العودة الى بغداد

بقلم: سوزان فيشر

العودة الى بغداد

بقلم: سوزان فيشر

. وهما ضروريان كلما اردت مغادرة المنطقة الخضراء المحصنة ، التي تعتبر مقرا للسفارات، المنظمات الاعلامية، والبنايات الحكومية، التي ستكون مقر اقامتي خلال الاسبوعين القادمين.



انها زيارتي الولى للعاصمة منذ ان غادرتها في مايس عام 2004. وبعيدا عن المرور المؤقت في مطار بغداد الدولي، فانني قد اقمت في الاقليم الكردي الاكثر امانا في الشمال الذي يحادد تركيا وايران. وفي السليمانية ذات الامان النسبي، اقام معهد صحافة الحرب والسلام مركزه التدريبي للصحفيين من جميع انحاء العراق.



في العام 2004 وحين كنت اعمل مراسلة في العراق، سكنت في منطقة العرصات ذات الاغلبية المسيحية في وسط بغداد. كنت اتجول في الشارع مشيا على الاقدام او بسيارتي الفولكس واكن باسات موديل 1987 التي جلبتها معي من المانيا.



لم اكن اصطحب حارس امن، كان يرافقني المترجم فقط الذي كان يجلس جنبي في السيارة ويقودني عبر مناطق بغداد المتشابكة وهو يقرأ لي العناوين المحلية الرئيسية. وفي ملاحقتي للاخبار، سافرت من زاخو قرب الحدود التركية الى البصرة الواقعة عاى شط العرب، ومن بعقوبة في اقصى الشرق الى هيت على نهر الفرات في محافظة الانبار في اقصى الغرب.



الان، وبعد اربعة سنوات، فان المكان الوحيد الذي يعتبر امنا في بغداد لا تتعدى مساحته 7.7 كيلو متر مربع.



الاسم الرسمي للمنطقة الخضراء – وهي مساحة من الارض تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة – هو المنطقة الدولية. لايزال الكثير يستعمل اسمها القديم، للتدليل على تناقضها وهي المنطقة المغلقة من بغداد مع المنطقة الحمراء القابعة خلف الجدران الاسمنتية والاسلاك الشائكة.



انا اسميها مدينة الباجات – الهويات-، لان هناك مختلف الالوان من الباجات اصدرتها السفارة الامريكية، لتحديد من تكون انت واين يسمح لك بالذهاب.



الباج الاحمرالذي يحمله العمال الذين يعملون في موقع واحد من المواقع الانشائية الكثيرة، الذي يسمح لهم بالمرور مشيا على الاقدام في اوقات معينة وايام معينة. الباج الاخضر او الازرق يسمح لحامله بالمرور بسيارته واصطحاب من 10-15 شخص معه طوال اليوم وطوال الاسبوع.



في اليوم الثاني، حصلت على باجي- هويتي- من المركز الاعلامي العسكري المشترك. وقد مكنني ذلك من التجوال بحرية رغم انني كنت اخضع للتفتيش في كل نقطة تفتيش واحتاج الى مرافق لدخول بعض البنايات الرسمية.



خلال اقامتي في بغداد في الاعوام 2003 و 2004، لم ادخل المنطقة الخضراء الا لحضور المؤتمرات الصحفية او لترتيب الامرلمرافقة القوات العسكرية اثناء قيامها في مهمة. الان، فان مغادرتها هو الاستثناء.



يقيم بعض الصحفيين في الفنادق في المنطقة الحمراء حيث هناك نقاط التفتيش الخاصة بتلك الفنادق.



تملك معظم مكاتب وسائل الاعلام بيوتا ومجمعات عبارة عن نسخة مصغرة من المنطقة الخضراء. تشترك ABC,CNN,FOX NEWS, NPR في منطقة تسمى مدينة الاعلام خارج المنطقة الدولية –المنطقة الخضراء-، بينما تقيم BBC, REUTERS في شارع محصن قرب فندق فلسطين.



زيارة مفاجئة لصديق هي ضرب من المستحيل. يجب ان يتم الاعداد للزيارات مسبقا، والاصدقاء الذين يأتون لتناول العشاء ، يقضون ليلتهم هناك.



احد اصدقائي الذي يحمل الباج الاصفر الذي يخوله الدخول الى المطار جاء لاستقبالي ومرافقتي الى المنطقة الخضراء. يبدو طريق المطار السيء الصيت، او كما يطلق عليه العسكر تسمية "الطريق الايرلندي"، هادئا ونحن نجتاز ال12 كم من المطار الى اقرب مدخل من مداخل المنطقة الخضراء.



ذهبنا مباشرة الى المنطقة الخضراء عبر نقطة التفتيش رقم 12. ابرز صديقي باجه الاصفر ونطق بالكلمة السحرية "مرافق" التي فتحت لي ابواب المدينة المغلقة.طلب مني ابقاء جواز سفري، وكان علينا نزع بطاريات تلفوناتنا المحمولة، والنزول من السيارة وفتح الابواب وبنيد وجنطة السيارة والانتظار خلف احد العوارض الاسمنتية استعدادا للتفتيش الذاتي. تم تفتيش السيارة بواسطة الكلاب المدربة على شم المتفجرات، وكذلك باستعمال المرايا والتفتيش اليدوي.

بعد 20 دقيقة، فتحت العارضة وسمح لنا بالمرور.



يذكرني العالم الذي دخلته باحدى العاب الفيديو. سيارات غريبة الشكل ودبابات بمدافع الية مع لوائح تحذير "ابق بعيدا لمسافة 100 متر. مرت من فوق رأسي مروحيات بلاك هوك.



الان، وبعد انسحاب الكثير من قوات التحالف، فان الاعمال الامنية في العراق صارت شأنا دوليا اكثر من اي وقت مضى. صار هناك نقاط تفتيش اضافية للبنايات الحكومية يديرها متعاقدين من مختلف انحاء العالم.



الكثير من الناس الذين اعرفهم قبل 4 سنوات قد تركوا المدينة ويقيمون الان في عمان او دمشق او دبي، لم يكن بوسعي الانتظار للخروج والقاء نظرة على بغداد التي اعرفها او التي عرفتها، كنت تواقة لمعرفة ما بقي منها.



بعد ثلاثة ايام، لبست العباءة والحجاب ورافقت اصدقائي بعد انتهاء عملهم. مررنا عبر البوابة 12 لاخذ جواز سفري، وخرجنا من البوابة التي تؤدي الى طريق مطار بغداد الدولي في طريقنا الى منطقة القادسية التي يقطنها معظم المسؤولين الحكوميين.



الحواجز الاسمنتية هي المشهد السائد هنا ايضا. تذكرت الجسر الذي اعتدت المرور عليه في طريقي الى المنصور غرب بغداد، لكنه الان مغلق.



على الجهة اليسرى، رأيت الكنيسة التي حضرت فيها يوما ما حفلة زواج مندائي في عام 2004. معظم اعضاء هذه الطائفة الدينية القديمة وهم اقلية قد تركوا العراق، ولقد اندهشت لرؤية الكنيسة وهي تبدو لا تزال مفتوحة.



دخلنا الطريق الرئيس الذي يؤدي الى الجادرية حيث انزلني صديقي قرب فندق الحمراء المعروف بايوائه للصحفيين في عام 2003 و 2004، كان الفندق قد تعرض الى هجوم انتحاري في العام 2005. لم يصب احد من الصحفيين في الانفجار، لكن 17 عراقيا من اهل المنطقة قتلوا في الانفجار.



لم يتغير منظر الفندق، لا تزال الكافتيريا بديكورها السبعيني الطراز، المسبح، ولا تزال ارجوحة هوليود في مكانها. على انه لايوجد احد يتبادل اطراف الحديث جنب حوض السباحة.

رغم ان الفندق مسكون بالكامل، الا انه يبدو مهجورا.



التقيت صديقة هولندية في الكافتيريا. كانت عائدة من زيارة الى شارع المتنبي الذي ظل لعقود احد اشهر اسواق الكتب في المدينة. اصبح الان مهدما بعد تفجيره في مارس 2007.



اخبرتني بان ذلك "شيء يدمي القلب. معظم المحلات مغلقة والقليل من رواد السوق يتواجدون فيه، ولم امضي فيه اكثر من 15 سنة لعدم شعوري بالامان".



قررنا تناول الطعام في مطعم ركن الجادرية القريب من الفندق. كلانا كان مغطى بالسواد مع نظارات شمسية سوداء على عيوننا،عبرنا الشارع مع صديقي المترجم وجلسنا في صالة العوائل.



بامكانكم التحث بصوت واطيء ان اردتما التحدث باللغة الانكليزية، قال لنا صديقي المترجم.



طلب لنا المترجم الطعام، ورغم ان النادل ادرك اننا اجانب، فقد تظاهر باننا من رواد المطعم الدائميين. كان المطعم ممتلأ وهناك عائلتان على الطاولة المجاورة لنا، الا ان احدا لم ينتبه لوجودنا. احضروا لنا الطعام وكان برياني دجاج وشوربة ومقبلات- شعرنا حينها بالارتياح. وبعد 40 دقيقة، عدنا الى الفندق.



وبعد ان جاء اصدقائي ليوصلوني، طلبت منهم ان نذهب الى الكرادة والعرصات. رغبت في رؤية المنطقة التي كنت اعيش فيها والمطاعم والمحلات. كان الشارع خاليا –كان اليوم جمعة- وهو يوم العطلة الاسبوعي لدى المسلمين. بدت المحلات خالية لان الكثير من المسيحيين الساكنين هناك اما هربوا الى الخارج او نزحوا الى الشمال. مررنا بالمطعم السوري الذي كثيرا ما كنت اذهب اليه، كان لا يزال مفتوحا ومزدحما، لكن اصدقائي لم يكونوا راغبين ان انزل من السيارة، وبقينا نسوق.



بينما كنا نتجول في بغداد، احسست وكأني ارقب مريضا في فترة نقاهة وهو يشفى من مرض هدد حياته. ولكن لا احد متأكد من شفائه.



الشارع الوحيد الذي ينبض بالحياة هو الكرادة داخل، وهو شارع تجاري ومكان للتسوق حيث تنتشر مطاعم الكباب والمخابز ومحلات بيع اللوحات الفنية ومحلات التلفون المتنقل ومحلات الملابس. ورغم وجود نقاط تفتيش الشرطة المتعددة، فان الكرادة تبدو مثل ما كانت قبل 4 سنوات.



بعد مضي اسبوع، خرجنا في نزهة، بعد تناولنا العشاء في بيت احد الاصدقاء. قمنا بزيارة منطقة زيونة المختلطة في شرق بغداد حيث كان يسكن مالك الدار الذي استأجرته منه اثناء اقامتي الاخيرة في بغداد. لقد تركوا البلد، وعندما رأيت المنطقة، ادركت السبب.



كان شارع الربيعي شارعا حيويا ممتلأ بالمطاعم والكازينوات ومحلات الانترنت ومحلات بيع الملابس. لكنك تجد الان ان النفايات تحرق في الشارع والقليل من العوائل تتواجد هناك.



عدنا ثانية الى منطقة الكرادة داخل حيث منها دخلنا الى المنطقة الخضراء. الشارع ينبض بالحياة وبالمراهقين والعوائل التي تتمتع بالمساء الدافيء خارج بيوتهم. للحظات، تمنيت ان يشفى المريض العليل بشكل كامل.



سقنا السيارة لمسافة قصيرة الى نقطة التفتيش رقم 8 وانتظرنا للسماح لنا بالدخول.



بعد دقيقتين، جاءت سيارة مسرعة وخرج منها رجل وهو يصرخ " معنا مصابين اثنين، افتح الباب بسرعة، يجب ان نذهب الى مستشفى ابن سينا".



ومن خلال نافذة السيارة، رأيت رجلين على الكرسي الخلفي في ملابس ممزقة تغطيهم الدماء.



اخبرنا احدهم ان عبوة ناسفة انفجرت في الكرادة داخل. سمح الجنود الامريكان بدخول السيارة وقاموا بمرافقتها بسيارة همر الى المستشفى العسكري في المنطقة الخضراء.



في اخر المساء عرفنا تفاصيل الانفجار ونحن نراقب الاخبار.



بعد الانفجار، فجر انتحاري نفسه وسط الجموع التي تجمعت في المكان لابداء المساعدة. قتل ما لايقل عن 68 مواطنا وجرح العشرات. كنا قد غادرنا المكان قبل دقائق قليلة من وقوع الانفجار.



بعد ذلك، لم تبدو تلك المنطقة من بغداد ذات ال 7.7 كم مربع منطقة خانقة ومملة.



سوزان فيشر: مديرة برنامج الشرق الاوسط لمعهد صحافة الحرب والسلام



الاراء التي تضمنها المقال لا تمثل بالضرورة اراء معهد صحافة الحرب والسلام

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists