العد التنازلي الصامت
في اللحظات الاخيرة، الاكراد يعودون من خط الجبهة ويتذكرون الماضي الذي حمل معه فشل ذريع ولكن يتأملون ان هذه المرة سيكون الوضع مختلفا.
العد التنازلي الصامت
في اللحظات الاخيرة، الاكراد يعودون من خط الجبهة ويتذكرون الماضي الذي حمل معه فشل ذريع ولكن يتأملون ان هذه المرة سيكون الوضع مختلفا.
الساعة الآن حوالي 12:30 صباحا، وانا أكتب من برمام. ان أردت أن تجدني على الخارطة فابحث عن اسم صلاح الدين، هذا الاسم الذي تستخدمه الحكومة العراقية لهذه البلدة.
تبقى اقل من 30 ساعة على الانذار النهائي الذي اعطاه الرئيس الامريكي جورج بوش.
الطقس هذه الليلة عاصف. يعتقد الاكراد ان الرياح هي افضل حماية لهم من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية خاصة عندما تأتي مع الامطار. هكذا الطقس هذه الليلة. هل سيكون الاكراد محظوظون هذه المرة؟ اتمنى ذلك، لاننا لا نملك اقنعة ولا مضادات ضد هذه الاسلحة.
في كل عام من يوم 12 آذار، يحتفل الاكراد بعيد نيروز، وهي بداية السنة الكردية، أهم شيء عمله في نيروز هو اشعال نار.
هناك اسطورة كردية تقول بأنه قبل الاف السنين كان هناك ملك شرير اسمه زوهاك الذي عقد اتفاقية مع الشيطان ليستمر في الحكم. ومن اجل ان يبقى على قوته، طلب منه الشيطان ان يشرب دم طفلين كل يوم. في يوم من الايام قرر الناس ان يوقفوا ما يحل لابنائهم. وقفوا خلف حداد محلي اسمه كاوا الذي قام بقتل زوهاك وحرر الشعب. نحن الاكراد نحتفل بانتصار الخير على الشر في يوم نيروز.
لن اقوم بالحكم على اي جزء من هذه القصة حقيقي واي جزء منها خيال، ولكني متأكد بأن اليوم هناك زوهاك في بغداد. في خطابه يوم الاثنين صرح الرئيس الامريكي جورج بوش بأن يوم التحرير للعراقيين قريب جدا. انا عراقي واتامل بأن يأتي هذه اليوم قريبا.
الوضع هنا في كردستان العراقية صامت. على الرغم من ان الاكراد اخلوا المدن القريبة من خطوط الجبهة مع قوات صدام – نصف العائلات قامت بالمغادرة من هذه البلدة – بشكل عام هم متفائلون. قبل 15 سنة في مثل هذا الشهر تم استخدام اسلحة الدمار الشامل ضد الاكراد والعالم وقف متفرجا. لقد قرر الناس هنا اخلاء المدن الكبرى كاجراء وقائي لانه حتى الان لا نملك وقاية ضد الاسلحة الكيماوية. نتأمل ان لا تكون هناك فرصة امام صدام لاستخدام اي شيء.
حتى هذه اللحظة فان الامن في المنطقة مستتب وتحت السيطرة. في اربيل مدينة يقطنها المليون، غادر حوالي 40% من السكان. ولكن لم يتم التبليغ عن اية حادثة سرقة، نسبة الى قائد الشرطة، وهو صديق لي، على الرغم من الخوف والتشويش مما يمكن ان يحصل في الايام والساعات القادمة والاخلاء غير فوضوي. العراقيون الاكراد اصبحوا خبراء في هذا المجال. لا يوجد احد بعمري او اكبر مني لم يمر بتجربة اخلاء منزله ولو مرة واحدة.
اتذكر الاخلاء عام 1991، بعد الحرب الكويتية، بالضبط في مثل هذا اليوم – قبل 12 عام، اذكرها الامس ! كنت اعزبا وسنتين بعد تخرجي من كلية الطب. كان الاكراد يهربون باتجاه الحدود ومن خلفهم قوات صدام وطائرات الهيلوكبتر، والذي نعتقد بأنهم اعطوا الضوء الاخضر من الولايات المتحدة. الحدود الايرانية والتركية كانت مغلقة وكان هناك 2 مليون شخص ينتظرون على الحدود. انا لا ابالغ، الذين يعطون ارقام اقل يقللون من قيمة الموقف خوفا من الاحراج الذي من الممكن ان تعطيه هذه الارقام للمسئولين.
والدي، اخواتي، واقرابائي كانوا كلهم من بين الـ 12 مليون. رأيت اطفال يموتون من الاسهال ومن سوء التغذية بام عيني. كمتخرج حديث ومتحمس من كلية الطب لم استطع فعل أي شيىء و بدلا من ان اعالج الناس، ساعدت بدفنهم.
اليوم الوضع مختلف، بمساعدة حماية المأوى ألامن الذي أمنته الولايات المتحدةة وبريطانيا خلال 10 سنوات و الذي ساعد الأكراد باعادة بناء مناطقهم. تقريبا نصف الـ 4000 قرية التي دمرت خلال سنوات الثمانينات قد تم اعادة بنائها واسكانها. الـ 2000 قرية الموجودة في المناطق الجبلية تزود بعمق استراتيجي جيد للانسحاب اذا لزم الامر.
عندما يتذكر الاكراد تجربة 1991 فانهم يفضلون الموت على الذهاب الى تركيا او ايران. بعد عقد من الحكم الذاتي، الاكراد هم منظمون اكثر ومستعدون احسن. اليوم هناك توافق بين المصالح الامريكية والكردية – تغيير النظام في بغداد يبدو العكس من الهدف الذي كان عليه الامر في عام 1991.
في اثناء رفضت كل الدول المحيطة المشاركة بقواتها في الحرب، بما يضم ذلك الكويت حيث تتمركز معظم القوات الامريكية هناك. الاكراد سيشاركون ومستعدون ان يكونوا على جبهة القتال.
لقد بدأت القصص والشائعات بالوصول من الجانب العراقي، واحدة من هذه القصص تقول بأن رجلا فقيرا بدأ يحي مجموعة من الجنود العراقيين يرتدون زيا عسكريا امريكيا – تقول القصة بأنها خطة من قبل الحكومة العراقية لتمويه القوات الامريكية. الرجل اعتقد بأن القوات الامريكية وصلت وقام بالتهليل للرئيس بوش ولكن اتضح بأن "الامريكيين" هم من الحرس الجمهوري، وقاموا باعتقاله.
علي سيندي، خريج كلية كنيدي للدراسات الحكومية، هارفرد. جراح كردي – نائب وزير الصحة سابق في الحكومة الكردية