احتضار فن صناعة الاكفان في كربلاء
تفوق مبيعات الأغطية المطبوعة المنتجة بكميات كبيرة على مثيلاتها التقليدية المنقوشة يدوياً
احتضار فن صناعة الاكفان في كربلاء
تفوق مبيعات الأغطية المطبوعة المنتجة بكميات كبيرة على مثيلاتها التقليدية المنقوشة يدوياً
أحد الصحفيين المتدربين في معهد صحافة الحرب والسلام (تقرير الازمة العراقية رقم 350، 19 آب- أغسطس 2010)
ينقش رزاق مصطفى الكاتب آيات من القران الكريم على أكفان المسلمين الشيعة، مكسياً الموتى للحياة الآخرة.
وبالرغم من انه يعمل في هذه المهنة لعقود عدة، إلا انه يقول لا يزال عمله هذا يملأه بالخوف. ولكي يحافظ على أعصابه يبدأ بتلاوة صلوات من القران، وهو مصدر الآيات التي يستنسخها على الغطاء.
" أنني أنظر الى الكفن كبدلة من الدرع تقوم بحماية الجسد في القبر وتدافع عنه ضد الديدان" يقول الكاتب الذي تعلم حرفته من والده، متبعاً تقليدا يعود الى قرون عديدة في مدينة كربلاء المقدسة الواقعة جنوب العاصمة بغداد.
ولكن في حين قد تقي الآيات القرآنية الموتى، فانها لا توفر إلا حماية بسيطة ضد قوى السوق التي بدأت تلتهم حرفة الكاتب القديمة.
فقد بدأت صناعة الاكفان في المدينة تعتمد في الوقت الحاضر، وبشكل متزايد، على آلة الستانسل لطبع الآيات التي كانت تخط بعناية فائقة فيما مضى يدوياً.
ويقول التجار بان زبائنهم يفضلون الاكفان الجديدة ذات الانتاج الوفير لانها أرخص، كما ويمكن صنعها بسرعة وحسب الطلب. فيما يقول الخطاطون الموهوبون بانهم يفقدون مهنتهم بسبب ذلك.
" كنت أبيع في الماضي 20 كفناً في غضون عشرة أيام. أما الآن فأبيع عشرة أكفان خلال الفترة ذاتها" يقول الكاتب. واضاف بانه تم اغراق السوق وبشكل فعال بالاكفان المصنوعة بالتقنية الجديدة.
ويصنع آلاف الاكفان في كربلاء كل عام. فالطقوس الشيعية تعتبرغسل الجثة وتحضيرها للدفن في كربلاء أمرا مباركاً، وذلك قبل ان تودع التراب في مدينة النجف المجاورة لها.
وقد لعبت المدينتان دوراً محورياً في تاريخ المسلمين الشيعة، ولا تزالان تهيمنان على الحياة الروحية لغالبية العراقيين الذين يتبعون هذا المذهب.
فكربلاء هي مثوى ضريح الامام الحسين- ع- وهو من أئمة الشيعة الذي قتل في المدينة في معركة حاسمة جرت وقائعها في القرن السابع الميلادي.
ويعتبر اتباع الامام الحسين تربة المدينة أرضاً مقدسةً، وهي تستخدم، في كثير من الاحيان مع الزعفران، كمادة يتم خلطها مع الحبر في كتابة الآيات القرانية على الأكفان.
ويمكن اعتبار اختيار الكفن شأناً شخصياً الى حد عميق بالنسبة للمسلمين الشيعة، ولا يستلزم الانتظار الى حين الوفاة، اذ يشتري الكثير من اتباع هذا المذهب أكفانهم الخاصة كوسيلة تذكير دائمية بفنائهم، وكدافع للتصرف القويم والمستقيم.
ويهيأ معظم الشيعة كسوة الدفن باختيار آيات معينة من القران، على الرغم من توفر أكفان جاهزة أيضاً في أسواق كربلاء.
وقد يستغرق صنع كفن مخطوط يدوياً عدة ايام، بينما تجهز الاكفان المطبوعة بالاستنسل عادة خلال بضع دقائق.
كما وان الاكفان المطبوعة أرخص سعراً، حيث يبلغ سعر الواحد منها 7 آلاف دينار عراقي، أو ما يعادل 6 دولارات أمريكية، اي ان كلفتها تعادل، على الأقل، نصف سعر الأكفان المخطوطة يدوياً.
وقد يستغرق انتاج الأكفان الغالية، المصنوعة عادة من خليط من حبر الزعفران والمغطاة كاملاً بآيات قرانية، عدة أسابيع وتباع بأكثر من 100 الف دينار عراقي، أو ما يعادل 90 دولارا أمريكياً.
وأكد ابراهيم سيد زنجاني، صاحب محل متخصص ببيع الاكفان، بأن الأغطية المطبوعة هي الأكثر شعبية لدى زبائنه.
ويعود انتاج النوع الجديد من الأكفان الى نهاية تسعينيات القرن الماضي، إلا انه يعتقد بانه غزا الاسواق وانتشر بعد العام 2003، حين بدأ الطلب على الاكفان يفوق تجهيزات الكسوة القديمة المخطوطة يدوياً.
ويورد زنجاني سببين وراء هذا الانتشار، اولاً، ادت نهاية حكم الطاغية السابق صدام حسين الى اعادة احياء الزيارة الشيعية الى كربلاء، حيث اتجهت أسواق المدينة الى الاكفان المطبوعة لكي تسد طلبات آلاف الزوار من بقية مناطق العراق ومن ايران المجاورة.
كما ويقول زنجاني بأن حرفيي الأكفان المصنوعة يدوياً تعرضوا لمزيد من ضغط السوق بسبب الصراع الذي عصف بالعراق عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
"قتل الكثير من الناس، كانت هناك الحاجة الى مزيد من الأكفان" قال زنجاني. واضاف " ولم تقدر الأكفان المخطوطة يدوياً ان تسد مثل هذا الطلب المرتفع".
ومع ذلك قال زنجاني بانه مازال يصر على خزن كمية من الأكفان المخطوطة يدوياً، التي يعتبرها بعض من زبائنه بانها أكثر أصالة ودقة.
ويقول منتقدو الأكفان المطبوعة، انه يتم انتاج هذه الاكفان على عجالة ودون اشراف بشري عن كثب، مما يزيد من احتمالية حدوث أخطاء فيها. فيمكن لمجرد انزلاق في الستانسل ان يغيير من الاهمية الدينية للنص المكتوب.
ويبدو ان لأهالي كربلاء آراء متباينة في هذا الشان.
يقول فراس طعمة " انني أفضل الكفن المخطوط يدوياً، لان الكفن المطبوع قد يحوي أخطاءا او حذوفات التي من الممكن ان تغير المعنى الكلي للآية القرآنية".
كما ويقول صاحب موسى جعفر، وهو صاحب متجر، بانه يفضل هو الآخر الأكفان المخطوطة يدوياً " انها الاحسن حسب الشروط الدينية لانها لا تحوي أخطاءا املائية".
لكن من جهتها، تقول ربة البيت جمانة قاسم بانها تختار النسخة المطبوعة " فكلا النوعين أكفان، ويمكن شراء الكفن المطبوع في اي وقت وبسعر أرخص".
ويقول سائق سيارة الاجرة، عقيل جلوب، بانه يفضل الكسوة الأرخص " لن ينظر الله الى القماش الملفوف حول العبد، بل الى تصرفاته عندما كان حياً".
كتب هذا المقال أحد الصحفيين المتدربين في معهد صحافة الحرب والسلام من كربلاء والذي فضل عدم نشر اسمه.