الدراسة في زمن الحرب والنزوح قصة طالبة ومعاناتها مع التهجير

الكاتب: رزان

الدراسة في زمن الحرب والنزوح قصة طالبة ومعاناتها مع التهجير

الكاتب: رزان

A dilapidated classroom in Aleppo’s Amro bin As School. (Photo: Mahmud Abu Sheikh)
A dilapidated classroom in Aleppo’s Amro bin As School. (Photo: Mahmud Abu Sheikh)
Tuesday, 26 May, 2015

إسمي رزان ، من مواليد العام 1999، بدأت طفولتي في مدينه دير الزور درست فيها آخر المرحلة الابتدائيه. أكملت دراستي في إدلب المدينة لمدة عامين. في بداية الفصل الثاني من الصف الثامن كنت منشغله بالمظاهرات والتدريب على الإسعاف الأولي في الهلال الأحمر، أنا وبعض الحرائر من بينهن أمي. كانت الدورة لمدة اسبوع، من بعدها تأهلت مع الناجحات من الفتيات للتدريب في المساجد، وسلموني مسجد بلال.

عند بداية الثورة السورية، في عام 2011 انطلقت المظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط النظام. تطورت الأمور وكثرت المجازر فتبدلت المظاهرات، من إسقاط النظام إلى إعدام بشار الأسد وأعوانه ومن هنا بدأت مهمتي. في كل يوم خميس كان لنا جلسة عائلية تحضيراً ليوم الجمعة. كنا نكتب الشعارات والهتافات عن الأحداث التي مرت معنا ضمن الأسبوع. وبعد صلاه الظهر يوم الجمعة، ننطلق من المساجد متجهين إلى الساعة ويصرخ أخي هاشم بالهتاف. ذات مره قررت أن  أكتب قصيدة عن الأحداث، وألقيها أمام المتظاهرين. أبلغت أخي معن وطلبت منه أن ألقي قصيدتي . أخذني معه وتوجهنا إلى المنصة، وقدمت ما لدي للحضور. كانت فرحتي لا توصف. أظهرت ما في داخلي من أحاسيس ومشاعر. وبعد انتهاء المظاهرة وخلال عودتنا إلى المنزل، فوجئت بأحد أقاربي يبلغني أنني ظهرت في بث مباشر على التلفاز، الأمر الذي زاد من سروري. ولم يدم هذا الفرح طويلاً، فالجمعه التي تلت كانت جمعة خروجنا من إدلب ونزوحنا إلى المزارع في الريف. يوم الخميس في الثالث من شهر آذار/مارس عام 2012، تعرّضت محافظة إدلب للقصف. اقتحمها الجيش وتحولت المظاهرات من سلمية إلى مسلحة .

 

حينها قررت إكمال دراستي، ففوجئت برسوبي في الصف الثامن، لأن أهلي من المعارضين. قررت ألّا أعيد دراسة الصق الثامن وأكملت دراسة التاسع بشكل حرّ . عانيت صعوبات عدة، كنت أساعد أمي بالطبخ للمجاهدين في عدة كتائب.  وكنا نغسل لهم ملابسهم . كنت قد قسّمت وقتي بين الطبخ والغسيل صباحاً والدراسه مساءً . كنا نحو عشرين شخص في غرفة واحدة من بينهم 9 أطفال، ولم يكن لدينا كهرباء. كنت ادرس على ضوء الليزر البسيط جداً. لم يكن لدي دروس خصوصية كما هو الحال داخل إدلب، وحتى المدرسه التي كنت اذهب إليها كمستمعة نادراً ما كان يزورها المدرسون بسبب الأحداث. ولم اكمل منهاج التاسع في المدرسة، لكن سهري في الليل هو سبيلي لذلك.

كانت الصاعقة الأقوى استشهاد أخي الأكبر معن، فقد كان سندي الكبير، أصابني اليأس وقررت التخلي عن الدراسة، فأعادني أهلي بالإقناع.

كان أخي قبل وفاته يقول لي: أريد منك الاهتمام بمتابعة اطفالي للدراسة.

 

وفي شهر أيار/مايو من عام 2013، ومع اقتراب الإمتحانات ذهبت لمدينه إدلب. مكثت عند جدتي متنكره خوفاً من أن يراني أحد. كانت حالتي النفسيه يرثى لها. كنت خائفة من الذهاب إلى المركز لتقديم الإمتحان. في أول يوم من الامتحان انتابني الرعب. كان هناك 6 مراقبين في القاعه في كليه الحقوق. لم يكن لدي هويه شخصيه فحملت دفتر العائله بدلاً منه وهنا بدأت الاسئلة. اقتربت مني المراقبة وفتحت دفترالعائلة، وأعادته لمكانه  وبعد دقيقتين أعادت العمليه نفسها. كنت أرتجف وقلبي يخفق ولم أعد أعرف ماذا أفعل.

هل أمسك القلم وأتجاهل مايدور حولي؟ أم اصبر لأرى ماذا سيحل بي؟

توجست من أن تكون قد عرفت إخوتي وعائلتي… تجرأت قليلاً وسألتها: هل هناك شيء يا آنسه؟

اقتربت منّي وهمست: هل هاشم ومعن أخويكِ؟

أجبتها بسؤال: من تكونين؟

قالت لي: اجيبيني .

فرديت بالإيجاب.

قالت: لاتقلقي أنا إخوتي شهداء كانوا رفاق إخوتك.

في يوم تقديم مادة الرياضيات، اقترب مني مراقب وكرر ما فعلته المراقبة قبله، قلت في نفسي سأكون أقوى من المره السابقة. وما إن هممت بسؤاله حتى قاطعني قائلا: أكملي أكملي.

عندما هممت  بتسليم الورقة أخذها وقال لي: إذهبي الله يحميكي ويحفظك ويحمي أهلك.

علمت أنه عرف هويتي ولكن لم يبح لي . خرجت مسرعة بعد انتهاء آخر أيام الامتحانات، وسافرت إلى حيث أهلي.

كانت أيام لا أستطيع أن أصفها إلا بالمضحك المبكي. هل أبكي خوفاً مما حصل معي؟ أم اضحك كوني نجوت فخورة بإخوتي وأهلي؟

ظهرت النتائج والحمدلله اجتزت تلك المرحلة، وبدأت بالعام الدراسي الجديد. وفي بدايه العام دراسي اصيب أخي عبد الكريم واستشهد أخي هاشم. وفي حزيران/يونيو عام 2014. قررت البدء بدراسة منهاج البكالوريا العلمي، فكّرت بالذهاب إلى بلدة معاره مصرين واكمال دراستي هناك بسبب توافر المدرّسين المتميزين في تلك المنطقه. لكن الظروف منعتني من الذهاب لأننا نسكن في بروما ولم يتوفر لدي وسيله نقل.

قرر والدي ان يرسلني إلى بلده دركوش، أقمت هناك عند أحد اقربائي وبدأت دوراتي في تلك المنطقة. اشتقت لعائلتي وأنا لم اعتد البقاء بعيدة عنها.

أصدرت جبهة النصرة قراراً قضى بإلغاء المعاهد بسبب الاختلاط ولباس الفتيات . توقفت دراستي، ورجعت لمنطقه قريبه من بروما، قرية تسمى كفرجالس ولكن المدرسين فيها ليسوا متخرجين  فهم طلاب جامعات. لم يكن قد بقي لي سوى هذا الحل. وحتى دراستي في هذه القرية ليست مستقره بسبب الأوضاع السيئة. من وقت لآخر ننزح إلى بلدة دركوش بسبب قربنا من قرية كفريا. في آخر معركة هناك أصيب والدي.

لا اعرف ماذا تخبّئ لي الأيام المقبلة، ولكنني لن أقف ساكنة أمام من يعيق دراستي، ومهما مرت علينا صعوبات لن اتخلى عن دراستي وعلمي.

Frontline Updates
Support local journalists