي على المسلمين الشيعة ، وهم طائفة يتبعها معظم العرب في العراق كما تضم قوى السياسيين في العراق ، بضمنهم رئيس الوزراء نوري المالكي.



هذا وقد صّرح محسن الفريجي ، أحد مستشاري وزير التربية ، لمعهد صحافة الحرب والسلام بأنه قد تم شحذ الهمم بإتجاه الإسراع في عملية مراجعة المناهج الدراسية بعد ان تسلم المالكي مهام منصبه عام 2006.



حيث يقول " بذلنا ما في وسعنا لتحديث المناهج الدراسية لكي ُتعّبر عن وجهات نظر العراقيين بأجمعهم. تم ادخال بعض التعديلات البسيطة ، وهناك المزيد منها في الطريق...نقوم بمحي الاشارة الى أفكار صدام حسين وإضافة فقرات جديدة ".



كانت الوزارة لا تزال تقوم بعملية المراجعة للمناهج المدرسية، حسبما قال الفريجي، الا ان العملية تباطأت بسبب الاعتراضات من قبل الاحزاب الاخرى.



ُيعتبر الساسة السُنة من ضمن اكثر النقاد حدية ً تجاه وزارة التربية التي يديرها الشيعة.من جانبه صّرح علاء مكي ،أحد الاعضاء السُنة في لجنة التربية في البرلمان، إن المناهج الجديدة لم تكن متوازنة.



وواصل القول " ان التغييرات الجديدة تتضمن تاثيرا طائفيا عميقا "..." يجب ان تنطوي عملية التحديث على النواحي المشتركة (للاسلام) ، ولاتقتصر على طائفة معينة ".



يقول مكي بان لجنته تلقت بعض الشكاوى من أولياء الامور من الذين شعروا بان المناهج الجديدة كانت طائفية. كما اضاف القول بان اللجنة ُتطالب وزير التربية باستشارتها قبل اجراء تعديلات اضافية. كما علق بالقول ان اصلاح المناهج كان " قضية حساسة لكل الامة ".



وعلى الرغم من عدم شعوره بان المناهج المدرسية بشكلها الحالي قد تؤدي الى التحريض على العنف ، الا ان مكي حذر من ان إدخال المزيد من المعتقدات الشيعية قد يؤدي الى زيادة العلاقات الطائفية سوءً. يقول مكي بان لجنته ُتطالب بان تعمل المناهج المدرسية على " تجنب القضايا المثيرة للجدل والتي من شانها التحريض على العداوة ".



ضمن السياق ذاته ، يقول مثال الالوسي ، وهو أحد المشرعين السُنة وقد اتخذ اجندة علمانية، بان المناهج خاطرت بجعل المدارس العراقية شبيهة بالمعاهد الدينية في باكستان وافغانستان والتي غدت التيار الاسلامي المتشدد لطالبان.



عن ذلك قال الآلوسي " ان مناهج التربية الاسلامية لا ُتمثل الاسلام أصلاً. فهي تهدف إلى خلق هوية دينية فاشستية "..." تساورني المخاوف من اننا سنواجه تيار طالبان جديد في العراق عندما تتخرج الأجيال الحالية من المدارس ".



هذا وقد نفى الفريجي هذه الاتهامات بالقول ، بان المناهج الجديدة لم تكن متحيزة ولا تحريضية.



واضاف بالقول " تتبع وزارة التربية الاستراتيجية ذاتها في جميع المدارس العراقية- فنحن لانفرق بين ابناء شعبنا ولانميز ضد دين او طائفة " . وواصل القول بان الوزارة كانت " تبذل قصارى جهدها لنشر روح التسامح والاخوة ".



تغييرات طفيفة طرأت على المناهج الدراسية تتعلق بإنشقاق الاسلام الذي يعود الى قرون من الزمان.



يدور الصدع الطائفي في العراق حول مسالة ما إذا كان المفروض ان يخلف النبي محمد أحد افراد عائلته ، كما يؤمن الشيعة بذلك، او أحد مرافقيه ، طبقا لما ينص عليه الجدل السني.



كانت المناهج المدرسية ذات الطابع السني تذكر النبي محمد بالصلوات التقليدية (عليه الصلاة والسلام) . اما المناهج الحديثة ، فانها تتضمن صلوات شيعية نموذجية تنص على " عليه وعلى آله الصلاة والسلام ".



من جانب آخر فان العديد من الكتب المدرسية تشمل صفحات إضافية تتحدث عن الامام الحسين ، وهو أحد الشخصيات المبجلة لدى ابناء الطائفة الشيعية. اما بعض طلاب المدارس الاعدادية فانهم يلمسون إلمحات طفيفة الى الخليفة معاوية ، أحد الشخصيات السنية الغير مرحب بها من قبل الشيعة.



المدرسون ُيحّرفون المناهج



تكشف بعض النوادر في المدارس بأن هناك العديد من المدرسين من الذين يطلقون احكامهم الشخصية داخل الصف ، حيث لايؤكدون على أجزاء المناهج التي تتعارض مع معتقداتهم الخاصة او معتقدات أغلب طلابهم.



تتمحور النقاشات الصفية على مواضيع العنف الغير مشار اليها بصورة مباشرة في المناهج مثل كيفية معاملة غير المسلمين او واجب الجهاد- حيث لاقت هذه المفاهيم رواجا ابان الصراع الطائفي الاخير في العراق.



تقول سناء محسن ، وهي مدرسة لمادة التربية الاسلامية في أوائل الاربعينات من عمرها حيث تعمل في إحدى مدارس بغداد / منطقة الشعب " ُفرض على كل مسلم واجب الجهاد- لمحاربة غير المؤمنين".وتقصد ب " غير المؤمنين" اولئك الذين لم يتبعوا الله او النبي محمد.



اما خالد ابراهيم ، وهو ُمدّرس في إحدى المدارس الابتدائية في بغداد ، فيقول بان طلابه غالبا مايسألون ما اذا كان قتل الاميركان او اليهود اثما حقيقيا.كما انهم يسائلون ايضا لماذا يعتبر المحاربين الاسلاميين ارهابيين، بينما ُوعدو بجزيل العطاء في الجنة.



ويتسائل ابراهيم فيما اذا كان العديد من ارهابيي يومنا هذا مدفوعين بسبب سوء فهمهم الرئيسي للاسلام. حيث يقول " لم يكونوا ليصبحوا مجرمين اذا ماتلقوا تعليمهم بالشكل الصحيح ".



يقول احد الطلاب البالغ من العمر سبع سنوات ، ويدعى سجاد كياض ، حيث يدرس في احد مدارس شرقي بغداد ، بانه خطط لان يصبح مجاهدا عندما يكبر.



ويضيف بالقول " ساقاتل الاميركان لانهم يهود وغير مؤمنين "..." سانتصر او ساموت شهيدا في الجنة".



اما مريم علي ، البالغة من العمر تسع سنوات وترتدي حجابا زهري الى جانب ردائها المدرسي ، فتقول بانها تقوم بواجبها من الجهاد بدعوة " الفتيات الغير محجبات لتغطية روؤسهن".



وقد صرح فريجي لمعهد صحافة الحرب والسلام بان وزارة التربية ابلغت المدرسين لان يتجنبوا القضايا التي اثارت صراعا. حيث يقول بان المنهج الجديد ركز على النواحي الاخوية في الاسلام " ، وبذلك فان الدين الاسلامي ، ُيرّكز على التسامح والرحمة ".



من جهة اخرى قال مكي ، وهو احد المشرعين السُنة ، بان المناهج يجب ان تقدم توضيحا عن المفاهيم الاسلامية التي من الممكن ان تنطوي على دلالات عنف . حيث صرح بالقول " علينا تجنب التفاسير المخطوئة وذلك بكتابة المنهج باسلوب واضح وبسيط ".



وواصل بالقول بان " الجهاد يجب ان ُيدّرس لكونه مفهوما مركزيا في الاسلام ، وعلى المناهج ان تقدمه على انه واجب لتصحيح الاخطاء واقامة مجتمع متحضر ".



وعلى أي حال ، فالآلوسي وهو العضو المستقل في البرلمان ، يشعر بانه يجب حذف مصطلحات كالجهاد من الكتب المدرسية.



حيث يقول " لاحاجة للجهاد طالما هناك حكومة قانونية وبرلمان في العراق". ..." يجب تقرير المناهج عن طريق خبراء- وليس عن طريق الساسة او رجال الدين".



ويضيف الالوسي بانه يؤيد فكرة تدريس الاسلام في المدرسة طالما انه لايتضمن " الافكار الارهابية المُدّمرة ".



وعلى الرغم من ان فريجي،مستشار وزير التربية ، أصر بان المنهج الدراسي لايزال قيد المراجعة ، الا ان البعض يتسائلون فيما اذا كانت الحكومة ستاخذ برأي نقاده أصلاً. فهم يجادلون بان هذه المناهج ما لبثت ان حققت أهدافها : إضافة نزعة شيعية لتدريس الاسلام.



أخبرالمعهد أحد مسؤولي الوزارة ان "عملية التحديث (للمناهج) انتهت"،المسؤول،الذي لم يكن مخولا للتصريح للصحافة وطلب عدم ذكر اسمه،قال بان الحديث عن تحديث المناهج كان وعدا طويل الأمد.



وواصل بالقول " مازالت الوزارة تواصل قولها بان العملية قيد الانجاز من اجل تهدئة (مخاوف) السُنة ".



اما بالنسبة للفريجي فانه يصر بان الوزارة مخلصة في عملها ويقول بان عملية التحديث تتقدم ببطء. حيث صرح بالقول " انها ليست مهمة يوم واحد ولانستطيع اعطاء وعد بتنفيذها خلال هذا الشهر او هذه السنة ".



ويجادل بعض الساسة من الشيعة بان تركيز المنهج الجديد على الاسلام مسألة عملية جداً - وان المناهج لاتميز ضد الاقليات الاخرى.



من جانبها استشهدت منى زلزلة ، وهي احدى المشرعات في المجلس الاسلامي الأعلى ، أحد الاحزاب الرئيسية في البلاد، بالدستور الذي ُكتب بعد 2003 والذي يؤيد المناهج الحالية.



حيث قالت " هناك فقرة في الدستور تنص على انه لا قانون ُيعارض الإسلام"..." ولذلك فانه على أبناءنا من غير المسلمين ان يعرفوا أساسيات الاسلام لكي يتجنبوا الامور الغير قانونية والغير دستورية ".



مخاوف الاهل



يساور القلق العديد من الاهل. فبعد الإطاحة بصدام حسين، تأملوا بان يكون هناك دستور جديد وديمقراطي يجعل من التعليم عملية اكثر شمولية.



في هذا الاطار تقول ام سهاد " اتمنى ان تتمكن ابنتي ان تتعلم ديانتنا في المدرسة "، وام سهاد هي والدة فتاة مراهقة تنتمي للطائفة الصابئية، حيث تعرض ابناء هذه الطائفة الى الاضطهاد الشديد بسبب ديانتهم التي تعود الى زمن بعيد.



اما علاء علي ، وهو أب لطفلين ورفض عن الافصاح عن كونه شيعي ام سني فقال بان المنهج الجديد " غيّر اتجاه صدام المنحاز بالتاثير الشيعي".



نظرا لوضع العراق الامني الحالي ولتنوع أطيافه ، فان البعض يتسائلون ما إذا كان يجب تدريس الدين في المدارس بالمقام الاول.



يستذكرحسين علاء وهو مدرس رياضيات ، يبلغ من العمر 30 عاما ، والذي نشا في عائلة شيعية ابان عهد صدام حسين، حيث كان دائما ما يحاول ان يتكيف مع مايتعلمه في المدرسة وما يتعلمه في البيت.



ويستذكر ُمبيناً " لقد كان من الصعب علي وانا طفل في السادسة من العمر ان اتعلم الطريقة السنية للصلاة في المدرسة والشيعية في البيت".



لقد علمته التجربة بان الدين أمراً شخصياً.



حيث يقول " ان الدين ليس حرفة، انه معتقد شخصي"..." افضل ان ُيلغلى تعليمه في المدارس".



عبير محمد - محررة محلية أقدم في معهد صحافة الحرب والسلام - بغداد
Iraq
Frontline Updates
Support local journalists